الكليبتوقراطية العراقية بي ن الديمقراطية و الجهادية
    الخميس 27 أغسطس / آب 2015 - 22:26
    د. سداد جواد التميمي
    استشاري الأمراض النفسية و النفسية العصبية - المملكة المتحدة
    الكليبتوقراطية مصطلح يكثر استعماله في وصف نظام حكم يستغل ثروات البلاد ويسيطر رجال السلطة فيه على حركته التجارية.
     من الممكن تصنيف بلاد العالم الى ثلاثة أصناف. الصنف الاول هي بلاد ديمقراطية يخضع فيها الجميع الى سلطة القانون وان كان هذا لا يعني عدم محاولة رجال السلطة استغلال نفوذهم لمكاسب مادية شخصية. الصنف الثاني هي بلاد كليبتوقراطية نظام الحكم فيها ديكتاتوري بحت. يشهد التاريخ لثراء الزعيم الاندونيسي الرحل سوهارتو والذي سرق ما يقارب 20 بليون من ثروات البلاد والزعيم اليوغسلافي سلوبودان ميلو سفج الذي وصلت ثروته الى ما يقارب البليون دولار. هناك  ايضاً من يدعي بان ثروة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تجاوزت البليون دولار وبعض المصادر تضع سرقات حسني مبارك بحدود 75 بليون دولار. وصلت ثروة فلاديمير بوتن الى ما يقارب 200 بليون دولار وهو يتصدر قائمة اللصوص العالمية لرؤساء الدول هذه الأيام. 
    اما العالم العربي فترى الكليبتوقراطية سلوك في غاية الانتشار وقلما يواجه معارضة شعبية تستحق الذكر. من الصعب تعليل ثراء الزعماء والملوك العرب في يومنا هذا الا بانتشار السلوك الكليبتواقراطي في السر والعلانية.
    اما الصنف الثالث و الذي يشمل العراق فيتميز  بجمعه بين الديمقراطية والكليبتوقراطية. رغم ان العملية الديمقراطية في العراق لا غبار عليها  ولكن الكليبتوقراطية بدأت تطغى تدريجيا على الديمقراطية. السلوك الديمقراطي سلوك يجمع بين النضوج والنزاهة ورعاية مصالح جميع طبقات الشعب التي انتخبت او لم تنتخب المجموعة التي وصلت الى الحكم. هذا النضوج يتطلب ايضاً اتفاق جميع الأطراف المنتصرة والغير منتصرة على ضرورة إدارة شؤون البلد وانتظار جولة انتخابية أخرى. لم يصل اهل العراق الى هذا المستوى من التفكير و السلوك و لا تزال النزعة الطائفية و العشائرية متأصلة في اعماقهم و في جميع طبقات المجتمع. هذا الصراع بدوره بين مختلف الاطراف انتج سلوكا كلبيتوقراطيا و سرعة اتهام كل من يصل الى مقعد السلطة باللصوصية.
    تاريخ الكليبتوقرطية في العراق
    هناك ازمة ثقة مزمنة بين اهل العراق و حكومتهم منذ ولادة الدولة العراقية في العشرينيات. يحيط العراقيون الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم باطار من المثالية لعدم ممارسته السلوك الكليبتوقراطي  بينما كثرت الاشاعات الغير صحيحة و التي  روج لها حزب البعث  في الستينيات حول سلوك رئيس الوزراء الراحل في الستينيات المرحوم طاهر يحيى و اتهامه باللصوصية.
    بدأ السلوك الكليبتوقراطي بالانتشار تدريجياً بعد وصول حزب البعث الى الحكم في نهاية الستينيات. تزامن انتشار وباء الكليبتوقراطية مع ارتفاع اسعار النفط و تضاعف واردات العراق المادية. من احدى مميزات السلوك الكلبيتوقراطي هو سيطرة غير متوازنة على النشاط الاقتصادي في البلاد من قبل بعض رجال السلطة و المقربين منهم من اقارب و اصدقاء و هذا ما حدث بالفعل في العراق تدريجيا و خاصة بعد وصول صدام حسين الى مقعد السلطة.
