بالعنتريّات يقودون البلد الى المجهول
    الأحد 26 يوليو / تموز 2015 - 22:36
    نزار حيدر
       *فيما يلي؛ نص جواب السؤال الذي وجّهتهُ صحيفة (البيّنة الجديدة) البغدادية، للتّعليق على التصريحات غير المنضبطة للساسة العراقيين؛
       السؤال؛ السياسيّون ليس لهم خطاباً موحداً، على الرغم ممّا يُحيط بالعراق من ظرف استثناني؟.
       بصفتِك  سياسياً عراقياً عارفاً بخفايا الامور وما تحت الطّاولة، الى أين ذاهب العراق بالضبط؟.
       الجواب؛ بصراحة ووضوح، انهم يقودون البلد، بعنتريّاتهم الخاوية وبتصريحاتهم المنفلتة وغير المنضبطة، الى المجهول.
       فعلى مدى العقد المنصرم، ظلّ عددٌ من السياسيّين، خاصة رئيس مجلس الوزراء السابق، يفتعل الأزمات مع الشركاء ومع دول الجوار ومع المجتمع الدولي، حتى انتهى نصف العراق، تقريباً، تحت سيطرة الارهابييّن، ولستُ ادري ما اذا كان ينوي تسليم المتبقي لهم بعنترياته الجديدة التي ما قتلت ذبابة، على حد قول الشاعر؟.
       انّ المتتبّع لسياسات الحكومة الحالية يلحظ بشكل كبير المساعي الواسعة التي تبذلها من أجل تهدئة علاقات العراق المأزومة، سواء على الصعيد الوطني او الإقليمي او الدولي، والتي كانت قد تسبّبت بها سياسة صناعة الأزمات الذي تبناها السلف، الا ان بعض السياسييّن، والاخير على رأسهم، يحاول بتصريحات لا معنى لها، منفلتة وغير منضبطة وخارجة عن السياقات الدبلوماسية، تقويض هذه الجهود ربّما لصالح اجندات خارجية، لا ادري، او كدعاية انتخابية مبكرّة جداً، فالعراق اليوم يدفع ثمن أخطائه دماء ودموع وأيتام وأرامل واعراض تُنتهك وشرف يُستباح، فهل من مصلحته اثارة المشاكل على ايِّ صعيدٍ من الاصعدة الثلاثة، الوطنية والإقليمية والدولية؟ الا ينبغي عليه ان يوظّف التحالف الدولي الذي شكّلته واشنطن برغبةِ ودعوةِ بغداد، للقضاء في اسرع وقت على الارهابيّين الذين تمدّدت فقاعتهم بسبب عنتريّاته؟!.
       ولو كان صادقاً، فلماذا ظلَّ يلوذُ بصمتِ اهل القبور لم ينبس ببنت شفة عندما كان في السلطة؟! أوليسَ هو الذي سلّمَ (آل سعود) أخطر العناصر الإرهابيّة، فقط لإثبات حسن نواياه على حدّ قوله حينها؟!.
       لماذا لم يحرّك ساكناً ضد نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، عندما كان في السلطة وبيده كلّ المفاتيح وكلّ الخيارات؟ لماذا ظلّ يتستّر عليه وعلى جرائمه طيلة (٨) اعوام؟ على الرّغم من انّ الجميع يعرف جيّداً بانّ هذا النظام القبلي الهمجي الشمولي، هو سبب كلّ البلاء الذي حلّ بالعراق، ليس منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣، وانّما منذ العام ١٩٨٠ عندما دعم نظام الطاغية الذليل صدام حسين ليستمرّ في حربه العبثيّة ضد الجارة الجمهورية الاسلامية في ايران، ومن ثم في العام ١٩٩١ عندما ضغط على الادارة الأميركية وقتها لتسمح له باستخدام الطيران ليقضي على انتفاضة الشعب الباسلة، وتالياً مساهمته في فرض الحصار القاسي والظالم على الشعب لمدة اكثر من عقد كامل؟!.
       هل يتصوّر بانّ العراقيين ينسون طريقته الفاشلة والبائسة في إدارة الصراعات المفتعلة مع كلّ الأطراف؟.
       هل نسيَ  كيف انه اثار زوبعة عنيفة ضد دمشق وصل صداها الى انّه قدّم شكوى ضدّها لمجلس الأمن، ليُفاجأ العراقيون في اليوم التالي بطائرته تهبط في مطار دمشق الدولي ليلتقي زعماءها الذين أخذهم بالاحضان وتبادل معهم القبلات السّاخنة؟!.
