الهلال الشيعي والمخاطر المحدقة حول وحدة العراق
    الأحد 24 مايو / أيار 2015 - 14:07
    مصطفى محمد غريب
     الدخول في موضوعة العلاقات والاحترام المتبادل وحسن الجوار بين الدول وعدم التدخل أكدناها في أكثر من موقع ومقال وبقى موقفنا ثابتاً على ضرورة النوعية في العلاقات بين الدول وشعوبها التي يجب أن يكون على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والمضي إلى خلق مستلزمات الأمن والسلام ليشمل المنطقة والعالم، وفي سياق ذلك اشرنا بتحسين علاقات العراق بدول الجوار وبخاصة تركيا وإيران والدول العربية وعدم الدخول في الصراعات الداخلية  ومنع التدخل في الشأن العراقي الداخلي من أي دولة كانتْ.
     الموضوع المستجد بالرغم من وضوحه في الماضي بما حملته التصريحات من التأكيدات التي انطلقت من قبل بعض المسؤولين الكبار في الدولة الإيرانية هو اعتراف قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري لوكالة أنباء "فارس " بصراحة التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى  " تدخلنا باليمن وسوريا لتوسيع خارطة الهلال الشيعي " واستمر في تأكيده  أن " الغرب يخشى الهلال الشيعي، لأنه موجه كالسيف في قلب الكيان الصهيوني" وعلى حد نكتة احد السياسيين ــ قلب الصهيونية أين واليمن أين!!" أما ما قاله بخصوص التدخل في العراق فقد أشار محمد علي جعفري أن " تسليح ( 100 ) ألف من الشباب الثوري والمؤمن في قوات "الحشد الشعبي" التي قاتلت وأوجدت رصيدا عظيما للدفاع عن الإسلام والسيادة الإسلامية والثورة الإيرانية في المنطقة " أي أنهم سلحوا( 100 ) ألف شاب ليس لمحاربة الإرهاب وداعش فحسب بل للدفاع عن الثورة الإيرانية في المنطقة، وبالقلم العريض هذا الكم  الكبير من المسلحين بالامكان تشكيل العديد من الفرق العسكرية منه وسوف تكون له مهمات أخرى بعد الانتهاء من داعش داخلياً، ومهمات خارج العراق ولنا أسوة سيئة بالذين يقاتلون في سوريا ولبنان وأخيراً وليس آخراً في اليمن وغيرها،  وتبرز في هذا السياق أسئلة يطرحها العقل الوطني  العراقي
    ــــ كيف تم تسليح هؤلاء الشبان وعن أي طريق؟
    ــــ  كيف وافقت الحكومات العراقية وبخاصة منذ حكومة إبراهيم الجعفري وخلفه نوري المالكي على تسليح هذا الكم الذي يضاهي قوة أي جيش في المنطقة؟
    ـــــ أهناك مخطط لجعل هذا الجيش حرساً وطنياً يعتمد على مكون واحد؟
     ــــ أكان التسليح تحت إشراف الدولة أو الحكومة أو القائد العام للقوات المسلحة أو أية مؤسسة أمنية أو هكذا " هوسة حتى يضيع الخيط والعصفور" كما يقال؟.
    ــــ من يضمن أن هذا الكم المتكون من تنظيمات مسلحة سابقة لا يستعمل في تصفية الحسابات بشكل طائفي مما يجعل الحرب الأهلية حقيقة لا لبس فيها ولا تضليل؟ .
    نحن لا نعتقد أن الحكومة العراقية السابقة والحالية لا تعرف بما يدور من تسليح ودعم مادي ومعنوي والمشاركة  أمام الاعترافات المتتالية من قبل البعض من الزعماء الإيرانيين، رجال دين وسياسيين أو عسكريين، ولا نعرف هل الحكومة تعرف كميات الأسلحة وأنواعها وأين تخبئ أو تجمع ومن هم المشرفون عليها! فإلى الآن لم تنطق الحكومات المذكورة بأي كلمة حول هذا الموضوع ولا بد في هذا المجال القول أن  " السكوت من علامات الرضا ".
    في العراق وبعد عام 2003 سمعنا العديد من المسميات على مواضيع عديدة لكن أغربها ما أطلقه الأمريكان على بعض المناطق التي تنشط فيها القوى الإرهابية وبخاصة القاعدة تسمية " المثلث السني "  ولم تخلو نشرات الأخبار والمقابلات التلفزيونية وأكثرية الصحف العراقية من ذكر ووصف المثلث السني وحتى التصريحات الطائفية كان وصف المثلث رقصة على ألسنتهم   وكأن العراق أصبح مجموعة مثلثات ، وهذا  يعني أن المناطق التي تشكل شبه مثلث وتسكنها أكثرية سنية، في حينها وقفنا بالضد من التسمية باعتبارها تسمية طائفية، وبعد تقليص نفوذ منظمة القاعدة الإرهابية بدأت التسمية تختفي رويداً رويداً، إلا أن تسمية أخرى ظهرت  بدلاً عن الأولى  وبما يسمى بــ  " الهلال الشيعي " هذه الجملة سمعناها منذ سنين على لسان ملك الدولة الأردنية الهاشمية عبد الله بن الحسين وفي حينها وقفنا بالضد من المعنى واشرنا أن لا هلال يقسم الدول العربية وبخاصة العراق ولهذا قام الملك عبد الله بن الحسين بتفسير المعنى مؤكداً انه لا يعني التقسيم ولا الطائفية، ويبدو انه تراجع في التفسير مما أدى إلى تجاوز الموضوع لكنه بقى بين الشد والإرخاء، فمن جهة بقت فكرة تنفيذ خارطة الهلال الشيعي في عقول الطائفيين العراقيين والإيرانيين وبين فكرة رفض الملايين في المنطقة والعراق الفكرة شكلاً وتفصيلاً لأنها تعني أول ما تعني تقسيم المنطقة بدلاً من توفير مستلزمات الوحدة على مستوى الداخلي للبلدان والوحدة في المواقف تجاه المحاولات الاستعمارية للهيمنة والاستغلال .
