حذار من تحريف التظاهرات عن أغراضها المشروعة
    الأحد 30 أغسطس / آب 2015 - 06:48
    د. عبد الخالق حسين
    كاتب ومحلل سياسي عراقي مغترب
    نحن نعيش في عصر التقنية المعلوماتية المتطورة التي هي سلاح ذو حدين، يمكن استعماله للخير والشر. وتعقيدات الوضع العراقي، والتشويش الفكري، واستعداد العقلية العراقية لتقبل الإشاعات المسمومة والتصديق بها، تساعد أعداء العملية السياسية في تضليل الجماهير وقيادتهم ضد مصالحهم، بنشر الأكاذيب والمتاجرة بمعاناة الناس من شرور الفساد ونقص الخدمات والبطالة...الخ. فخلال 40 سنة من حكم الفاشية، عمل البعث الصدامي على تدمير النسيج الاجتماعي وبلبلة الفكر والوعي، وتخريب عقلية المجتمع العراقي وترويضه، واستخدام سياسة (فرق تسد)، ونشر العداء بين مكوناته، بحيث صار لا يصلح لحكمه إلا بالقبضة الحديدية البعثية. ولذلك لما سقط حكم القمع الدموي استغل فلول النظام الساقط، ومن يدعمهم في الداخل والخارج، الوضع الديمقراطي، لنشر الفوضى العارمة في العراق في محاولة منهم لإعادة التاريخ إلى الوراء.
    لا يختلف اثنان أن الشعب العراقي، وبعد كل هذا الخراب لخمسة عقود، يواجه أزمات كثيرة، منها نقص الخدمات، وتفشي الفساد، والإرهاب، وأن هناك نسبة غير قليلة من السياسيين الفاسدين في الدولة، ساهموا في صنع هذه الأزمات. ومن حق الجماهير أن تغضب وتخرج إلى الساحات والشوارع لتعرب عن غضبها وسخطها في تظاهرات سلمية، ومطالبة المسؤولين بحل هذه الأزمات بأسرع وقت ممكن، وهو حق مشروع كفله لهم الدستور والنظام الديمقراطي.
    ولكن الملاحظ ، أن هناك محاولات من قبل جهات عديدة مشبوهة، أغلبها مشاركة في السلطة، همهم الوحيد هو خلق هذه الأزمات وعن قصد، لإفشال العملية السياسية. يحاول هؤلاء الآن توظيف السخط الشعبي لحرف التظاهرات عن مسارها الوطني وأغراضها المشروعة، وجعلها تخدم أغراضهم السياسية الفئوية، وضد مصالح الجماهير المحرومة من الخدمات. فجماعة مقتدى الصدر والحكيم مثلاً، لهم حصة الأسد في الحكومة، ولكنهم أصدروا أوامر لجماهيرهم بالمشاركة في هذه التظاهرات، والغرض واضح وهو تبرئة ممثليهم في الحكومة من التقصير، وتجيير هذه التظاهرات لمصالحهم الحزبية.

    كذلك يحاول البعثيون وحلفاؤهم من الذين أقاموا الاعتصامات في الماضي القريب، الادعاء بأن هذه التظاهرات في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب هي امتداد لاعتصاماتهم في المناطق الغربية. والحقيقة هناك فرق شاسع بين هذه وتلك. فالاعتصامات قادها البعثيون الدواعش، ورفعوا شعارات لإسقاط الحكومة وإلغاء الدستور وحل البرلمان ... الخ، من أجل إعادة حكم البعث المقبور وتحت اسم آخر بحجة العزل والتهميش! وأقاموا في تلك الساحات ورشات لتفخيخ السيارات لقتل الجماهير في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، إضافة إلى رفعهم شعارات طائفية فاشية بذيئة، و صور المقبور صدام حسين وأعلام السعودية. وكانت تلك الاعتصامات عبارة عن الخطوات التمهيدية لفصل المناطق الغربية (السنية) عن الحكومة المركزية بذريعة احتلالها من قبل داعش. وما لعبة داعش إلا غطاء تستخدمه فلول البعث والشركاء من المناطق الغربية، وبدعم من حكومات خارجية معروفة، لإرباك الحكومة المركزية وإشغالها في حروب استنزاف طويلة الأمد لتدمير الطاقات البشرية والمادية.

