قانون العفو العام مشروع أزمة
    الأحد 26 يوليو / تموز 2015 - 04:33
    أياد السامرائي
    الامين العام للحزب الاسلامي العراقي
    منذ الدورة البرلمانية السابقة وهناك مسعى متكرر لإصدار عفو عام ، وثبت ذلك في البرنامج الوزاري ويعرض هذه الأيام في مجلس النواب .

    ولكني أرى أن هناك منهجية خاطئة في تناول هذا الموضوع مما سيؤدي إلى إفراغ القانون من أهدافه والى زيادة التوتر بين القوى السياسية ، لأنه وكالعادة يأتي القانون باعتباره عفوا عاما ثم تأتي الاستثناءات من العفو وبما يجعله مشروع أزمة ، لا حلاً للازمات القائمة اليوم .

    أنا اقترح على مجلس النواب أن يغير المنهجية فتتفق الكتل السياسية ابتداء ومن غير لف ودوران أو تلاعب بالألفاظ لان غياب الصراحة وإخفاء النوايا لا يخدم بشيء .

    وذلك يتم عبر الإجابة على عدة أسئلة :

    من هو المستهدف بالقانون  ؟

    قطعاً لا نريد أن نعفو عن أصحاب الجرائم الجنائية ولا اللصوص ، والمطلوب هو العفو عن الذين اعتقلوا لارتكابهم أعمال عنف ذات أبعاد سياسية أو طائفية ضد الدولة وضد المجتمع وهنا تأتي نقطة الخلاف .'

    هناك كتلة كبيرة تقول لا عفو عن من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين ، فهل هذا المبدأ مقبول أم لا ؟ هنا مربط الفرس ومنه ينطلق التوجه في القانون .

    من يعترض على هذا المبدأ يقول إن المحاكمات لم تجرِ بشكل عادل أو مهني لاعتبارات شتى وان القضاء العراقي عليه ملاحظات شتى ، وهم لا يريدون الطعن بالقضاء ولكنهم يؤكدون إن إجراءات المحاكمة وكيفية استحصال الأدلة شابها الكثير من الانحراف كان القضاء ضحيته فاصدر أحكاماً على أساس شهادات غير صادقة واعترافات استخلصت من خلال التعذيب .

    كيف نجمع بين الرأيين ؟

    نعم لا نريد العفو عن مجرمين ارتكبوا عن عمد ووفق خلفية فكرية منحرفة جرائمهم ولا يبدو أنهم ندموا وتابوا ، ولكن كم يمثل هؤلاء من مجموع الذين يستهدفهم العفو ؟

    من جانب آخر هدف العفو الردع ، وعندما يعجز القانون عن تحقيق الردع وتبقى الدوافع للجريمة أقوى من ردع القانون فإذاً هناك مشكلة فكرية أو اجتماعية أو سياسية تجعل الفرد مستعد للتضحية بالنفس اعتقادً منه انه على صواب وهذا هو ما وراء العمليات الانتحارية .

    كيف يعالج هذا الإشكال  ؟

    لا بد من التفريق بين ثلاثة أصناف من الناس مصنفون إنهم تلطخت أيديهم بدماء العراقيين :

    صنف مغرر به كان ضغط الأحداث والجو النفسي الذي وجد نفسه فيه دافعا له لارتكاب الجريمة.

    وصنف استمر يقول انه بريء وان الحكم الذي صدر عليه كان ظالما ومن ورائه قصد سيء .

    وصنف ثالث هو الذي مارس قتل العراقيين عن سابق قصد وتصميم وقناعة ولو أفرج عنه لعاد لما كان عليه .

    إن هذا التصنيف سوف يساعدنا على تحديد كيف يكون العفو ومن يشمل .

    في تقديري المتواضع انه ممكن أن يشمل الصنف الأول والثاني دون الثالث ولكن هذا لا يتحقق إلا بعد إعادة تحقيق وتمحيص لكل واحد من هؤلاء ، ولكن هل الجهاز القضائي قادر على ذلك ؟ الأمر مشكوك فيه ولا بد من طريق آخر.

    ولعل واحدة من أفضل الطرق أن تشكل لجان خاصة سياسية تنبثق عنها لجان قانونية مختارة بعناية  لدراسة الملفات وبترشيح من أعضاء مجلس النواب ويتم فرز من حصل شك في صحة القرارات القضائية الصادرة بحقهم تمهيدا لإعادة محاكمتهم  ، ولذلك أرى أن قانون العفو عليه أن يركز على استحداث سلسلة من الإجراءات يترتب عنها إحكام جديدة .

    من جانب آخر لم لا يكون القانون بتخفيف الأحكام لا بإلغائها ، وهذا يعطي الفرصة لأصحاب الجرائم الخفيفة بالإفراج عنهم كما يعطي الفرصة لتأهيل من أجرم بحق الشعب العراقي ومنع أذاه عن المجتمع ، إذ من غير المعقول أن تكون قراراتنا متطرفة أما تجريم وأما عفو ، أليس هناك منزلة بين المنزلتين ؟

    كما إن هناك أمر آخر وهو إن القضاء تعامل بمنهجين مختلفين في قضايا جرائم القتل التي استهدفت العراقيين فبعض المجرمين ونتيجة ضغوط أو اعتبارات سياسية أحيلوا بمقتضى قانون الأحكام الجنائية ، وآخرين أحيلوا بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب والنتائج مختلفة بمقتضى هاذين القانونين فلم كان هذا التفريق ؟ هذا أمر آخر يجل أن نجد له حلاً .

    خلاصة الأمر إننا إذا أردنا تطبيق العفو العام ، لن يكون ذلك بتشريع جديد بنفس القوالب السابقة لأنه سيزيد المشكلة ولا يحلها ، وإن المتطلبات التي ذكرنا قسماً منها يجب أن توجد واقعاً قبل الشروع بأي خطوة بهذا الملف المهم .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media