التواضع من سمة الكبار .. وفاة الدكتور محمد مكية
    الأحد 26 يوليو / تموز 2015 - 05:12
    د. حامد السهيل
    فى 22  تموز توفى الدكتور المبدع المعمارى محمد مكية, عن عمر مديد حافل بالانجازات المعمارية فى مختلف الاقطار العربية . انى فى هذه المشاركة اود الاشارة الى المقالة الرائعة التى كتبها الاستاذ الدكتور "رشيد الخيون" التى نشرت فى"العرب" واعيد نشرها فى الموقع الالكترونى الرصين" صوت العراق"  فى عدد 19 تموز 2015. انى معرفتى به محدودة جدا  وجاءت بصدفة مباركة ولذلك لا استطيع اضافة شيءا جديدا.
    قبل حوالى 18 عاما كنت فى زيارة لمدينة لندن, وكان لى علم بوجود معهد , مؤسسة, ثقافية قد اسسها الدكتور محمد مكية ويدعى "كاليرى الكوفة" تقدم نشاطات تحضى باهتمام المثقفين من مختلف الجنسيات. بعد ان حصلت على العنوان توجهت عصر احد الايام الى هناك. دخلت الكاليرى بنوع من التحفظ, واذا ينهض احد الاشخاص الذى كان جالسا خف منضدة ويرحب بى , ويبدا الحديث المالوف والسؤال, من اين انت وما تعمل واهلا وسهلا. ذكرت له انى من بغداد, من بغداد القديمة, محلة صبابيغ الال, واذا علامات الراحة والفرحة ترسم على وجهه, فقال لى : ان الدكتور من محلة صبابيغ الال, هل ترغب بمقابلته؟ لديه الان صحفيتان انكليزيتان وسوف اسئله حينما ينتهى من المقابلة. وفعلا بعد حوالى 15 دقيقة  انتهت المقابلة وتم توديع الزوار, ودخل علية, لم تمضى بضعة دقائق واذا بلدكتور مكية يخرج من مكتبه متلهفا, موجها السؤال لى:
    قل لى ماهى علاقتك بـ " سلمان السهيل " قلت له , انه جدى. ولم سمع ذلك فقد انفتحت قريحته فى توصيف المعمار (سلمان السهيل)1  باجمل الكلمات والاجادة بالرجل وصنعته وقدرته الفاعلة نظريا وعمليا, وقال, كان الرجل مدرسة فى العمارة العربية الاسلامية واضاف ايضا بالحرف الواحد: هؤلاء الاسطوات البغداديون كانوا كبار فى صنعتهم واخلاقهم,انهم اساتذتنا الكبار, ونحن المعماريون قد تعلمنا منهم الكثير وبشكل خاص حبهم واخلاصهم للعمل الذى يتعهدون به, وقد ذكر بعض اسماء الاسطوات من مختلف المهن, كان يكرر, كانوا كبار, اساتذة كبار بكل تقدير واحترام, يؤسفنى عدم ذكر اسمائهم لانى قد نستها, لقد ذكر الدكتور اسمائهم  وفى واقع الامر كان على ان لا انسى اسمائهم وهذا حقهم على.
    لقد رحب الرجل بى كثيرا, لانه التقى بالصدفة احد من ابناء محلته العزيزة علية كثيرا, ودعانى للجلوس  واخذا نتحدث عن بغداد القديمة التى اعرف قطاع الرصافة  معرفة دقيقة, ولما علم بانى متخصص بالسوسيولوجية الحضرية وموضوع اطروحتى كانت مدينة بغداد, فرح كثيرا. وقد نال اهتمامه كثيرا  ما ذكرته عن القاعدة التخطيطية للبيت البغدادى والمحلة السكنية فى اطار المدينة ما قبل الصناعة : ان البيت البغدادى مفتوح نحو الداخل, مغلق للخارج وهذا يوفر قدرا عاليا من الخصوصية, وكذلك المحلة السكنية التى لها مدخل ومخرج موحد,  توفر به درجة عالية من الخصوصية مفتوحة نحو الداخل, مغلقة نحو الخارج بما يوفر حماية بنفس الوقت.
    الدكتور مكيه, المعمارى الشهير بأنجازاته وابداعات المتعددة يحمل الاحترام الكبير والاعتراف بمهنيتهم واخلاقهم اسطوات بغداد القدماء, والذين لم يدخلوا المدارس ولم يجيدوا القراءة والكتابة وهو بهذ الطريقة انما  يعبر عن اخلاقيتة العالية  التى قد غرست جذورها  فى العائلة منذ الطفولة, فى بيت ذو اصول عريقة فيها الخير والثقافة, وقد تبلورت هذه اشخصية الرفيعة  فى الدراسة والعمل المثمر والتى  اخذت تتالق دائما بالتواضع واحترام الاخرين وعذوبة المعشر. وكيف لا وهو ابن بغداد البار التى كانت منذ بداياتها مركزا للحضارة والتحضر.ان التواضع موهبة وسمة يحملها الكبار , كبار العقل والروح, على عكس الجهلة  والنخب التى ليس لها تاريخ وجغرافية.   
     1 )  اصدر الدكتور حسين محفوظ كتابا بعنوان "سلمان سهيل" معمار بغداد"
    فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين, سيرته واثاره 1865- 1939
    صدر  عن مركز احياء التراث العلمى العربى بجامعة بغداد, بغداد 2001
    سلمان السهيل تعلم القراءة والكتابة بعمر اربعين سنة., وبمبادرة ذاتية.

     hamidalsuhail2014@gmail.com 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media