الحجاب فريضة الإسلام السياسى
    الجمعة 24 أبريل / نيسان 2015 - 04:09
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    (لن أنكر معلوماً من الدين بالضرورة. ليس هناك كشف إلهى أو نبوى حدد ما هو المعلوم وغير المعلوم. وهو رأى فقهى وليس من عند الله) نبدأ بعد الصلاة على النبى.

    ملابس الرجل والمرأة مرهونة بالطقس، بين تغطية الجسم كاملاً حتى الوجه شمالاً، وعرى كامل كلما اتجهنا جنوباً. المرأة فى المناطق الحارة فى أفريقيا لا ترتدى لباساً أو ترتدى قليلاً منه. الرجال والنساء فى الصحراء يرتدون نقاباً يحميهم عواصف الرمال، ويرتدون خماراً فى المناطق الحارة يقيهم حرارة الشمس. المرأة المسيحية فى جنوب مصر ترتدى غطاء الرأس كالمسلمة. الجزيرة العربية فى الجاهلية وصدر الإسلام كان الرجال والنساء يرتدون خماراً للرأس، وكان صدر المرأة مفتوحاً حتى النهدين (الحرة والأمة).

    الحجاب فى القاموس، الحاجز أو الساتر، فى القرآن واضح فى الآيات: «فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ * إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ * وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ * وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ * ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ». هذه الآية تحمل أولاً: تهذيباً للذين يؤذون النبى بالجلوس فى بيته للأنس به، ولا يتركونه لراحته، وسبب التنزيل أن بعضهم لم ينصرف من بيته بعد وليمة زواجه من زينب بنت جحش، ولم يتركوه لعرسه. ثانياً: هذه الآية خاصة بنساء النبى دون غيرهن من النساء، لخصوصيتهن وليس لأفضليتهن. فى البخارى باب (أعتق جاريته ثم تزوجها) احتار الصحابة فى موقف صفية بنت حيى، هل زوجته أم ملك يمينه؟ قالوا: إن حجبها فهى من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهى مما ملكت يمينه، فلما خرج مد الحجاب بينها وبينهم، فعلموا أنها من نسائه.

    ثالثاً: حفظهن وصونهن من طمع الذين فى قلوبهم مرض.

    ولما أراد الله للصحابة الأنس بالنبى، نزلت الآية «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ»، وأصبحت نساء النبى أمهات ومحارم كل المسلمين، ولا يجوز الزواج منهن فى حياته أو بعد مماته. أحمد بن حنبل أجاز بهذه الآية الخلوة بنساء النبى، ولذلك هذه الآية قد نسخت آية الحجاب وحكمها. الآية الثانية «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيْمَاً»، قال السدى: «كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة، يتعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة، كفوا عنها. وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب، قالوا: هذه أمة، فوثبوا إليها». ولهذا كان الجلباب لتمييز الحرائر عن الإماء، بدليل أن الأمة ليس عليها تنفيذ الحكم، وكانت تخرج عارية الصدر، وكان عمر بن الخطاب يضربهن بالدرة إذا تشبّهن بالحرائر وأرخين الجلباب عليهن، بل كانت وما زالت عورة الأمة تبدأ من السرة حتى الركبة، وكانت الإماء يعملن وصدورهن مكشوفة. (أليست الأمة وهى فى نطاق تصرف المسلم وبيته تثير الغرائز والشهوة كأى امرأة؟). أحمد بن حنبل وابن تيمية رأيهما أنه «إذا كانت الأمة جميلة تحتجب»، ولا أدرى من الذى يقرر الجمال وهو نسبى، وهل الجمال فقط محل الإثارة؟ يقول ابن تيمية إن الآية لا تشمل الإماء أو ملك اليمين، ولا يدخلن فى نساء المسلمين ولا التزام عليهن، لأنهن مكلفات بأعمال يعوق هذا الزى أداءها. ابن عثيمين يقرر أن الأمة إذا صلت على هذا النحو مكشوفة السرة حتى الركبة فصلاتها مقبولة لأنها التزمت بما قرر عليها. لماذا لا يشملها التكليف إذن؟ وكيف لا تحسب على نساء المسلمين وهى تؤدى فريضة الصلاة؟ إذن الحجاب لم يكن للعفة، ولو كان كذلك لألزم النساء جميعاً.

    والآية الأخرى «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ». الخمار هو غطاء رأس الرجل والمرأة ليقيهما حرارة الشمس «ما ترتديه النساء هو خمار وليس حجاباً». وكانت فتحة الصدر للمرأة واسعة تُظهر شق النهدين. يقول الغرناطى: «كنَّ فى ذلك الزمان يلبسن ثياباً واسعات الجيوب، فتظهر صدورهن، وكنَّ إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة يُسدلنها من وراء الظهر فيبقى الصدر والعنق مكشوفاً». وحين يفسر الطبرى جيوبهن بقوله «تسير على شعورهن وأعناقهن» يكون قد وسّع فى استخدام ما قصده الله من «الجيوب». ويكون القصد مما سبق شد الخمار (الذى كان موجوداً) لتغطية الصدر المكشوف حتى «لا يؤذين» من أذى من يستهزئ بهن، وأبقى الإماء كاشفات الصدر كما أسلفنا.. فإذا كان الحكم لتمييز نساء المسلمين عن الإماء وليس لعفة، لأنه لا يشمل الإماء وهن رهن تصرف المسلم، وفى كثير من الأحيان هن جميلات، يصبح الحكم فى هذا يدور مع العلة وجوباً وعدماً (ينتهى الحكم بانتهاء الإماء). وأخيراً نأتى لحديث أسماء..

    الحديث رواه أبوداوود عن الْوَلِيدُ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ عََنْ خَالِد بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا هَذَا وَهَذَا»، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ. قال أبوداوود نفسه: حديث مرسل لأن خالد بن دريك لم يدرك السيدة عائشة ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث. وقال عنه ابن حبان: كان ردىء الحفظ، وقال ابن حجر عن الحديث: ضعيف. هل يُعمل بالحديث الضعيف؟ فى الغالب الأعم لا يُعمل به وإن اختلفت آراء الفقهاء كما تعودنا.. للحديث بقية عن الزينة.

    "الوطن" المصرية
    "الأخبار"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media