    أما تظاهرات اليوم في بغداد، ومحافظات الوسط والجنوب، فأهدافها مشروعة وقابلة للتنفيذ وهي: إصلاح الحكومة وليس هدمها(1)، ومحاربة الفساد والرشوة، وتحسين الخدمات، وإيجاد العمل للعاطلين...الخ. هذه المطالب مشروعة أيدتها المرجعيات الدينية، والحكومة نفسها، بإصدار حزمة من الإصلاحات.
    ولذلك يحاول قادة الاعتصامات السابقة الصيد بالماء العكر، وإيجاد موطئ قدم لهم وذلك باختراق هذه التظاهرات، ورفع شعارات تحريضية ضد الحكومة المنتخبة، وإسقاطها، بل وحتى ضد المرجعية الدينية، لحرق الأخضر بسعر اليابس، وكأن جميع السياسيين من أعضاء الحكومة والبرلمان فاسدون يجب اقتلاعهم من الأساس، وأن الوضع الحالي هو أسوأ بكثير من عهد صدام... وخلق انطباع أن الفساد ونقص الخدمات متركزان في محافظات الوسط والجنوب (الشيعية)، وكأن المحافظات الكردستانية والسنية ليس فيها فساد ولا شحة خدمات! ولا شك أن هذه الشعارات تحاول إلقاء الفساد على السياسيين من المكون الشيعي فقط، وتبرئة السياسيين من المكونات الأخرى من الفساد. وهذا تحايل طائفي خطير يجب على جميع الوطنيين الشرفاء الانتباه إليه و مواجهته وفضحه وإجهاضه.(2)

    وفي هذا الخصوص أتفق كلياً مع الدكتور فخري مشكور في مقاله القيم، قال فيه: ((فالسياسيون في هذين الثلثين "الاكراد والمهمشون!" تآمروا ويتآمرون مع تركيا والخليج والاردن على دعم الارهاب وتمكين داعش وتمزيق العراق وسرقته وإضعاف جيشه واشغاله بالفتن الداخلية او بالانفصال والتمزيق. ان الفساد في العراق مثلث، اضلاعه الشيعة والسنة والاكراد، ولم يدّع الاكراد والسنة انهم متدينون، ولا رفعوا شعارات الدين والمرجعية، ولذا فان شعار (باسم الدين باكونا الحرامية) يزكّي الاكراد والمهمشين! ويدفع عنهم جرافة الاصلاح التي يراد لها ان تزحف على ثلث الفاسدين (الشيعة) دون الثلثين الآخرين (الاكراد والسنة)...ما دلالة هذه الانتقائية؟ هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا ؟). ويضيف الكاتب: (ان الفساد شمل كل محافظات العراق في الشمال والجنوب والوسط والغرب، لكن اللافت ان الذين خرجوا الى الشوارع للمطالبة بالاصلاح هم ابناء الوسط والجنوب فقط... هل يعني هذا ان المحافظات الشمالية او المحافظات الغربية خالية من الفساد؟ متى ستنطلق تظاهرات في المحافظات الكردية تهتف: "بالاقليم باكونا الحرامية؟" متى ستنطلق تظاهرات في المحافظات الغربية تهتف: "بالتهميش باكونا الحرامية؟")(3)

    خلاصة القول، إن الفساد متأصل في مفاصل الدولة العراقية، لا يقل خطورة عن الإرهاب. ومن حق الجماهير أن تنطلق بتظاهرات احتجاجية سلمية التي كفلها لهم الدستور. ولكن في نفس الوقت نحذر من محاولات قوى الظلام من فلول البعث الداعشي، وحلفائهم ،وبتخطيط دعم قوى خارجية معروفة في عدائها للعراق، اختراق هذه التظاهرات وحرفها عن مسارها الوطني وأغراضها المشروعة، و تجييرها لضرب العملية السياسية وإجهاض الديمقراطية. ففي مؤامرتهم يوم 8 شباط 1963 جاءت دبابات المتآمرين وهم يحملون صور الزعيم عبدالكريم قاسم ويهتفون (ماكو زعيم إلا كريم) لتسمح لهم الجماهير المؤيدة للزعيم بالتوجه نحو وزارة الدفاع وحمايته، وتبين أنهم كانوا من المتآمرين وقاموا بإسقاط أشرف نظام وطني عرفه العراق في تاريخه الحديث. فهؤلاء الأشرار يتمتعون بخبرات هائلة، ولهم القدرة على التلون والتلاعب بعقول الناس، فحذار من أحابيلهم الشريرة وحيلهم الشيطانية.
    29/8/2015
    abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
    http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
    ــــــــــــــــــ
    روابط ذات صلة
    1- سالم مشكور: إصلاح وليس تهديماً
    http://www.akhbaar.org/home/2015/8/197046.html
    2- مصادر: الدباس انفق 150 الف دولار على مندسين لحرف التظاهرات عن مسارها
    http://www.sumer.news/ar/news/1794/%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF

    3- د. فخري مشكور: من المسؤول عن الفساد ؟
    https://www.facebook.com/fa.ma.77985/posts/1001815633182708
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media