اوراق الغربة 2 المعهد الفرنسي ببغداد ... مع الاعلامية اعتقال الطائي
    السبت 23 مايو / أيار 2015 - 06:03
    د. مؤيد عبد الستار
    كانت لبغداد مساحة ثقافية متميزة بين عواصم الشرق الاوسط ، اشتهرت بالعديد من المعاهد والنوادي الثقافية ، عراقية واجنبية ، ومن بين الدور الثقافية الشهيرة ببغداد ، المعهد البريطاني الذي كان ينظم دورات تعليم اللغة الانجليزية ، ويعرض الافلام والمسرحيات ويساهم في الحركة الثقافية التنويرية في العراق ، كما كان  المركز الثقافي  الروسي الذي يحتل بناية جميلة في شارع ابي نؤاس ، يقدم المسرحيات والافلام والعروض الموسيقية ، واذكر فيه صالة الموسيقى  والبيانو الكبير، جربت تفحصه عن قرب احيانا . كان الى جانب البيانو جهاز حاكي كبير ومجموعة من الاسطوانات الروسية ذات الاغلفة الفنية  لاشهر الموسيقيين ، غالبا ما  كنا نستمع منه  الى اسطوانات جايكوفسكي  ، واذكر مرة شاهدت عرضا مسرحيا هناك للمخرج العراقي اديب القليه جي ، حضره جمهور غفير من المواطنين الذين يبحثون عن مسرح هادف . والقليه جي كان مديرا لفرقة مسرح الصداقة في المركز الثقافي الروسي ، غادر العراق عام 1979، علما ان السلطات اغلقت المعهد الثقافي  الروسي عام 1973. فحرمتنا متعة الاطلاع على رافد ثقافي كبير في سماء بغداد.
    اما المعهد الفرنسي فكان المعهد الذي درست فيه اللغة الفرنسية لعدة اشهر ، كانت معلمة اللغة الفرنسية جيزيل رائعة الجمال ، ولاول مرة كنا نحضر دروسا حديثة لتعليم اللغة ، كانت تستخدم البروجكتر والة التسجيل والصور التخطيطية . وفي احدى الامسيات الثقافية تعرفت فيه على اعمال الفنان سعيد صكار الذي احتفل بمعرض لتخطيطاته واعماله الزخرفية والحروفية .
    كان المعهد الفرنسي يحتل بناية كبيرة في شارع ابي نؤاس، الدروس مسائية ، لم يتجاوز عددنا في تلك الدورة الدراسية اصابع اليدين ، كانت الاعلامية الرائعة اعتقال الطائي  تحضر تلك الدروس ايضا في فصل استمر ثلاثة اشهر( صورتنا معا مؤرخة في15 / 12/ 1976) وقد التقطتها المعلمة جيزيل بكاميرتها البولورايد وهي كاميرا كانت حديثة يومذاك تلتقط الصور وتطبعها في عين الوقت ، فتستطيع الحصول على الصورة مباشرة بعد التقاطها في وقت كان التحميض والطبع يستغرق وقتا ليس بالقصير قبل كاميرة البولورايد .
    كنا نعد انفسنا للسفر والخروج نحو آفاق معرفية اكبر مما تحاول سلطة البعث حبس الناس فيه ، فالاجواء السياسية في بغداد غير مشجعة رغم وجود ما يدعى الجبهة الوطنية بين الحزب الشيوعي وحزب البعث ، الاعتقالات واضطهاد المواطنين الذين يتطلعون صوب المعرفة والديمقراطية جعلت من العراق صندوقا مقفلا على المفاهيم المتخلفة التي كانت تشيعها السلطة التي بدأت تشق  طريقها نحو  الدكتاتورية الفاشية  .
    من بين طلبة الفصل الذي كنا ندرس فيه  ايضا كانت فتاتان – اختان -  تعملان في عرض  الازياء  في وزارة السياحة ، وكانتا تسافران الى الخارج لعرض الازياء العراقية وتعريف العالم بحضارة العراق القديمة ، نشرت لهما وزارة السياحة يومذاك بوسترات كبيرة بالازياء التاريخية القديمة بين اثار العراق مثل الزقورة واسد بابل والملوية .. كانت الصغرى تدعى ايمان ، وفي حديث جرى بيننا اثر عودتهما من سفرة للنمسا وتقديم عرض ازياء هناك ، اخبرتني باستيائها من السفارة العراقية وبعض رجال السفارة الذين يتسمون بالوقاحة ومضايقتهن  بشكل لا ينم عن اي احترام للعرف الدبلوماسي للسفارة .
    انهيت عام 1976 دراسة اللغة الفرنسية على امل السفر الى فرنسا ، فتوجهت في عطلة الصيف الى اليونان ، ولكن الصعوبات التي حدثت اثر اختطاف طائرة من مطار اثينا الى عين تيبة في اوغندا اضاعت الفرصة ، فاضطررت الى العودة الى العراق .. وما لبثت ان غادرت مرة ثانية  عام 1979  الى الهند ، وبعد قضاء ستة اعوام هناك ، واصلت السفر واقمت وعملت في عدة بلدان مثل الجزائر وليبيا  حتى القيت عصا الترحال  عام 1990 في السويد اخيرا ، بينما استقرت السيدة اعتقال الطائي في هنغاريا.
    لا شك ان حلمنا الملازم لارواحنا  هو العودة الى الوطن ولكن يبدو انها رحلة مستمرة الى أجل غير مسمى .

    رابط الفصل 1:  اوراق الغربة
     مسيرة مناهضة للديكتاتورية... ذكريات من الهند http://akhbaar.org/home/2011/01/102869.html
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media