هل انفرط التزاوج الإرهابي بين البعث وداعش والمليشيات؟
    الخميس 30 يوليو / تموز 2015 - 13:49
    مصطفى محمد غريب
    منذ أول جريمة إرهابية تفجيرية حدثت في العاصمة بغداد بعد الاحتلال والسقوط والتفجير الذي دمر مقر بعثة الأمم المتحدة في 9 / 8 / 2003 وضحاياه أل ( 24 ) بينهم المبعوث الاممي سيرجيو فييرا دي ميلور لم نكن غافلين أو ساذجين عما ستكون الأوضاع الأمنية في المستقبل وهو ما حدث فعلاً! وبخاصة نحن نملك تجربة غير قليلة مع حزب البعث والنظام الدكتاتوري ومعرفتنا أنه لن يسكت على ضياع سلطته وسوف يتزاوج مع الشياطين جميعها مثلما كان يفعل! ليخرب ويدمر ويقتل ما يستطيع إليه سبيلا ويعود للسلطة، ولهذا خلال فترة زمنية قليلة شاهدنا تزاوجاً أولياً بين البعث العراقي والمنظمات الإرهابية وفي مقدمتها منظمة القاعدة، التزاوج بدأ بتشكيله بعض المنظمات المسلحة بأسماء جهادية دينية بينما في جوهرها يكمن نهج البعث الصدامي في الإدارة والنهج الدموي والفكرة الإرهابية التسلطية، وقد نشأ هذا التزاوج  المتنوع ما بين حزب البعث العراقي وبين المنظمات الإرهابية من جهة وبينه وبين المليشيات الطائفية المسلحة بتوجيه تنظيمي غير معلن وبتوجيه تنظيماته حسب الانتماء الطائفي وهذا أمر معروف لا يحتاج إلى تحليلات أكثر مما هو موجود على ارض الواقع، ومن هذا المنطق  نجد أن النشاطات الإرهابية لم تختلف في مضمونها إن كانت في البصرة والجنوب والوسط ، أو كانت في الإقليم أو الموصل والمحافظات الغربية والعاصمة بغداد، فقد تباينت بين التفجيرات والاغتيالات والخطف وغيرها من الأعمال الإرهابية بما فيها استغلال المؤسسات الأمنية، الجيش والشرطة... الخ هذا التنوع في الاختيار والأسلوب هو أسلوب ليس بالغريب علينا لأنه أسلوب قديم استخدم من قبل النظام السابق وحزبه ويستطيع تحديثه متى يشاء، فخلال مسيرته الحزبية وبخاصة بعد ثورة ( 14 تموز 1958 ) اعتمد المقولة " الغاية تبرر الوسيلة " فكانت سياسة تآمرية تعتمد على الاستحواذ وإلغاء الآخر بطرق ميكافيلية دموية في أحيان كثيرة، وهو ينكل قبل أي شيء بحلفائه والمقربين له ثم التخلص من المختلفين داخلياَ الذين يكتشفون ما في جعبته من وسائل واليات في مقدمتها القتل والدماء والإرهاب.
    لقد نوهنا في السابق عن طبيعة المنظمات الإرهابية التكفيرية ودور البعث ولم نبخل في تنويهاتنا عن دور المليشيات الطائفية وعلاقتها المتشعبة مع حزب البعث عن طريق العلاقات القديمة للمنتمين إليهِ الذين يشكلون الرتل الخامس، أو عن طريق تنظيمات تتخذ أسماء عديدة للتغطية، ولم يفتنا التسلسل التاريخي بتواجد منظمة القاعدة منذ عهد النظام السابق وبمباركة وتعاون الدكتاتور صدام حسين وحزبه وان ذلك التعاون هو اللبنة والقاعدة لتواجد هذا التنظيم وتفريخه، وعندما ضعفت قدرات منظمة القاعدة  التنظيمية وأعمالها الإجرامية بسبب قيام الصحوات ومحاربتها لهذا التنظيم والذي دمر تجربتها نوري المالكي بعدما نجحت في إضعاف منظمة القاعدة لكي يتم لتخلص منها نهائيا،ً وبتهميش الصحوات بدأت مرحلة تجميع القوى المعادية للعملية السياسية بسبب انتهاج رئيس الوزراء السابق سياسة طائفية ألغت البعض من الإنجازات التي ساعدت في إضعاف قدرات القوى الإرهابية وتحجيم البعض من المليشيات الطائفية ، وكان لدور النهج الطائفي المميز الذي اخذ بالتصاعد وبدعم البعض من قوى الإسلام السياسي الشيعي بالذات وعلى رأسهم نوري المالكي وإتلاف دولة القانون مما أدى بدلاً من تقوية اللحمة إلى صراع سياسي طائفي بغيض، وفي هذه النقطة بالذات تحركت فلول النظام السابق وحزب البعث العراقي لاستغلال الفرصة وبخاصة استغلال الاعتصامات والاحتجاجات التي قامت في الانبار وصلاح الدين وغيرهما، كما تم استغلال التعنت وعدم المساهمة في إيجاد حلول سريعة لتفويت الفرصة على المنظمات الإرهابية وما يسمى حينذاك بالدولة الإسلامية في العراق وحزب البعث، ومما زاد الطين بلة المحاولات التي بذلت من قبل رئيس الوزراء السابق لفرض الحل العسكري والتدخل المسلح بفض الاعتصامات في الانبار بالقوة في ( 30 / 1 / 2014 ) الذي كان الشرارة في ظهور داعش على لسان ممثله  ( أبو محمد العدناني ) الذي تناقلت تصريحاته وسائل إعلام عراقية وعربية وأجنبية مما أدى إلى تطور غير مسبق خلق رأي عام بان الطائفية هي التي تتحكم في مفاصل الدولة لتهميش الكيانات الأخرى، وكانت تلك عبارة عن أرضية استغلت من قبل البعث المتربص لتوسيع رقعة الاحتجاج وتحويله إلى احتجاج مسلح ثم خلق نوع من التحالف غير المعلن وبخاصة بعد التطورات السريعة في سوريا وعن دمج الدولة الإسلامية