ربما أكو زنابير تخره عسل واحنا ما ندري؟؟
    الخميس 13 أغسطس / آب 2015 - 03:50
    صائب خليل
    لدى الشعب العراقي كغيره من الشعوب امثلة لها حكمة عميقة ومنها المثل المعروف "ماكو زنابير تخره عسل". ويطلق هذا المثل كترياق بوجه من تصيبه فجأة حمى الأماني المستحيلة التي تصيب صاحبها بالعمى المؤقت عن الحقائق، فيحثه على الصحو بسرعة قبل ان يتعرض لما يتعرض له السائرون في نومهم من اخطار.

    وفي العراق الذي رأى الكثير من الدكتاتوريات المرعبة وعرف معنى تحطيم القوانين، علق الشعب آمالا كبيرة جداً على الدستور الذي وضعه المحتل لبلادهم رغم كثرة ثغراته المعدة لاختراق البلاد وإبقائها تحت سيطرة الإحتلال الفعلية بعد مغادرة جيوشه. ولم يكن للشعب خبرة بالديمقراطية وضرورة استلام السلطة ورعايتها وحماية ادواته للحفاظ على سلطة إدارته للبلاد، فكان ما يطلب لا يتعدى الأمنية بأن يأتيه "حاكم شريف" ليسوسه بما تملي عليه اخلاقه الشريفة، التي ليس للشعب أن يتمنى الأمنيات بشأنها!

    إن لم يكن حظ مثل هذا الشعب ممتازاً فسيكون في ورطة عاجلا او آجلاً، فهو يدخل معركة شرسة دون تدريب على اسلحتها. ومن الناحية الثانية فأن الإحتلال كان يعرف مصلحته ويعرف كيف يصل اليها وهي بالضبط ان لا يسمح ان يأتي إلى الحكم إلا اقل الساسة شرفاً. ويمكننا ان نلاحظ ذلك من اختياره الأول لرئاسة الحكومة العراقية قبل الإنتخابات: أياد علاوي! وبعد علاوي مارس الإحتلال الضغوط لإزالة المنتخب إن تطلب الأمر ووضع شخص أقرب إلى المواصفات التي تناسبه.
    كانت النتيجة تفاقم الفساد وضياع الأموال وربط البلاد باتفاقيات مهينة ومدمرة، وكان الإحتلال يدير كل شيء تقريبا من خلف الكواليس بمعونة مجموعة من العملاء و "الأصدقاء" إضافة إلى إقليم كردستان الذي عومل بشكل اقرب ما يكون إلى المقاطعة الأمريكية فسهل له ابتزاز ساسة العراق بشكل مستمر ومتزايد وقدم له النصح في كيفية إدارة ذلك الإبتزاز بواسطة السفير كالبريث كما اوضحنا في مقالات سابقة، والذي أسهم ايضاً في كتابة الدستور بشكل يؤمن ابتزاز الحكومة العراقية والشعب العراقي، سواء لكردستان أو لشركات النفط التي كانت تدفع أجور كالبريث، مستشار كردستان في كتابة الدستور في ذلك الوقت.

    هكذا تمكن الإحتلال من إنزال الأذى الشديد بالبلاد، وتمكن من تمرير مبالغ ابتزاز هائلة من بغداد إلى ساسة كردستان على حساب الشعب العراقي، نستطيع بسهولة أن نحسب منها ما يزيد على 100 مليار دولار، من بينها 42 مليار دولار مازالت كردستان حتى اليوم مدينة بها لبغداد وفق الرقابة المالية التي تغاضت عن معظم الإبتزازات. وقد بدأ علاوي تلك الإبتزازات ثم اكملها المالكي بعد ان تمت اصابته بداء السلطة فكان مستعداً لكل شيء من أجل البقاء. وكان ابتزاز الأردن له في نفس ذلك الإتجاه أيضاً.

    يقول المؤرخون أن فهم الحرب العالمية الثانية يتطلب أن ندرس الأولى، فليست الثانية إلا امتداد حاد للأولى. وعلاقة المالكي بالعبادي كعلاقة الحرب العالمية الأولى بالثانية، وفهم العبادي يتطلب فهم المالكي بنفس الطريقة فهما خطوتان في تحطيم العراق تكمل أحدهما الأخرى، كما حطمت الحربان أوروبا وسلمت قيادة العالم لأميركا. والفرق بين العبادي والمالكي يساعدنا على فهم الإحتلال ولماذا قام باستبدال الأول بالثاني رغم حراجة ذلك.
     
    لقد واجه المالكي حالة مستعصية حيث ان مطالب ساسة كردستان لا تتوقف عند حد، واصبح التنازل لها يمثل حالة مفضوحة ومخزية اصابت سمعته بالأذى الكبير. ويحس المالكي بالضغط من الجانببين: الشعب من جهة وأميركا وذيولها (كردستان، الأردن.. الخ) من الجهة الأخرى. فيحاول ان ينقذ جلده ليرضي الطرفين فيعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر. كان "الله" أو الشعب، يحصل على الكلام الفارغ والنفخات و "ولي الدم" و"مختار العصر" وبطولات حمودي، ويحصل "قيصر" على كل شيء آخر. لكن هذا الحال لم يعد ينطلي على الكثيرين، واصبح المالكي يتعرض إلى اللوم الشديد حتى من داخل كتلته. وحين جاءت الإنتخابات، زاد وزن "الله" بالنسبة له في ميزان المقارنة وخشي ان يخسر، فتوقف عن إمداد الإبتزاز الكردستاني بالموافقات.

