العنف والتظاهرات!!
    السبت 22 أغسطس / آب 2015 - 05:03
    د. صادق السامرائي
    الأنظمة في الدول العربية تجهل مهارات التعامل مع التظاهرات , وتصاب بالرعب الشديد منها , وتبدي ردود أفعالها الإنعكاسية المتأججة الإنفعال.
    حصل ذلك في التظاهرات التي جرت في دولنا منذ تأسيسها , ومن المعروف ما أصاب  التظاهرات في سوريا واليمن والعراق , مما تسبب في تداعيات وتطورات باهضة التكاليف بالأرواح والممتلكات والثروات , وما آلت إليه دولها المبتلاة بأنظمة حكم بلا عقلاء!!
    ويبدو أن عقلية الكرسي في دولنا لا تستوعب التظاهر , إلا أنه خروج على قانون الخضوع والخنوع والتبعية والإستسلام للحاكم بإسم هواه.
    وفي غالب الأحيان يتم فهم التظاهرات على أنها نوع من العدوان الذي يوجب التصدي العنيف , ولهذا تنطلق أبواق وأقلام الكراسي بإلصاق التهم والتوصيفات , التي تدعو إلى محق المتظاهرين وإيداعهم السجون وأقبية التعذيب والظلم المروع.
    وما تفاعل نظام حكم عربي واحد مع التظاهرات بقدرات حضارية معاصرة , تفترب من حس الجموع التي تطالب بحقوقها الشرعية والإنسانية , وفي أغلبها يتم زج عناصر من النظام للقيام بأعمال شغب وسفك دماء لتسويغ الإنقضاض عليها.
    وهذا نمط سلوكي ثابت لا يتغير في مظاهرات بلاد العرب أوطاني!!
    وما يجري اليوم في العراق ربما سيؤول إلى ذات المآلات والنتائج والتداعيات , إن لم يتمسك المتظاهرون بإرادة اللاعنف , لأنها الأقوى والأقدر على صناعة النصر , فكل عنف مهزوم واللاعنف هو الذي يدوم.
    وفي مجتمعاتنا نجهل ثقافة اللاعنف , ونحسبها ضعفا وجبنا , ونتداعى نحو التفاعل العنيف الذي نتصوره رجولة وشجاعة , وقيمة سلوكية ذات معاني إجتماعية سامية , بينما اللاعنف هو السلوك البشري الأرقى والأسمى والذي يلد الحياة الأفضل , ويبني المجد الأبقى.
    واللاعنف جوهر الديانات والرسالات كافة , وديننا الإسلامي فيه من المفردات الدالة على اللاعنف ما يملأ الكتب والموسوعات , ويحتوي تراثنا الفكري والثقافي ما لا يحصى من الخطب والرسائل والمخطوطات والمدونات , التي تشير إلى قيمة وضرورة سلوك اللاعنف.
    ومن الغريب أن الأجيال تغفل هذه الثقافة , وتتبنى ما هو غريب ومتطرف ومهمول في ثقافتنا العربية الإسلامية , حتى لأصبح في وعي الأجيال أن العنف هو القانون والدستور المتحكم بالبلاد والعباد , وفي هذا إنحراف إدراكي وسلوكي وخيم النتائج والتطورات , وواقعنا المعاصر يتنعم بحصيده ومراميه وغاياته المبشرة بالشرور.
    وعليه فأن أي سلوك فردي أو جماعي لا بد له أن يستلهم ثقافة اللاعنف , وينهل من القيم الرحيمة الإنسانية السمحاء , ولتترجم التظاهرات إرادة اللاعنف , وتعبّر عن مفردات الحياة الوطنية الأخوية المتآلفة المتكاتفة المتكافلة , الساعية لبناء صرح المصالح المشتركة والوطن الواحد القوي العزيز , ولتنأى عن تداول المفردات التي تشير إلى العنف , لأن العنف قد أهلكنا وخربنا وحطم وجودنا وفرقنا وما قدم نافعا لجميعنا , فلنتواصى باللاعنف لكي نبني عمارة الحياة اللائقة بمجتمعنا , ولنؤمن بأن العنف عدونا الأكبر!!
    فتواصوا بالرفق والمودة والصبر , والثقة بأن إرادة الحق المشروعة لمنتصرة ومؤزرة بقوى وقدرات , الذي ننصره فينصرنا!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media