في العراق مع جبهة النصرة السورية ( على الرغم من رفض الأخيرة ) وإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش " الذي انظم إليه العديد من قادة عسكريين بعثيين عراقيين بإيعاز من قبل قيادة البعث فأصبحوا العامود الفقري لداعش في القيادة والتخطيط، هذا التزاوج لم يختصر على الضباط والعسكريين فحسب بل وجه البعض من منظماته المسلحة التي تعمل تحت واجهات وتسميات دينية مثل تنظيم "النقشبندية وغيره"  وسخر خلاياه وتنظيماته السرية للتعاون والتنفيذ مخططاً للهيمنة في آخر لأمر مثلما كان يفعل في السابق،  ولكن سرعان ما اكتشفت مخططاته مما أدى إلى انفراط التزواج بعد سقوط الموصل بفترة زمنية قصيرة واختصر على المنتمين لداعش من العسكريين وهذه الحقيقة كشفها عبد الباقي السعدون القيادي في حزب البعث بعد اعتقاله في كركوك ونقلها رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي ونشرته المدى برس/ بغداد بتاريخ ( 23 / 7 / 2015 ) إن "المطلوب عبد الباقي السعدون كشف عن معلومات مهمة تخص حزب البعث المنحل وارتباطه بتنظيم داعش الإرهابي وكيفية تجنيده العناصر"وأكد حاكم الزاملي في الوقت نفسه أن" التحقيق أثبت تورط بعض القيادات السياسية والأمنية مع داعش، وأنها ما تزال مستمرة"" وان " لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مطلعة على سير التحقيق الذي يتواصل بسرية خشية هروب المتورطين"وهكذا تتضح المسرحية باتهام قيادات سياسية وأمنية مع التنظيم الإرهابي داعش الذي سبق وأكدناه في العديد من  المناسبات واشرنا حول اختراق المؤسسات الأمنية مما ساعد  على تكرار وتوسع العمليات الإرهابية من تفجيرات واغتيالات وفساد مالي وإداري وأزمات اقتصادية وغيرها من أعمال تخريبية شملت جميع المرافق في الدولة وفي مجالس المحافظات، ومثلما أشار العديد من السياسيين والمراقبين وجمهرة واسعة من المثقفين ( ما عدا البعض من الذين تلوثت عقولهم بالطائفية وتضخمت جيوبهم ) بتشخيص فترة الثمان السنوات التي سبقت عهد رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بأنها أسوأ فترة عصفت بالبلاد وخلفت الكثير من الأزمات والمشاكل والإخفاقات وتزايد الاحتقان الطائفي، كما ساعدت على إسقاط الموصل بعد أن تركتها دون مقاومة ست فرق عسكرية مخلفة خلفها أطنان من الاعتدة وأسلحة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وبلغت خسائر العراق مثلما أشارت لها جهات ذات الاختصاص حوالي أكثر من (360 مليار دولار ) خلال الثمان السنوات المنصرمة.
    لم تكن القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي وجميع المخلصين غافلة عن ما يجري على الساحة السياسية وتحركات ونشاطات القوى الإرهابية والمليشيات نحو تصعيد الأزمة وخلق واقع يحمل بين طياته مخططات إرهابية للتدمير والقتل والخراب وتقسيم البلاد، وسعت القوى الوطنية والديمقراطية بما لديها من إمكانيات لتعديل المسار نحو الطابع الوطني للتخلص من المحاصصة  وسد الطريق أمام السياسة الطائفية التي اتبعها رئيس الوزراء السابق وبالضد من التوجهات الإرهابية  وفضح المخططات التي تهدف إلى جر البلاد نحو حرب تزيد المأساة مأساة أخرى، إلا أن ذلك لم يحقق الأمل المنشود فقد " سبق السيف العدل " فالتزاوج بين مخططات حزب البعث وتنظيم داعش من جهة ومن جهة ثانية النهج الطائفي لبعض القوى التي تمتلك مليشيات طائفية مسلحة تتحرك باتجاه تسميم العلاقات بين المكونات العراقية وتقوم بأعمال مشابهة مع القوى الإرهابية التكفيرية مثل الاعتداء على الحريات الشخصية والعامة داخل المدن والتجاوز على منظمات المجتمع المدني الثقافية والفنية وعلى النوادي الاجتماعية، مثلما حدث في البصرة من تشنج العلاقة بين المجلس الإسلامي الأعلى وبين منظمة بدر وما حصل في أبو غريب بين الجيش والحشد الشعبي وكذلك حادثة زيونة في بغداد وغيرها من الحوادث التي لم يعلن عنها.. واليوم ونحن شهود على هذه المرحلة المأساوية وعلى ما يجري أمام أعيننا في هذه الفترة من حرب تعم أكثر من ثلث البلاد تكلف المليارات من الدولارات وقتال وتفجير ودماء وضحايا بالآلاف من القتلى والمصابين ومئات الآلاف من المواطنين المهجرين والمهاجرين والنازحين عن مدنهم وبيوتهم وأعمالهم داخل البلاد وخارجها، وتدخل خارجي من قبل دول الجوار ودول أجنبية أخرى،  وسعي لتأجيج الحقد الطائفي الأسود الذي هو في آخر المطاف النتيجة الحتمية لتفتيت وحدة البلاد وإشعال نار الفتنة لحرق المزيد وتوسيع الدمار والخراب أكثر مما عليه في الوقت الراهن. 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media