"المشاعر السلبية " .. وماذا يعني !
    الأحد 30 أغسطس / آب 2015 - 12:41
    زاهر الزبيدي
    من الطبيعي جداً أن يتصدر العراق قائمة أكثر "المشاعر السلبية" التي أصدرتها مؤسسة Gallup الأميركية ، الجمعة الماضي ، فمن بين 148 دولة في العالم كان العراق على قمة جدولها في تلك المشاعر فالخوف ،  الحسد ، الكراهية ،  الانتقام ،  الطمع ، التوهّم ، الحزن ، الاحباط ، الغضب ، القلق والأذى البدني ، كلها مشاعر تختلج قلوب جميع العراقيين على حد سواء .. فنحن لاسعيد لدينا ، ولنا اسبابنا بذلك لأننا لم نكن كذلك قبل عقود من الزمن ولكنها الاحداث دارت على العراقيين وأشعلت فيهم فتيل المشاعر السلبية والثورية في آن واحد وغيرت أحوالهم وغيرت مشاعرهم الى حد تلك القتامة السلوكية والعدوانية المؤلمة والحزن المستطير في نفوسهم.

    لقد تجلت مشاعرهم السلبية اليوم لتخرجهم من بيوتهم للتظاهر ضد كل العوامل المسببة لآلامهم المزمنة والصعبة الشفاء ، الارهاب، الفساد ، الوهم الذي أغرقو فيه منذ أكثر من عشرة اعوام ، ومن طبع قلوبهم على الانتقام حينما تقاتل السياسيون امامهم على منافعهم الشخصية .

    مشاعرهم سلبية لأنهم خائفون والخوف يغرق كل احلامهم بالحزن الشديد ويصير الى كراهية شديدة لمن وضع اليوم تحت مطرقة الموت تدك اجسادهم بكل الطرق ، الارهاب ،  المرض ، الفقر  ، وحتى الحوادث المرورية ، بكل الطرق جربوا الموت لماذا لا يخافون ، خطفوا وقتلو وغيبوا قسرياً وخطفت بناتهم وخسروا كل ممتلكاتهم لدفع الفدى وما حصلو عليه .. جثث مرمية في المزابل ، على الرغم من انها أهون من أن تدس بتراب لايعلم احد بمكانها .

    مشاعرهم سلبية وهو أهون انواع المشاعر التي يتمتع بها العراقيون ، فلو كانت هناك تسمية لمشاعر أكثر قسوة من السلبية لسمو بها فالذي يجري عليهم  وعلى أبنائهم اليوم بحاجة الى وقفه إنسانية عظيمة من كل القوى العالمية مهما كان نوعها للوقوف مع هذا الشعب وهو يصارع القوى التي تهدد كل العالم بل تهدد أكبر منابع الطاقة في العالم إذا عبروا ، لا سمح الله ، على جسده الشريف .

    خائفون .. نعم وبأشد انواع الخوف من مجهول يتربص بحياتهم وحياة عوائلهم لا يعلمون متى تتطاير اشلائهم بقذيفة أو حتى متى يسممهم الخردل إذاما وقع بيد الارهاب ، ونعتقد أن ما من عراقي اليوم ليس بخائف ، حتى المسؤول ممن لديه العشرات من الحماية المدججة بالسلاح هو خائف .

    ومحبطون .. محبطون أولئك الآلاف من خريجي الجامعات العراقية ، يقتلهم الاحباط بعدم حصولهم على فرص عمل وكأن الصيف والشتاء الذي مرّ عليهم خلال سنوات الدراسة وما تم إنفاقه من نقات دراسية مختلفة قد ذهب ادراج الريح ، ومع الظروف الاقتصادية الحالية والمؤشرات بعدم وجود درجات وظيفية للعام المقبل زاد إحباطهم وعظمت التعاسة لدى تلك الشريحة المثقفة .

    الكراهية ، موجودة لدى مايفوق الـ 30% من ابناء شعبنا ممن نابهم الفقر وقض مضاجع أرباب أسرهم بعدم إمكانيتهم الحصول على متطلبات الحياة التي تتعاظم كل يوم مع ارتفاع مؤشرات التضخم لدينا ، فالرواتب التي كانت تسمى رواتب ، لم تعد كذلك ولم تعد تكفي لتلبية مطالب الاسر الفقيرة .

    أما الأذى البدني فهذه هي الطامة الكبرى إزاء العمليات الإرهابية الكبيرة التي انتهجها الارهاب في بلادنا فما حدث في سوق جميلة وسوق خان بي سعد وماحدث في الهويدر وموجات النازحين من المدن التي سيطر عليها الارهاب وموجات شبابنا المهاجرون الذين يبحثون عن ملاذ آمن في غير وطنهم والسبايا من العراقيات اللواتي أغتصبن ومن قتل ومثل بجسده .. وغيرها تدل على عظم الأذى النفسي والبدني الذي يتعرض له الشعب العراقي .

    الدكتور توني بوكانان، الأستاذ المشارك في قسم علم النفس في جامعة سينت لويس، يرى أن بعض الناس يمكنهم (التقاط) مشاعر التوتر والإجهاد النفسي بصورة مباشرة ، بمجرد الجلوس ومشاهدة أشخاص آخرين يتعرضون لمواقف حقيقية تستدعي مثل هذه المشاعر الانفعالية النفسية العنيفة ، ونحن جميعاً نراقب أهلنا في المحافظات المغتصبة وقوائم الموت التي يعدها الارهاب لإعدام أهلنا في الموصل واختطافة للمئآت من أبناء الانبار وغيرها من الاخبار التي تزيد من إجهادنا النفسي وتشيع فيها مشاعر الغضب والكراهية وحب الانتقام من كل أولئك الذين اوصلونا الى ما نحن فيه اليوم .

    والأكثر من ذلك أن شعبنا فقد الاحساس بوجود من يدافع عن حقوقه ، فلا برلمان منتخب من قبلهم ولا مجالس محافظات ولا مجالس بلدية ولا مجالس محلية أستطاعت أن تحقق القفزة المنشودة في حياتهم .. وهو يشعر بفقدانه للقائد الذي يلمس جروحهم ومشاعرهم السلبية ليحولها الى أمل جديد ، ويخرج اليوم في تظاهرات ، لازالت في بدايتها ، ليصنع مستقبله بنفسه بعدما عجز الاخرون ، وليصنع السعادة لنفسة بعدما تبرأ منه الاخرون ، وأن يصنع المجد لذاته بعدما سلبها منه الاخرون ، وليعيد كرامته في الحياة بعدما حرمه منها الاخرون ، خرج كي يضع حداً نهائياً لـ "مشاعره السلبية " والى الأبد إن شاء الله . حفظ الله العراق .
     

    زاهر الزبيدي
    zzubaidi@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media