    ضمان استمرار السلوك و النظام الكليبتوقراطي يتطلب خطوات  متعددة اولها نشر الخوف و اضطهاد المعارضة و هذا كثير الملاحظة في الأنظمة الدكتاتورية. هناك من يسعى الى سكوت الشعب عن طريق توزيع المال و اختلاقه عمالة مزيفة و هذا ما حدث في دول الخليج العربي بعد قيام الثورة العربية الحديثة المعروفة بالربيع العربي. و لكن في الكثير من الاحيان نرى بان اختلاق الازمات السياسية و الاقليمية و اتفاق  جميع الأطراف على عدم الاتفاق يضمن استمرار السلوك الكليبتوقراطي و هذا ما حدث و يحدث في العراق. منذ بداية السبعينيات و الى اليوم هناك ازمات متواصلة في داخل العراق و بين العراق  و بلاد الجوار.
    الكليبتوقراطية الحاضرة في العراق:
    لا يمكن الاعتماد على الاشاعات و حكايات المقاهي على تقييم لصوصية رجال السلطة في العراق و لكن العراق يتميز عالميا بانه من اقل دول العالم شفافية و هذه الميزة بحد ذاتها تسند  حقيقة انتشار السلوك الكليبتوقراطي.
    العراق دولة ريعية حاله حال جميع البلاد العربية المنتجة للنفط في الشرق الاوسط و الحركة الاقتصادية فيها لا تعتمد على جهود المواطن و الإنتاج المحلي و وجود نظام ضرائبي يضمن استمرار فعالية الخزانة الوطنية و تقديم الخدمات الى المواطنين.
    النظام التقاعدي في العراق لا مثيل له في العالم. هناك الكثير من العراقيين من يستلم راتباً تقاعديا لخدمة لم تتجاوز بضع سنوات و الاسوأ من ذلك تراه مواطناً في بلد اخر و يحمل جنسيته و يتقاضى راتبا شهريا او تقاعديا فيه. هناك الكثير من المواطنين العراقيين من يستلم ما يسمى بمخصصات جهاد"جهادية" و هو اصلاً لا يعيش في العراق.
    انتشر ايضاً سلوك تعويض من تضرر بسبب سياسة النظام الدكتاتوري السابق. رغم ان هناك الكثير من هؤلاء و لكن مع وجود نظام اداري فاسد و فشاء الكليبتوقراطية فمن السهولة استغلال مثل هذا التشريع من قبل مختلف طبقات الشعب. و لكن الصراحة هي بان هذه السياسة المالية لا مبرر لها و لا يمكن ان استحداثها لو لم يكن العراق بلداً ريعيا يتصور فيه المواطن العراقي بان حقه من ايرادات النفط يحب دفعها و هو جالسا في بيته يحتسي القهوة او في ضيافة بلدا اخر. 
    وهام البلد الغني
    يتصور الكثير من اهل العراق بان العراق بلداً غنيا و ربما هذه المقولة صحيحة و لكن هو غني بثرواته فقط و لكنه فقيراً  في انتاجه و حجم و نوعية الخدمات المتوفرة لمواطنيه. من الصعب وصف العراق بالبلد الغني و توليد الكهرباء فيه يتقطع منذ اكثر من نصف قرن من الزمان. ليس هناك في نظامه الصحي و التعليمي و الاجتماعي ما يستحق الأعجاب و موارده المائية تحت رحمة تركيا.
    هذا الوهام العراقي ساعد بدوره على انتشار الكليبتوقراطية  في الطبقة الحاكمة و انتشار سلوك اللصوصية المتمثل في سرقة الدولة من قبل مختلف طبقات الشعب و في مقدمتهم رجال السلطة. الانسان الذي يتقاضى راتباً شهريا من الدولة مقابل عملاً لا يستحق هذا المال فهو يسرق الدولة و الوطن. الرواتب الخيالية لنواب البرلمان العراقي و مسؤولي الدولة تتصدر قائمة الكليبتوقراطية  و اصبحت مسخرة عالمية و بالتالي اصبح النظام متفسخاً و العراق على حافة الهاوية مع انخفاض ريعيه من  النفط و استمرار الحرب الاهلية فيه.
    على العراق ان يتخلص من الكليبتوقراطية و لكن ليس عن طريق التضحية بالديمقراطية و عودة الدكتاتورية التي هي اساسا اصل السلوك الكليبتوقراطي.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media