مازن لطيف في كتابه الجديد (توثيق وجهد منصف ..ومتعة في قراءة التاريخ)
    الثلاثاء 25 أغسطس / آب 2015 - 21:00
    نعيم عبد مهلهل
    يؤرخ هذا الكتاب لمرحلة مهمة من التأريخ اليهودي في العراق من خلال اسهامات المثقفيين اليهود في الحضارة العراقية الحديثة وخصوصا منذ بدايات القرن العشرين ، وخاصة في عالم الصحافة ، وهو دور كبير اثرى النهضة العراقية منذ ان ابتدا الحكم الوطني في العراق ، والكتاب يحمل جهدا شاقا لمؤلفه وعناية متميزة لهذا السرد التأريخي والتوبيب والاحاطة الدقيقة بكل تفاصيل هذا الجانب المهم من التاريخ حتى يتخيل قارئ الكتاب أن المؤلف يستخدم السرد الحكائي المؤرخ في كشف السيرة الذاتية وارشيف التاريخ الصحفي ليهود العراق وهي اكثر ممارسة ثقافية وحضارية نشط فيها يهود العراق الى جانب الانشطة الادبية ( الرواية والشعر ) وكذلك النشاط الاقتصادي المتمثل في اختيار ساسون حسقيل اول وزير مالية عراقي في اول حكومة وطنية بعد تنصيب الملك فيصل بن الحسين ملكا على العراق ، وكذلك الانشطة السياسية والفنية والاجتماعية والتربوية. يجهد المؤلف مازن لطيف في أظهار الطوبغرافيا العلمية للجهد الصحافي والادبي ليهود العراق مع بوادر الدولة الوطنية والنهضة العراقية الحديثة بعد التخلص من الهيمنة العثمانية ، ويحافظ المؤلف على النسق التأريخي امينا ومبوبا حسب التطور الابداعي للأسماء التي ذكرها الكاتب ومحاولته لتفسير العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عاصرت هذه الاسماء التي يشعرنا الكتاب وكاتبه مدى الجهد الكبير في عطاءهم المهني والثقافي في رسم معالم النهضة الصحفية في العراق أو تلك التي بدأت تحث الخطى في مسايرة الحركة الادبية في العالم من خلال الابداع الشعري والروائي وكتابة المقالات. رؤيا الكتاب تتحدث بلغة جميلة ومؤرشفة بذاكرة وعي تتبع تماما المسار التأريخي العريق الذي سكن ذاكرة هذه الجالية منذ السبي البابلي والى لحظة البدء بتسفير يهود العراق واسقاط الجنسية عنهم بعد نكبة 1948 .
    رؤيا الكتاب تتسع مع اتساع تواريخ وجود هؤلاء الذين عاشوا في ابد المكان منذ السبي البابلي وحتى قرار الحكومة العراقية بتسفير جميع يهود العراق الى فلسطين ، وكان من البعض أن رفض تماما فكرة الرحيل عن البلاد التي ولد فيها واباؤه واجداده ، لكن السياسة غلبت هذا وكان لزاما على اليهود الرحيل تاركين على ارض ميزوبوتاميا تراثا هائلا من الطقوس وقراطيس ثقافتهم المميزة في شتى انشطة الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
    يؤرخ كتاب مازن لطيف لتلك الحقبة مستعينا بالارشفة وشغفه بتتبع تواريخ اهل هذه الديانة ، وكثيرا ما يلجأ الباحث مازن لطيف الى لغة الوقائع والارقام والارشيف حتى لايقع في محظور ما لحساسية الكتابة عن اليهود في العراق بعد ان ارتبط الامر منذ عمليات ترحيلهم وحتى خزن الارشيف اليهودي العراقي في قبو رطب في مديرية المخابرات العراقية في الحاكمية ثم نقله الى الولايات المتحدة من قبل قوات الاحتلال بعد 2003 .ومرورا بالايعاز الرئاسي في سبيعينات القرن الماضي بشطب كامل التراث الغنائي والفني للمبدعيين اليهود من سجلات وارشيف دائرة الاذاعة والتلفزيون . ارتبط هذا بالعديد من الاجتهادات والرؤيا والتحليل وكانت الكثير في تنظيرهم يعتبر ان الكتابة عن يهود العراق هو تابوها وخطا احمرا لايمكن تجاوزه وهم يعوزوا بذلك ان اليهدوية ارتبطت بفكرة الصهوينية واحتلال فلسطين ، فيما كان يهود العراق ومن سكنة حيفا ويافا ومنهم الموسيقار العراقي الكبير صالح الكويتي قد عبر اكثر من مره بحنينه الدائم لوطنه الام العراق ، وانه من غرس تلك البلاد التي شهدت اساطير الحانه الرائعة للمطربة الخالدة سليمة مراد باشا ، ولاشأن له بمقاصد هذا الترحيل الاجباري الذي حاول نوري سعيد باشا رئيس وزراء العراق ان يؤخره اكثر من مرة لحاجة الفن العراقي ودائرة التلفزيون والاذاعة لجهود وابداع هذا الفنان الاصيل.
