هل سيعزز الحشد الشعبي اللعنة النفطية ام يخرجنا منها ؟
    الأربعاء 1 أبريل / نيسان 2015 - 19:24
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    مثلما ذكرنا في مقالات سابقة فإن تجارب الشعوب تشير الى أن معظم المجتمعات التي جابهت تحدي الحروب خلال القرن العشرين تمكنت من تجاوز مصائبها والقيام بإصلاحات ضرورية في بنية ومؤسسات الدولة فوضعت المجتمع في وضع افضل مما كان عليه قبل الحرب. اليابان وألمانيا خسرتا الحرب ولكنهما سرعان ما حققتا نجاحات كبيرة في التنمية ورفاهية شعوبها. اما العراق فرغم دخوله عدة حروب لم يحصد منها إلا الدمار والتراجع بسبب الدكتاتورية والاستبداد من قبل عصابة حاكمة، واليوم يخوض حربا ضد داعش والبعثيين ولديه نظام ديمقراطي بعيد عن النضوج المؤسساتي وأدخل البلاد في فخ الدولة الريعية واللعنة النفطية مرة أخرى من خلال التعينات الحكومية والامنية. فهل ستنضجه هذه الحرب وتجعل طبقة النخبة تتحمل مسؤوليتها في التنمية وتتوقف عن سوء ادارة مواردنا البشرية والطبيعية خاصة ودخول حشود من المتطوعين ومن كافة المكونات هذه الحرب وإحراز الانتصارات الباهرة فيها؟
    مليون مسلح في الحشد الشعبي ومعظمهم عاطلين عن العمل ومليونين مهجر يعانون من انواع المشاكل وازدياد الوعي العام بفشل مؤسساتنا في ادارة امور البلاد لابد ان تفرض او تحفز تغيرات كبيرة في مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية. طبقة النخبة التي أثرت نفسها على حساب الشعب أصبحت الان امام الامر الواقع وعليها تقديم الانجازات ولن تنفعها الخطابة والوعود. اعمال داعش الوحشية طالت مواطنين عراقيين من كافة المكونات وهذا يمكن ان يزيد من التعاون بين المواطنين والأٌلفة بين المكونات ويجبر قادتهم على تخفيض سقف مطالبهم والبحث عن مشتركات وسطية والتعاون في صناعة القرارات التي تفيد الشعب العراقي بكافة مكوناته وأهمها قاطبة هو التوجه نحو السياسات التنموية.
    اول الاصلاحات يمكن ان نراها في المؤسسات السياسية وعلى رأسها الابتعاد عن مبدأ التوافق وتبني مبدأ الاغلبية في اتخاذ القرارات وتشريع القوانين ثم تفعيل مجلس النواب ليؤدي واجبه في التشريع والرقابة وأيضا توزيع الصلاحيات افقيا بين الوزارات والهيئات وجعلها مستقلة عن التأثيرات الحزبية والمكوناتية وعموديا بين المركز والحكومات المحلية لضمان مشاركة وكفاءة أكبر في العمل. ثاني الاصلاحات يجب ان نراها في المؤسسات الاقتصادية حيث اصبح واضحا بأن سياسة التعيينات بالدولة العراقية وتبذير ايرادات النفط فاشلة ولابد من احياء قطاعات الصناعة والزراعة الانتاجية، وهذا يتطلب أشياء كثيرة من اهمها دعم الانتاج وتقليل التكاليف وإنشاء مؤسسة كمركية فعالة وتعمل بسيطرة مركزية على كافة المراكز الحدودية. وثالث الاصلاحات المنتظرة هي في تحقيق عدالة معقولة في توزيع الموارد وحماية الضعفاء وتوفير العمل، فالفوارق الكبيرة بين الذين عندهم والمحرومين لا يقبلها الشعب العراقي خاصة وهو يمارس الديمقراطية والحرية.
    مكملا للإصلاحات الثلاث أعلاه لابد من الجدية في محاربة الفساد وإشاعة الامن وإلا فالثورة قادمة مع تعمق الشرخ والصراع العمودي بين المناطق والشرخ والصراع الافقي بين الطبقات. الامن يأتي من قناعة المواطنين وحسن معيشتهم وليس من الدولة البوليسية/العسكرية، فتحسن معيشة الناس اهم بكثير من زيادة اعداد العاملين في الاجهزة الامنية التي اثبتت عجزها عند التسيب وسوء القيادة وانتشار الفساد ونجاحها عند حسن القيادة والانضباط والتدريب. الأمن يأتي من اشراك المواطنين في استتاب الامن واحترام القانون وهذا يتطلب الانتماء والتفاؤل وليس التهميش والتشائم. الفساد موجود في التعيينات الانسية والفضائيية، في الرواتب العالية التي وضعتها النخبة لانفسها، في تمشية معاملات الناس بعد تعقيدها، في الملايين من البطاقات التموينية التي تصدر لأشخاص يسكنون في الخارج او غير موجودين او غير عراقيين او فعليا لا يحتاجونها، في الضمان الاجتماعي الذي يشمل بعضا من موظفي الدولة!، في الكمارك والضرائب، في العقود والمشتريات، وفي سرقة كهرباء وماء الدولة.