    إذن وكما نرى أن التدخل أصبح ملازماً لا بل جزء من السياسة الرسمية لإيران بعد كشف الحجاب تماماً عن نية حكام طهران اعتبار بغداد عاصمة الإمبراطورية الإيرانية  وهذه السياسة التي تعتمد على جزء من تعليمات تصدير الثورة الإيرانية وولاية الفقيه لم تنكفئ يوماً إلى الوراء بل كان يجري التعتيم عليه، والعجيب في الأمر لم نجد لا الحكومة العراقية ولا أكثرية القوى المتنفذة شجبت وتشجب هذه التدخلات إلا بعض الأصوات الخجلة التي تشبه الاعتذار في الكثير من الأحيان.
     وفي مفهومنا الوطني أن التعاون والمساندة وتقديم العون النزيه لازم وضروري بين العراق وإيران باعتبارهما بلدان جاران لهما مصالح وارتباطات مشتركة على مدى التاريخ مع ضرورة توسيع التعاون والتبادل التجاري وتقديم الدعم بكل أشكاله إذا بقى في إطار عدم التدخل وعدم اعتبار العراق تابعاً أو السعي لشق وحدته على طريقة الهلال الشيعي أو تحت أية مسميات تهدد وحدة أراضيه ووحدة الشعب بكل مكوناته لان هذا الطريق الطائفي لن يخدم الشعب ولا يخدم حتى أكثرية الشيعة في العراق ولن يخدم الشعب الإيراني الصديق، وفي الجهة الأخرى  يدفع القوى الطائفية الأخرى إلى التخندق والتحالف داخلياً وخارجياً في الوقت نفسه وبهذا تتوجه المنطقة ودولها العربية نحو الانقسام والعداء أكثر مما هو عليه وخلق أرضية سهلة ونوعية لقيام حروب جديدة التي عانت وتعانى منها بالأساس البعض من الدول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، ألا أن الحرب القادمة إذا ما تحققت سياسة القوى الطائفية بتكوين ما يسمى الهلال الشيعي ستكون اشمل وأوسع بحيث تسمح للدول الخارجية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو التدخل العسكري المباشرة وعند ذلك لن ينفع الندم.
    إن مخاطر مساعي البعض ممن يروجون لهذا المفهوم  الطائفي أو يعملون من اجله لا يقل عن مخاطر الإرهاب الداعشي والفساد المالي والإداري وعليه يجب أن تقف حكومة السيد حيدر العبادي ليس بالضد منه فحسب بل محاربته وكشف أهدافه المضرة على الوضع الداخلي وعلى الوضع في عموم المنطقة،  ففي هذه الظروف غير الطبيعية والعراق يخوض حرباً ضروساً بالضد من الإرهاب وداعش في المقدمة يحتاج العراق إلى سياسة وطنية حكيمة تجمع أكثرية المكونات بهدف الدفاع عن الوحدة الوطنية وعدم خلق منزلقات تؤدي إلى توسيع حدود الخلافات الداخلية ، مواقف من أجل تخفيف وتقليص وإنهاء المشاكل مع حكومة الإقليم، وزرع الثقة وتطوير العلاقات والتعامل الصحيح الايجابي بين القوى السياسية فضلاً عن تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية  والتوجه لسن القوانين الضرورية التي تخدم بناء الدولة وتحسين أداء المؤسسات الأمنية والاهتمام بتكوين الجيش الوطني أو الحرس الوطني على أساس المواطنة وليس على أساس طائفي أو قومي...الخ وإنهاء وجود الميليشيات المسلحة بطرق تستفيد البلاد منها بما فيها جمع السلاح وجعله تحت يد الدولة.
    العراق الآن بحاجة أكثر من إي وقت مضى للتخلص من ارث الماضي ومن ارث السياسة الطائفية والحزبية الضيقة ومن الإرهاب ومافيا الميليشيات الطائفية، وهو بحاجة إلى التكاتف الوطني واحترام حقوق القوميات والمكونات بدلاً من خلق المطبات أمام تحسين وتوطيد العلاقات فيما بينها، العراق بحاجة إلى إعادة الثقة وبناء دولته الاتحادية المدنية الديمقراطية.  
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media