بعد سقوط الرمادي، كيف سيكون شكل القوة التي ستحرر الموصل؟
    السبت 23 مايو / أيار 2015 - 07:44
    هيثم الغريباوي
    في نظرة فاحصة على تجربة النظام الديمقراطي العراقي تحت الرعاية الامريكية، ترتسم امامنا صورة واحدة لا غير لم يخفِ معالمها المشوهة كمّ التزييف والنفاق السياسي والامني بصوتهما الاعلامي المشوِش الصادر من دول الجوار العربي والتركي الطائفي والذيل الكردي ومن خلفهم راعيهم الامريكي. فأول بدعة جاؤوا بها في تفريغ جوهر الديمقراطية هي التوافق، مع علم الجميع ان التوافق على قرارت مصيرية من المستحيلات في اعرق الديمقراطيات كون الموضوع لا شأن له بالتحضر والنضج الاجتماعي بقدر ما هو سجية الاختلاف في الرؤى والامزجة والمناهج الفكرية، لذلك نزع اؤلئك الناس الى امضاء صوت الاغلبية في القرار وتحملها نتائجه. وهكذا دارت خدعة التوافق على ثلاثة عشر حولاً من القتل والتخريب حتى يومنا هذا.

    بعد محاولات ترسيخ التوافق، تجاوز دعاة التوافق - وهم ساسة الاقليات العميلة للخارج - ليطالبوا بأكبر من حجومهم العرقية (الانفصاليون الطائفيون السنة الاكراد) والطائفية (الانفصاليون الطائفيون السنة العرب)، وبقي الشيعة يدفعون غرامة تمرد الاقليات العنفي مقابل تهاون ساسة الشيعة المفتوح على كل الخسائر والمغلق على وهم اهتداء الجماعة الشركاء. واذا كنا نتسلى بالمعاذير لعدم كفاءة واهلية الكثير من الساسة من كل الاحزاب التي تصدت للتغيير لحداثة تجربتها وغياب البديل، فإننا لم نجد ما نعتذر لها فيه وقد توغل عناصرها بعيداً في الفساد واللهاث وراء الثراء المعيب والمحرم في انتهاك مريع لثروات البلد وكأنهم غزاة وليسوا مواطنين. هذا دون الالتفات الى خطر العدو البعثي الذي لم يكمن طويلاً ليعود بعد ترتيب صفوفه ليتسلل عبر بوابات الفساد المشرعة لينشر القتل والخراب، ويعبث في كل مؤسسات الدولة التي نجح في اختراقها عبر ضغوط مقصودة ومحسوبة من قبل الامريكان وتحت ذرائع سخيفة كالمصالحة الوطنية والشروع بعهد جديد يقوم على التسامح الذي انتهى الى ان يلتزم به الطرف الشيعي فقط. فبارزاني يلوّح بالانفصال والسنة فتحوا مدنهم للارهابيين الاجانب. ونتيجة للادارة الشوهاء للبلد من تجاوز السلطات على بعضها والتواطؤ على تغييب النظام الصارم في مكافحة الارهاب والفساد سقطت الموصل وتكريت (التي بلغها التحرير عاجلاً) واليوم الرمادي.

    ولكن هل من تغير؟ نعم ويا له من تغير، فإنه وإن انبثق على نفس نمط سياسة رد الفعل، لكن هذه المرة جاء راعداً وصاعقاً على قلوب اقطاب المؤامرة عبر فتوى ألمعية من مرجع الشيعة الاكبر السيد علي السيستاني بالجهاد الكفائي لدرء صولة داعش صيانة لحياض الوطن بعد ان بهتت الحكومة واضطربت احزاب التحالف قاطبة امام ذوبان الجيش في الموصل وسرعان ما تبعتها تكريت وما بينهما من اقضية ونواحٍ ولم يصمد منها الا آمرلي والضلوعية. فولد الحشد الشعبي كأصدق تعبير في تاريخ البشرية عن قرار امة بالدفاع عن ارضها.

