عاصفة الحزم وخفايا توقفها المفاجئ
    الأحد 26 أبريل / نيسان 2015 - 19:31
    كاظم فنجان الحمامي
    بعد أسابيع من القصف الجوي المكثف، شنت فيه الطائرات السعودية حوالي (2500) غارة. دمرت 90% من البنية التحتية، وأوقعت آلاف الجرحى والشهداء، وأعادت المدن والضواحي إلى ما قبل العصر الجاهلي، وتسببت بانهيار كل شيء تقريباً في دولة بائسة يرزح شعبها تحت خط الفقر المدقع.
    كانت صورة مأساوية مؤلمة للمستوى المتدني الذي سجله العرب في انتصاراتهم المُستهجنة على العرب، بمباركة الجامعة العربية ومباركة مجلس الأمن، وليس في هذا التردي ما يثير العجب، فقد اشتركت طائراتهم في دك حصون بغداد والبصرة والموصل، وكانت في طليعة الأسراب التي دمرت ليبيا، وفي طليعة الفلول التي دمرت سوريا عن بكرة أبيها.
    لكن ملامح التعجب والعجب رسمتها القوى العربية المتهورة بنيران التداعيات المتوقعة فوق تشابكات خطوط الطول والعرض، والتي أفصحت عنها دولة الإمارات عندما عبرت عن خشيتها من اتساع الأضرار الجانبية للقصف العشوائي، الذي امتد ليشمل أهدافاً مدنية كثيرة، ويشمل مخيمات للنازحين اليمنيين، ومواقع لفرق الإغاثة البريطانية (أوكسفام)، وسقوط مئات المدنيين دون ذنب. ناهيك عن الإرباك السياسي الذي خلفته غارات عشرة أقطار عربية ضد دولة عربية لا تمتلك طائرة ورقية، وناهيك عن ارتفاع وتيرة التهديد في المنطقة إلى الحد التدمير المرعب.
    لم يتراجع الحوثيون عن عنادهم، ولم يتنازلوا عن مواقفهم السابقة، وليس هنالك ما يدل على انسحابهم من الأراضي التي سيطروا عليها، بما في ذلك صنعاء والمناطق الجنوبية بضمنها عدن. بينما لم تسجل السعودية أي تقدم بري على الأرض، في الوقت الذي تعرضت فيه لانتقادات دولية حادة، بسبب تخبطها وعشوائيتها في توجيه الضربات الجوية المدمرة، وبسبب تسببها في النقص الحاد في غذاء الناس ومياههم ودوائهم ووقودهم، آخذين بنظر الاعتبار أن التحالف السعودي شعر بعجزه المبكر في استئناف التدخل البري، وكان يخشى التورط في معارك طويلة الأمد، وربما أدرك صعوبة الاستمرار في هذه الغارات غير المتكافئة، ومما زاد الأمر صعوبة تراجع مصر وتركيا والباكستان عن مواقفها المؤيدة. الأمر الذي اضطر الرياض لإيقاف الغارات من جانب واحد، من دون أن يطلب الحوثيون الجلوس إلى مائدة المفاوضات، وهكذا جاء قرار الإيقاف بطعم الهزيمة، وكان صادماً لكل الحلفاء، خاصة بعد الحملة الإعلامية التي تبنتها الأقطار المتحالفة، فالأهداف العسكرية المعلنة، والتي تمثلت بإعادة الشرعية، لم تتحقق حتى الآن. ولا أمل في مبادرة (إعادة الأمل).
    تجدر الإشارة أن الإعلان المفاجئ جاء أولا من قبل وزارة الدفاع السعودية، وليس قيادة التحالف. ما يشير إلى وجود خلافات نشبت أخيرا بين دول التحالف. واحتمال وجود مبادرة جادة من قبل مصر والإمارات وعمان لإنهاء الحرب، بعد أن تأكد لبعض الأطراف وجود نوايا خفية من قبل المملكة لإعادة إنتاج الإخوان كقوة عسكرية تسيطر على اليمن، كمنطقة إستراتيجية في الجزيرة العربية. من هنا فأن إعلان الانتصار على الحوثيين يتنافى مع الواقع، فالمسلحون الحوثيون الحوثية ينتشرون الآن في كافة المدن اليمنية، خصوصا عدن الواقعة برمتها تحت سيطرتهم.
    أغلب الظن أن خلافاً حاداً وقع داخل الأسرة السعودية الحاكمة. كان السبب في إعلان انتهاء العمليات الحربية ضد معاقل الحوثيين. إذ تشير التكهنات إلى أن الخلاف وقع بين الجناح السعودي المؤيد للحرب، والجناح الرافض لها والخائف من أن تكون نكالا على نظامهم، وبعد كل هذه الأسابيع دون تحقيق أي هدف تم الضغط على الملك حتى يوقف الحرب قبل أن تتورط المملكة أكثر، وقبل أن توغل في الإجرام، وتتحول صورتها إلى إسرائيل جديدة في المنطقة.
    المثير للسخرية في هذه المؤشرات الكثيرة المتداخلة، أن قرار التوقف جاء بذريعة الإذعان لطلب الرئيس اليمني (هادي)، على الرغم من تحوله إلى شخصية كارتونية مسلوبة الإرادة، أما المضحك في هذا الأمر فأن بعضهم زعموا أنهم أوقفوا الحرب استجابة لتطبيقات الشريعة، التي توجب وقف القتال في الأشهر الحرم، ولما كان شهر (رجب) من الأشهر الحرم، فأن القتال فيه محرم. ويا سلام سَلِّمْ. فالعجب كل العجب في شهر رجب.



    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media