الشرف
    الثلاثاء 4 أغسطس / آب 2015 - 00:05
    راغب الركابي
    كانت رحلتي للعراق الدافع لي   اليوم  لأكتب عن مفهوم -  الشرف -  الذي حصرته  لغة الناس في قضايا المرأة وما يرتبط بها من مقولات وأعراف ،  ولكني وجدت إن لمفهوم  -  الشرف -  معنا أوسع وأكبر وجدت ذلك في لسان الحال ولسان المقال  الذي كتبه المشرعون القدامى ، ووجدته كذلك في كتب السماء  التي حرصت على جعله مرتبط بالقيم العامة لحياة الفرد وحياة المجتمع  ، وجعلت من ذلك المفهوم  هو الغالب الذي يجب ملاحقته والتمسك به  ، ولم تبتعد  لغة العرب  في وصفها  للفظ   حين جعلت من معناه  يقترب في صيغته التعريفية مع ما يريد الكتاب المجيد توظيفه في حكايته عن الأشياء التي يجب الإلتزام بها  ،  لكن الإنسان العربي  وكدأبه جعل من اللفظ منحرا ومقيداً بما يتعلق بقضايا المرأة وماحولها من تفاعلات  ،  فجعل منه مشوشاً مغايرا لما يجب ان يكون عليه .
    وبما إن الصيغة التعريفية في لغة العرب  تقول : -  إنه   العلو والرفعة   -   ،   ونحن  وبناءا على ذلك  تتبعنا صيغة اللفظ العملية فوجدنها  صيغة لفظ دال على كل ماهو سيء   ،  ولهذا  فالكذب صفةً تطلق على عديمي الشرف فيكون بالتقابل الصدق هو صفة الشرف الدالة على معناه  ،    والكاذب  في الفعل وفي القول  هو المصداق لمعنى عديم الشرف  ، حتى وإن علا في قومه وعشيرته أو في كونه حاكماً أو وزيرا أو قائد شرطة أو أية منصب أخر في الدولة ، فصفة أو نعت إنه -  كذاب - تسلب منه صفة العلو والرفعة ، وتدفع بالناس لكي يبادروا في رفعها منه وتجريده منها ،  وفي العراق الذي رأيته وجدت الكثير والكثير جداً من فاقدي الشرف وذلك لأن هذا الكثير يكذب جداً ،  وفي  معنى الشرف الإصطلاحي  لا نجده  يختلف كثيرا عن معناه اللغوي  ، إلاَّ في صيغة التبعية  لمعنى -  التلازم الاخلاقي -  وهذا المعنى رصده  الزمخشري في جعل التلازم من باب الجوهر   ، وكذا لايقال للسارق إنه صاحب علو ورفعة  ، فمن يسرق شعبه  ويسرق أهله  هو كالمحارب لله  ورسوله  ، وهذا الذي اشير إليه موجود وبكثرة في العراق اليوم  وهم في مناصب في الدولة والحكومة  ، وصفة السرقة صفة سلب لقيمة الشرف ، ولأنه كذلك  أي  لكونه سارقاً تجعل فهو عديم الشرف ، ولهذا فكل من يتولى منصبا حكوميا ويستغل منصبه  في ذلك  يعد فاقدا للشرف ، وقد كشفت لجنة النزاهة  مدى وحجم السرقات الحكومية المتنوعة والمتعددة   ،  ومن تكون صفته سرقة مال الشعب فهو عديم للشرف كائنا من يكون  ، وخيانة الأمانة  من صفات   عديمي الشرف ، وخيانة الأمانة :  هي عنوان كلي يدخل في بابه كل من يعهد إليه بمنصب أو وظيفة حكومية أو أهلية ولا يصون أمانته فيعد هذا الفاعل عديم الشرف ، وعدم الإلتزام بالعهد :  من صفات عديمي الشرف أو لنقل إن من لم يلتزم بالعهد في صيغتي القول والفعل هو إنسان  بلا  شرف ، وفي هذا المجال لكم أن تقيسوا  كم من الأشخاص الذين تلتقون بهم ولا يلتزمون به  ، ولكم أن تحسبوهم أناس بلا شرف ، وإفشاء الأسرار  ، وكذا تشويه سمعة الناس  ، والتقول عليهم :   كلها من صفات فاقدي الشرف ، والتجسسس على الناس ، والإيقاع بهم والعمل على تخريب العلاقات الإجتماعية :  هي من  صفات فاقدي الشرف ، وتخريب أواصر العلاقات العائلية  ، والتطاول على الكبار :  كذلك من صفات فاقدي الشرف ، والتفاخر بفعل القبائح المستهجنة وإشاعاتها بين الناس :  من صفات فاقدي الشرف  ،  ثم هذا الكم الهائل من القوانين التي دمرت القيم العامة وخربت مفهوم الأحوال الشخصية ، وكذا ظاهرة تسويق المرأة في صيغة البضاعة المزجاة كلها صفات فاقدي الشرف ،  وفي عراقنا يعج كل هذا العته العقلي ليكون تحت رآية التوافقات الطائفية والمسكونية تحت بند المصالحة  ،  وهي إختراقات تعزز العجز وتنمي ظاهرة التدني الفكري وشياع ونمو أهل العقول المريضة ، على حساب التنمية والبناء والتطور ، ولم يكن ممكناً وأنا منكمش قليلاً عن الكتابة  ،  إلاَّ بالتذكير بزحف الفساد في العقل وفي الفكر ليتبعه الفساد في اليد والعمل في الإدارة والسياسة والإقتصاد والمجتمع ، وهذا الفساد الكبير أصله واحد يتموضع بتعريفنا من يكون الشريف من بيننا ومن لا يكون ...

    رااغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media