    ان ما حصل من ذوبان القوات الامنية في الموصل بالامس الى الرمادي اليوم هو اجلى نتائج دعاوى التوازن (في القوات الامنية حصراً) التي عوى لها نائب رئيس الوزراء المختلس صالح المطلق وصنوه الصلف اسامة النجيفي. حتى جاء ثمرها المر خيانة قادتها ومنتسبيها والذين جلهم من ابناء تلك المحافظات والمدن، ومرة اخرى تم هناك تصفية أبناء الجنوب طائفياً ولم ينجُ حتى السجناء منهم بعد ان انتهوا غرباء في ارض اللئام وظهروهم مكشوفة مثل صدورهم لرصاص الجبناء. وبعد انكشاف مكيدة دعاوى التوازن منذ بواكير الاولى حيث كانت محاضر مجلس الوزراء العراقي تُرسل الى البقعة قطر، واختراق (داعش، او القاعدة، او البعث، لا فرق) للصحوات التي وفرت شرياناً اضافياً لتمويل وتسليح وتموين الارهاب من جسد ضحيتها (العراق)، اهتزت الثقة بمشاريع ساسة السنة التي كانت كلها باطلة واهدافها مكشوفة بل سقطت تلك الثقة مطلقاً. لذلك جاء مشروع قرار الكونغرس الامريكي لتسليح الاكراد والسنة كدولتين ليكشف عن الهدف الرئيس الذي كان مخبأً للعراق بعد فشل مخطط فرض مبدأي التوافق والتوازن لتحقيقه ليتم طرح الفيدرالية الطائفية للسنة واحياء الانفصال القومي للاكراد ولكن بتعريفهما كدولتين. الا انه تم ردع هذا المشروع بقرار برلماني عراقي شجاع تقلد شرفه التحالف الوطني بمفرده ولأول مرة في موقف ثوري يحسب له ويُشكر عليه ويُرجى منهم تكراره لكثير من القوانين الخبيثة المراد تمريرها على حساب مصالح العراقيين عامة، واهمها قانون الحرس الوطني.

    فرغم أن الرئيس اوباما شدد اليوم على العمل بشكل اوثق مع السنة بقوله "التحالف بحاجة إلى تكثيف التدريب في المناطق السنية بالعراق وإشراك العشائر السنية بصورة أكبر في القتال"(1) فإن قانون الحرس الوطني عاد سقطاً ولن يرى النور بالخلقة التي يريدها نجيفي والمطلق لجملة اسباب. أهمها ان الشيعة يعلمون ان تسليح الاكراد والسنة ليس لقتال داعش بقدر ما هو ترجيح لكفتهم على قوة حكومة المركز عسكرياً ثم توجيه سلاحهم اليها عند اول تمرد من اجل ابتزاز جديد. ثانياً، ان جمهور السنة قد فقدوا الرغبة بالقتال على كلا الجبهتين؛ فهم لا يقاتلون داعش لأن كثير من ابنائهم في صفوفه، كما انهم لا قدرة لهم على مواجهة الحكومة ومن ورائها الحشد العملاق ولا رغبة لهم بذلك لاختزائهم بأفعال داعش. هذا فضلاً على ان تصور وجود جيوش مناطقية خارجة عن القيادة المركزية للقوات الامنية المتمثلة برئيس الوزراء لن يمر عبر التحالف الوطني البتة لأنه يعني انفراط حبات عقد الوطن.

    الاسئلة التي يمكن ان تشغل خاطر المهتم اليوم هي، بعد تحرير الرمادي وسائر مدن الانبار، كيف سيكون شكل القوات العراقية التي ستتولى تحرير نينوى من حكم الهمج، بعد الخيانات الفاضحة من قبل اغلب القادة الامنيين والسياسيين السنة؟ وماذا سيكون عليه دور بيشمركة بارزاني عند اقتراب موعد المواجهة؟ وهل سيستجيب التحالف الوطني لمزيد من الضغوط المستقبلية بينما هو يتسلح بالحشد الشعبي، أم سيضطر المرجع الكبير الى ان يتصدى بنفسه ليخوض غمار معركة اخرى اكبر حجماً واشد وطأة تهدد وحدة العراق؟

    (1)     http://almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=53520

    هيثم الغريباوي
    haitham7@peoplepc.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media