كلمة شكر للاستاذ الحمداني على بحثه بعنوان : "من ذاكرة التاريخ" وهل عرف حكام بغداد اليوم شيئا عن تاريخ العراق في العشرينيات من القرن الماضي؟
    السبت 1 أغسطس / آب 2015 - 09:51
    د. أياد حلمي الجصاني
    عضو جمعية الاكاديميين العراقيين ونادي الاكاديمية الدبلوماسية فيينا - النمسا
    قبل ان ابدا تعليقي على ما جاء في بحث الاستاذ حامد الحمداني عن تاريخ العراق في العشرينيات من القرن الماضي بعنوان " من ذاكرة التاريخ " المنشور في صحيفتكم الكريمة الاخبار اجد من الضروري توجيه الشكر له على ما ذكرنا به من سجل تاريخي مشرف  لنظام الحكم ولرجالات العراق وشعبه الثائر الذي كان يعاني القهر ومرارة الاستعمار البريطاني البغيض  . لقد اثار كاتب البحث في نفسي  ما كان العراق  يتميز به من قدرات كبيرة ومؤسسات ديموقراطية حقيقية وتكتلات شعبية ووسائل اعلام واحزاب قوية بقيادة شخصيات نادرة في تاريخية المعاصر رغم ولاء العرش وبعض السياسيين لاوامر المستعمر البريطاني . كل ذلك والعراق تحت الانتداب البريطاني بعد ان تم احتلاله في الحرب العالمية الاولى. ورغم قهر بريطانيا كان للشعب العراقي مواقف مميزة يندر حصولها اليوم فالمظاهرات الشعبية التي ذكرها الاستاذ الحمداني واصرار النواب الوطنيون في البرلمان العراقي على رفض ما كانت تريد ان تفرضه الهيمنة البريطانية بالقوة  دليل على قوة المؤسسات الوطنية التي كانت كلها  تقف حجر عثرة في وجه اطماع المستعمر البريطاني . ان حادثة انتحار الشخصية الوطنية الكبيرة رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون تبقى تذكرنا و تذكر السياسيين العراقيين اليوم بمعنى الولاء والاخلاص للعراق احتجاجا على ممارسة بريطانيا لسياستها التعسفية التي كانت تريد ربط العراق بمعاهدات تفرض فيها شروطها في سيطرة البريطانيين على المناصب الادارية العليا في البلاد وتسخير الهنود وحفنة من الموالين لخدمتهم من اجل الاستمرار في نهب ثروة الشعب العراقي  وضمان عرش العراق الذي فرضته بريطانيا ودعم الحكومة لعمليات استغلال النفط  لقاء عائدات هزيلة حددت باربع شلنات عن كل طن من النفط المستخرج آنذاك  . ويا للحسرة كيف بنا والكثير من هؤلاء السياسيين يتآمرون وينهبون ويقفون اليوم علنا مع اعداء العراق . لقد ذكرت في كتابي المنشور في الكويت عام 1980 بعنوان " النفط والتطور الاقتصادي والسياسي في الخليج العربي في الفصل الخاص عن " قوى التحرر الوطني وسيطرة الشركات الاجنبية " ما كتبه احد الكتاب الفرنسيين وهو بيير روسي في كتابه " عراق الثوار " الصادر عام 1962 بباريس عندما اشار في صفحته 90 الى الدليل الذي يؤيد ما اشار اليه الاستاذ الحمداني عن عظمة الدولة والنظام السياسي والاجتماعي في العراق بعد الحرب العالمية الاولى من القرن الماضي عندما كتب : " لن اتردد في القول بانه في الوقت الذي دخل فيه  البريطانيون العراق ، كان في البلد نظام سياسي ذو جذور عميقة ونظرية صحيحة في مفهوم الدولة قد ترقى الى مفعوم الدولة في بريطانيا العظمى نفسها ، واكثر من ذلك  وبشكل قاطع ،  كان فيه من الطموحات الاشتراكية ما تصل الى نفس الصيغ المتقدمة في الاشتراكية لدى الدول الاوروبية " .
    ولكن كيف بنا ان نفسر وضع العراق الراهن المتدهور باستمرار الذي وصل اليه خلال العقود الماضية من القرن الماضي حتى اليوم  بعد ان دمر اثناء الحكم البعثي الطويل وافرغ من مقوماته وطموحاته الحقيقية في ظل حكم بربري متسلط قاده الى غزو العراق من قبل امريكا عام 2003 بحجة تقديم المشروع الديموقراطي واصلاح برنامج الحكم فيه ؟ اين العراق من كل ما يجري اليوم بعد اكثر من عقد من الزمن من سقوط نظام البعث ؟  هل حققت القوى السياسية اليوم في العراق مقارنة بما كانت تريد ان تحققه القوى السياسة آنذاك عهد السعدون ؟ وهل هناك اليوم من برلمان و احزاب مثلما كانت عليه تلك الفترة من الزمن ؟  كان الشعب يتحدى ويثور ويتظاهر في سبيل تعديل فقرات من معاهدة ارادت بريطانيا ان تفرضها على حكومة العراق واليوم يتظاهر بخجل في ساحة التحرير مطالبا بتحسين وضع الكهرباء . اليس في ذلك ما يثير السخرية ؟  كان العراق موحدا عزيزا بينما اليوم عراق يسير نحو التقسيم تحتل مدنه الكبرى ويشرد اهلها من قبل عصابات مجرمة منذ اكثر من عام من الزمن !  ولا ادرى كم من اوجه المقارنة المحزنة هناك بين الماضي المشرف الذي سجله لنا الاستاذ الحمداني واكد عليه الكاتب الفرنسي روسي وبين مسيرة الحكم في الحاضر المخجل التي تدفع الانسان العراقي ان يبكي بحسرة على الانحطاط الذي وصل اليه عراقنا الحبيب هذا اليوم . فهل عرف حكام بغداد  ونواب برلمانه اليوم الشئ العظيم عن نظام الحكم قي العراق خلال العشرينيات من القرن الماضي ؟  وفي الختام اجدد شكري للاستاذ الحمداني متمنيا له مواصلة جهوده القيمة .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media