    الحرب الداعشية توفر فرصة ذهبية لإجراء اصلاحات ضرورية في المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لجعلها قادرة على اتخاذ القرارات النافعة للعراق ووضع العجلة الاقتصادية على نمو الانتاج الصناعي والزراعي وليس تعيينات الدولة والبطالة المقنعة، وعلى توفير الامن وتقليل الفساد المالي والإداري في العراق وبدرجة كبيرة من خلال عمل مؤسساتي ذو فعالية مستدامة. مشاركة المتطوعين من كافة المكونات في قتال داعش والبعثيين الصداميين والنجاحات التي احرزوها جعلهم عامل ضغط اضافي لما يمكن للحرب من ان توفر من فرص للاصلاحات البنيوية والمؤسساتية. من يحمل السلاح من اجل الوطن وعزة الناس ويلبي نداء المرجعية الحق في القضاء على داعش وفكره التكفيرى لكل من لا يوافقهم رأيهم وإن قال بالشهادتين لا يمكن ان نتوقع سكوته عن سوء الادارة والمظالم التي يعاني منها أكثر من غيره من المواطنين.
    معظم مقاتلي الحشد الشعبي من العاطلين والمهمشين ولابد ان يتوقعوا نوع من التعيينات في الدولة قبل وبعد الانتهاء من قضية داعش ومنهم من يملك من الوعي في ضرورة الاصلاح والاهتمام بأمور الناس. معظم قادتهم ومن يدعمهم من النخبة الحاكمة وأمورهم الاقتصادية جيدة ولكنهم يَعون ويرفضون ما يجري من فشل في المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتي لا تخدم الشعب العراقي. فإن اكتفى الحشد الشعبي وقادته بتعين معظم افراده في مؤسسات الدولة الامنية فعلينا ان نتوقع تعزيز اللعنة النفطية لأن الامر يعني زيادة العاملين في الدولة من غير المنتجين وهم يحتاجون سنويا حوالي  10 مليارات دولار يجب توفيرها من زيادة الانتاج النفطي وتخفيض حصة الاستثمارات وهو بالضبط ما يريده داعمي داعش.
    مشاركة الحشد الشعبي الشيعي والسني والمسيحي والتركماني وحتى الكردي في محاربة داعش تعطي شحنة قوية لدعم اللحمة الوطنية والهوية العراقية، والانتصارات التي حققوها لا تنحصر بهم فقط كقوة مقاتلة متمكنة ومتحفزة بل أيضا رفع معنويات ونفسيات الجيش والشرطة للقتال والصمود. النجاحات التي حقوقها ترفع من شعبيتهم كثيرا ويمكن ان يجعلهم قوة ضاغطة لا يستهان بها في تحديد مسار العراق في السنوات القادمة بين التوغل في اللعنة النفطية او اجراء الاصلاحات الجذرية للخروج منها. صراع النخبة الحاكمة يجب ان يتجسد بين من يدفع بالخيار الاول ويريد ابقاء الوضع الحالي ويحاول ان يستميل الحشد الشعبي بالمباركة والتعيينات وان تتهرب النخبة من القيام بالإصلاحات الجذرية أعلاه من خلال ترقيعات جزئية وكثير من الضوضاء، وبين من يريد اصلاح اجهزة الدولة ومؤسساتها وقوانينها وجعلها لخدمة العراق وشعبه بكافة مكوناته وطبقاته. الحشد الشعبي وقادته سيكون لهم دورا كبيرا في هذا الصراع وما سينتج عنه.
    الانتصارات على داعش تدعم وتوسع قاعدة المخلصين والنزيهين في النخبة والطبقة القائدة والراغبة وبجدية تنفيذ الإجراءات والإصلاحات الضرورية التي تحدثنا عنها وهذا التوجه سيتعزز بقوة اذا نجح قادة الحشد الشعبي بضم حشود من المقاتلين من كافة المكونات العراقية وبالأخص من المكون العربي السني لان ذلك يعني اعادة اللحمة الوطنية وإضعاف التدخلات الاجنبية، وان يؤكدوا على انضباطية الحشد الشعبي ولا يتحولوا الى مليشيات منفلتة تعمل خارج القانون والدولة وتسيء للمواطنين، وأيضا ان لا يكتفوا بتعين افراد الحشد الشعبي او قسم كبير منهم في المؤسسات الامنية بل يتقدموا بمطالب واضحة حول اعادة توزيع الموارد والقضاء على الفساد واختيار المؤهلين وبناء القطاعات الانتاجية، اي وقف مسيرة الدولة الريعية والبدء بالنهضة العراقية.
    القوى الخارجية والداخلية التي تريد جر العراق في مزيد من الاعتماد الريعي واللعنة النفطية والتي تدعم داعش وتحركاتها بأشكال متعددة منها السكوت والمماطلة في محاربة هذا التنظيم الارهابي والنزوع مؤخرا بمهاجمة الحشد الشعبي بادعاءات مختلفة تفهم جيدا ما يجري من تغيرات لا ترغبها ولم تكن تتوقعها وهي مرعوبة الان من تطور الامور نحو البدء بالنهضة العراقية والاستفادة من التجربة الايرانية في الصمود وبناء القطاعات الانتاجية وقدرتهم الحضارية. لذا على المخلصين من قادة العراق في الدولة والمجتمع والحشد الشعبي ممن يريدون نهضة العراق وانبعاث قدراته الحضارية قراءة الوضع العراقي والاقليمي بشكل جيد وعدم التنازل عن مطلب الاصلاحات الجذرية وبنفس الوقت الاستعداد لتحركات قوى الشر الخارجية والداخلية ومنها وقف تقدم الحشد الشعبي العسكري والسياسي والاجتماعي.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media