    يرسم كتاب مازن لطيف ملامح فترة منتجة وعميقة ومبدعة بالنسبة للابداع اليهودي على مختلف الاصعدة واهمها دورهم في تنشيط حركة الاعلام والصحافة ، ويؤرخ الكتاب لاسماء مهمة في تاريخ الصحافة العراقية ويحاول ان يسلط الضوء على مسمايات الصحف والانشطة وذلك الدور المؤثر الذي لعبه القلم اليهودي في رسم المسارات الحضارية والوطنية للدولة العراقية الناشئة.
    الكتاب جهد يؤسس الى ثقافة الاعتدال والانصاف ، التي اراد فيها مازن لطيف ان يساهم في اعادة كتابة التاريخ بالطريقة المنصفة ، وهو جهد ليس بالهين ،فالكاتب قد يواجه الكثير من الصعوبات والمنغصات في جهده هذا نتاج الى الثقافة الماضوية القائمة على كره اليهودي واهمال دورهم الحضاري في بناء العراق بسبب اشكاليات قيام دولة اسرائيل وحروبها مع الحرب وتنامى هذا الموقف بشكله السلبي بعد نكسة 5 حزيران. وهو ما جعل الانتباه الى الظاهرة اليهودية العراقية محفوفة بالكثير من المخاطر ،غير ان مازن لطيف اختار الجهة الاصعب في هذا التحدي وسلط الضوء في هذا الجانب من خلال اهتمامه بنشر وطبع كافة الكتب التي تتحدث عن الموقف الوطني ليهود العراق وليس عن الموقف الذي التزمته الصهيونية العالمية باستغلال هؤلاء الناس وجعلهم حطبا لدعايتها مما كلفهم ذلك تهجيرهم عن ارضهم وبلادهم.
    الكتاب سيرة ذاتية لتواريخ الجرائد العراقية منذ مطلع القرن العشرين ومع هذه السيرة كان هناك تسليط ضوء وكشف لابداعات الكثير اليهودية في مجال الرواية والقصة والطب وكتابة المقالات الصحفية .
    أنه هنا يخلق في القارئ تأثيرا مهيبا وهو يضع كامل هذا التراث الوطني امام حقيقة ان يهود العراق كانوا منتجيين ومبدعيين ويحبون وطنهم حد النخاع وأن هذا الكتاب ليس سوى السيرة الذاتية لابداع تلك الاسماء التي سكن اغلبها بغداد العاصمة ومارس فيها دورا رياديا في تنشيط الحركة الثقافية والاعلامية والطبية والادبية والاقتصادية لدولة نشأت حديثا على يد المغفور له الملك فيصل الاول ورئيس وزراءه الاول السيد عبد الرحمن النقيب.
    جهد مازن لطيف ، هو من بعض جهد الثقافة العراقية الحديثة لانصاف التاريخ العراقي الحديث في رسم الحقيقة بمسارات العلم والمعرفة والوقائع.
    أعتقد أن الكتاب هو اضافة جميلة للمكتبة العراقية بعد ان شح فيها الجهد المعرفي والتاريخي في معرفة الدور اليهودي في الحضارة العراقية ، والجميع يعرف ان المدارس العراقية في العصر الحديث كان الكثير من اساتذتها هم من اليهود.
    يهود وحروف وجرائد عراقية كتاب يتميز بمادته الممتعة وبوح التاريخ فيه في دعم حقيقة وجود هذه الديانة التي لها اهم المراقد المقدسة في التراث اليهودي في العالم .مرقد النبي الكفل في بابل ، ومرقد النبي العزيز في ميسان ، وامكنة اخرى.
    تحية للكاتب والباحث مازن لطيف في جهده الحقيقي هذا

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media