هل تدفع مصر فاتورة الصراع السنى الشيعى؟
    الجمعة 31 يوليو / تموز 2015 - 05:43
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    يعود صلاح الدين الأيوبى من صلاة الفجر بالمسجد الكبير. يضع رأسه على الوسادة. يمد يده كما تعود يتحسسها. يهب واقفاً مذعوراً. تحت الوسادة خنجر تتدلى منه رسالة (غداً على رقبتك).. عرف ساعتها أنهم قاتلوه.

    يقول المقريزى: «اجتمعت طائفة من أهل القاهرة على أن يتولى الحكم رجل من أولاد العاضد (آخر خليفة فاطمى بمصر) وأن يقتلوا صلاح الدين، وكاتبوا الفرنجة، ومنهم القاضى ضياء الدين نصر الله، فوشى أحدهم بخبرهم إلى السلطان صلاح الدين الأيوبى فحاصرهم وشنقهم، وتتبع الفاطميين فقتل كثيراً وأسر كثيراً، ونادى أن يرحل كافة الأجناد (الشيعة) وحاشية القصر». ما عجل بالقضاء على الشيعة، هذا الخنجر الذى وجده صلاح الدين فجراً تحت وسادته من أحد حراسه الشيعة، عندها كان أمر المواجهة حتمياً.

    لم يكن الخلاف بين الشيعة والسنة فى بداياته خلافاً فقهياً، بل كان خلافاً سياسياً على أحقية على بن أبى طالب فى الحكم عن أبى بكر الصديق ومن بعده عمر وعثمان. أخرج الطرفان الخلاف من دائرة الصراع السياسى على الحكم إلى دائرة الصراع الشرعى على الحكم. وأخذ الصراع منحى فقهياً وشرعياً بين المذهبين، أبعد أصحاب الدين الواحد مسافة أوسع مما بين دينهما والأديان الأخرى. وبنى الأمويون والعباسيون إسلاماً بجوار الإسلام الأصلى يبتعد عنه أكثر من اقترابه. وانشغل الشيعة لحظات اضطهادهم بتفاسير اليقظة، وأصبحت الأمة بين ثلاثة، اثنين يتباعدان، و لا يقتربان إلا فى حالة الصراع مع الثالث.

    مراحل الصراع بين السنة والشيعة على مر التاريخ لم تكن مصر طرفاً فيها حتى ظهور الدولة الفاطمية، واحتلالهم مصر. بداية الصراع كانت بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان انتهت بقتل على بن أبى طالب بيد الخوارج، واتفاق تم بين الحسن بن على ومعاوية، ثم قُتل الحسن، تلتها مذبحة آل بيت النبى والحسين فى كربلاء. المرحلة الثانية: صراع الأحفاد، الأول: محمد النفس الزكية، حين انفصل بالمدينة عن حكم الخليفة أبوجعفر المنصور العباسى، ودارت «موقعة الحرة» بين يزيد بن معاوية ومحمد النفس الزكية وانتهت بهزيمة آل البيت وقتل النفس الزكية. والثانى: الحسين بن على بن الحسن، من أحفاد على، حين خرج على حكم العباسيين وحاربوه وشيعته فى موقعة «فخ» وقتلوه كما قتل الأمويون جده الحسين الكبير فى كربلاء. بعد المعركة هرب منهم الكثير إلى بلاد المغرب وأسسوا دولة الأدارسة بقيادة إدريس بن إدريس بن على بن عبدالله، وكانت دولة الأدارسة النواة الأولى للدولة الفاطمية. أرسل المعز لدين الله الفاطمى قائد جيوشه جوهر الصقلى واحتل مصر، وحولها الفاطميون من المذهب السنى (الشافعى) إلى المذهب الشيعى (الإسماعيلى)، وأنشأ الفاطميون الأزهر الشريف لتمكين المذهب الشيعى، وكانت المرحلة الأولى للصراع السنى الشيعى فى مصر. انتهت هذه المرحلة بالقضاء على الدولة الفاطمية والمذهب الشيعى فى مصر على يد صلاح الدين الأيوبى، وحوّل صلاح الدين مصر إلى المذهب الشافعى (السنى). الصراع السنى الشيعى احتدم وزادت قوته بعد قيام الدولة الصفوية فى إيران وتحويلها من دولة سنية إلى دولة شيعية، فارس هى مولد سلمان الفارسى وهو من الصحابة المكرمين (سلمان منا آل البيت)، وكان من أول الرافضين لتولى أبى بكر الخلافة وأول من أيد أحقية على فى الخلافة. ولم تكن صدفة أن يقود المذهب الشيعى موطن ولادة سلمان، أكبر مؤيدى آل البيت.

    مصر تاريخها سنى المذهب، شيعى الهوى، حب بيت النبوة راسخ فى القلوب بلا مذهبية، ولم تعرف مصر للخلاف فى هذا الأمر طعماً، ولم يكن مقلقاً أن يكون المصرى سنياً أو شيعياً أو مسيحياً أو يهودياً، حتى جاءتنا محطتان من أخطر محطات الفكر السنى المتشدد، الأولى: فرار مشايخ الوهابيين من الحجاز بعد مطاردة إبراهيم باشا ابن محمد على وتسللهم إلى مصر وتدريسهم المذهب الحنبلى الوهابى فى الأزهر. والمحطة الأخطر على تاريخنا هى نزوح المصريين للعمل فى السعودية فى سبعينات القرن الماضى وتصدير الفكر الوهابى إلى مصر بموافقة سعودية ومساعدة المخابرات الأمريكية، وأصبحنا دولة مستوردة لبضاعة الحقد الوهابى على الشيعة وعلى كل الأديان الأخرى، و أمسينا جزءاً من صراع مدفوع الأجر، السلفيون يقبضون من وهابية السعودية لمحاربة المد الشيعى، والشيعة يقبضون من إيران لتشيع الدولة، ووقفت الدولة المصرية من هذا الصراع ودن من طين وودن من عجين.

    مصر ستدفع فاتورة هذا الصراع فى حالتين: الأولى: إذا استجابت لابتزاز السلفيين وضغطهم على الدولة لدخول حرب ضد الشيعة، وعدم قبول التعامل مع إيران وإذابة جبل الجليد بين المذهبين دون ضغوط على عقولنا من الداخل أو الخارج (السعودية تفتح أبوابها للشيعة للحج وتقبل بعض الطقوس المرفوضة وتحاصرها ولا تمنعها، إضافة إلى التمثيل السياسى). فلماذا نرفض الزوار من الشيعة إلى مزارات آل البيت وفقاً لضوابط محددة؟ أليس لها مصلحة مادية كالحج؟!! الحالة الثانية: ألا يكون رد الجميل لدول الخليج هو دخولنا فى صراع بدأ طوفانه بحرب اليمن. فى الأولى على الدولة أن تستبعد كل التيارات التى تبنى مصالحها على أساس عقائدى وليس على أساس المصلحة العليا للدولة. أما فى الثانية أن تقف مصر على أعتاب الخليج تحافظ على أمن الخليج وأمنها القومى، تصد عنهم الاعتداء دون اعتداء، وتصد العدوان دون عدوان. على أن تفتح مصر مع كل دول الصراع أبواباً من الحوار العاقل لعودة العقل.

    adelnoman52@yahoo.com


    "الوطن" المصرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media