       الا يتذّكر كيف انّه كان يسعى دائماً لجرّ مؤسسات الدولة الى أتون الأزمات المفتعلة، والتي يفجّرها مع ابواقه ومحازبيه فقط دون غيرهم حتى من السياسيين في ائتلافه؟!.
       هل نسيَ كيف كان يفجّر الأزمات بالعلن ثم يعمل على تهدئتها وحلّها سراً ليستفرد بقبض الثّمن؟!.
       ثم؛ أوليسَ هو الذي كان يشتكي من تصريحات السياسييّن، غير المنضبطة، كونهم لم يعودوا اليه ولم يلتزموا بالسياسات العامة التي ترسمها حكومته؟ فلماذا يفعل الشيء نفسه اليوم؟!.
       لقد رسمت الحكومة الخطوط العامّة للسياسات سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، ولذلك يجب على كلّ السياسييّن، وخاصة المسؤولين في مؤسسات الدولة، ان يلتزموا بها ويعبّروا عنها، او يلتزموا الصمت، فليس من حقِّ أحدٍ منهم ان يُدلي بتصريحاته خارج السياقات الرسميّة، على الأقل من اجل حفظ هيبة الدولة واحترام مكانتها الإقليمية والدولية، وعدم إرباك خططها.
       انه لا يعبّر بتصريحاته لا عن ائتلافه ولا عن حزبه، لانه مسؤول في الدولة، حتى اذا كان موقعه على هامش الهامش، لا يهشُّ ولا يبشُّ، ولكن، مع ذلك، ينبغي عليه ان يحترم الدولة فلا يعبّر بتصريحاته الا في إطار سياساتها تحديداً.
       لقد خرج بتصريحاته عن السياقات الدبلوماسية فأضرَّ بالدولة وتعارض حتى مع توجيهات المرجعية الدينية العليا التي دعت، يوم تشكيل الحكومة الجديدة العام الماضي، الى تهدئة الأزمات مع مختلف الأطراف الوطنية والإقليمية والدولية.
       انّ السياسة الخارجية لا يعبّر عنها الا احد اثنين، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، فما دخلهُ بها؟!.
       هل يظنّ انه لازال الاول؟ انسيَ انّه في موقع لا يسمح له بالتّعبير عن مثل هذه القضايا السياسية الحسّاسة التي تمسّ مصير العراق؟!.
       كلُّ هذا، اذا افترضنا جدلاً انّه جاء بشيء جديدٍ في تصريحه، امّا اذا تذكّرنا بأنّ ما قاله لم يعُد سوى صدى وتكرار وسرقة من فكرة كنتُ انا شخصياً قد دعوتُ اليها مرّات وكرّات خلال العقد الاخير، كان آخرها العام الماضي ضمن سلسلة مقالاتي المعنونة [سيد البيت الأبيض يتفقد عبيده (آل سعود)] والتي كتبتها كرسالةٍ وجّهتها الى الرئيس اوباما عندما زار الرياض، عندها فستسقط كلُّ اهميّةٍ معتبرةٍ ومفترضة لتصريحاتِه!.
       للمرّة الثانية، اتمنى على مجلس النواب العراقي ان يشّرع قانوناً يجرّم فيه التصريحات العشوائية وغير المنضبطة للسياسيين، خاصة التي تمسُّ سيادة الدولة وعلاقاتها الإقليمية والدولية، فالعراق هو البلد الوحيد الذي يشهد فوضى في التصريحات السياسية على لسان كلّ من هبّ ودبّ من السياسيّين والمسؤولين، وبلا حسابٍ او رقيبٍ او مساءلة، ولذلك فقدَ هيبتهُ، ولم يعُد احد يحترم تصريحات مسؤوليه لانهم يعرفون بأنّها لا تعبّر الا عن راي المتحدث فقط، وأحياناً لا تعبّر حتى عن رايه، فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا!.
       بعضُ السّياسييّن يجب ان يعرفوا بأنّهم أوراق محروقة، ليقفوا عند حدّهم ويعرفوا وزنهم، فلا يهرّجوا!.
       لو كانوا قد حوكموا على فشلِهم، لما اصرّوا عليه!.
       انّهم يقودون العراق، بهذه الفوضى السياسيّة، الى المجهول، كالسّفيه الذي يُرِيدُ ان ينفعكَ فيضرّكَ!.

       ٢٦ تموز ٢٠١٥
                        للتواصل؛
    E-mail: nhaidar@hotmail. com
    Face Book: Nazar Haidar
    WhatsApp & Viber& Telegram: + 1 (804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media