    وكانت طلبات الأمريكان مقابل إبقائه رئيسا للحكومة تزداد ثقلا وخطراً على حكمه واضطر لرفض بعضها بقدر ما يستطيع من ادب، مثل رفض طلب وزير الخارجية الأمريكي في حينها، حين طلب منه دعم الفرق الأمريكية الإسرائيلية المسماة "داعش" ضد سوريا، وكان داعش في ذلك الوقت خارج العراق لكنه كان يهدد بشكل صريح ومتكرر باحتلال بغداد، ورغم ذلك يأتي "اصدقاؤنا" ليطالبونا بدعمهم! 

    لقد تمكن الإحتلال من تحطيم البلاد بشكل كبير وتمكن من تصريف مئات المليارات من الدولارات النفطية ومنعها من بناء البلاد بأي شكل معقول، لكنه لم يتمكن رغم سلطته على ساسة البلاد، من إدخال إسرائيل بشكل رسمي إلى البلاد وتطبيعها، رغم محاولات وتضحيات عملائها مثل مثال الآلوسي وكذلك القادة الكرد، ولم يتمكن من تحقيق اعز امانيه بتحطيمها إلى قطع صغيرة كما تتطلب الأجندة الإسرائيلية التي يتبعها. بل ان "حشداً شعبياً" تجمع من شباب وشيب عز عليهم أن ينتهي شعبهم إلى ما انتهي اليه، وكانوا فدائيين يضعون ارواحهم على اكفهم، فكانوا جيش العراق الحقيقي، وبديلا للجيش الرسمي الذي حطمه الإحتلال وأسس محله جيشاً مدموجاً بفرق الإرهاب السرية ووضع على قياداته عملائه الذين كانوا يسلمون المدن والسلاح بلا قتال، لداعشهم.

    مع الحشد الشعبي بدا الأمل بالعراق ممكنا لأول مرة منذ اثنا عشر عاماً وبدت مشاريع تقسيمه وإثارة النعرات بين اجزائه تتحطم على قصص التضحية الملهمة لابناء الحشد. وتبين للجميع أن قول وزير الدفاع الأمريكي  هزيمة داعش تحتاجإلى 30 عاماً  ، خرافة مضحكة أو أمنية أمريكية وليس حقيقة واقعية.(1) فلأول مرة كانت هناك انتصارات وتحرير اراض، وبطولات اسطورية تجمع الشيعة والسنة، وتهدد بتحطيم كل ما تم تأسيسه من طائفية وكره متبادل، بناه تعاون الإرهاب والإعلام الذين غرسهما الأمركيان خنجرين مسمومين في قلب البلاد!
    وهكذا جاءت الإنتخابات الأخيرة والخندق الأمريكي الإسرائيلي يعاني من إشكالين كبيرين: تعثر تطور الإبتزاز الكردستاني بوصول المالكي حدوده القصوى في التراجع، وتعثر تأسيس الحرس الوطني وتمزيق البلاد....وفجأة ....

    جاء العبادي!

    فمن هو العبادي الذي استلم قبل أيام ما يسمى بـ "التفويض" من الشعب والمرجعية ليحطم كل شيء إن شاء، شرط أن يحطم "الفساد"  و"المحاصصة"؟ من هو العبادي الذي استحق كل هذه الثقة المطلقة والذي يعلق عليه هذا الشعب الآمال الكبيرة؟ ماهو هذا التفويض حقيقة الأمر وما الذي يمكننا ان ننتظر منه؟ دعونا نلقي نظرة على ما يحدث...

    الأمل بـ "العسل" من العبادي لم يبدأ اليوم بل منذ اليوم الأول لتوليه منصبه. وطبيعي فأن هذا الأمر لم يكن بسبب خصال العبادي بل مساوئ حكومة المالكي التي اوصلت الناس إلى حالة ترجي المستحيل.
    والظريف ان قارئة رجتني أن "أكتب بتفاؤل" عن الموضوع، لكني كتبت الحقيقة التي بدت لي بشكل آخر تماماً في مقالة "وذهب المالكي..مقارنات وتوقعات"(2) وشرحت سبب تشاؤمي: "فأسوأ ما كان في المالكي هو موقفه الذليل من ابتزاز كردستان ... وانبطاحه الزائد لأميركا"، وباعتبار أنهما من قام باستجلاب العبادي من الغرف الخلفية فأن الأمنيات بحكومة افضل هي طموحات "خيالية" ... والمنطق يقول أن ننتظر من العبادي من الإنبطاح ما لم يجرؤ المالكي أن يفعله.

    وهكذا جاء العبادي كبغل محمل بـ "جلال" ثقيل وضعت في جانبيه قنبلتين ذريتين تكفي اي منهما لتحطيم البلاد. في جانبه الأيسر وضع مشروع تسليم ساسة كردستان كل ما كانوا يطلبونه من ابتزازات متزايدة من بغداد، وإقرار قانون النفط وغيره من التنازلات التي لم يتمكن الحاكم السابق من تقديمها، وتتضمن مزايا لا يمكن للعراق ان يبقى موحداً بعد إقرارها خاصة حين يطالب الآخرين بمثلها. كانت هذه هي "القنبلة الإقتصادية" أو "قنبلة التفجير البطئ للبلاد".
    وفي الجانب الآخر من جلال البغل العبادي وضعت "قنبلة التحطيم السريع" – مشروع "الحرسالوطني"
    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media