الإعلام عدوك - تقنية جديدة مدهشة للإعلام الإسرائيلي في العراق
    الأثنين 31 أغسطس / آب 2015 - 21:20
    صائب خليل
    لقد أجلت الكثير من المواد لفضح الإعلام الإسرائيلي الذي يملأ العراق، لكن المقالة التالية أدهشتني بمستوى تقنيتها المتطورة ونجاحها الباهر في اختراق جمهور غافل تماما عن القصد منها.

    كتب شخص في الفيسبوك باسم "وليد رحيم الناصري"، ويضع صورة عبد الكريم قاسم رمزاً له، مقالة تحت عنوان "هادي العامري والطائرة اللبنانيه”(1).

    من يقرأ العنوان يتوقع أنها محاولة جديدة للإستفادة من قصة الطائرة التي اثيرت حول إبن هادي العامري، للإساءة إليه وإلى الحشد، لكن المفاجأة أن الكاتب يقول بالعكس فيبدو مدافعاً عن العامري وبطولته ومفسراً قصة الطائرة بشكل مختلف تماماً فيقول:
    "..وهذا ليس السبب الحقيقي سوف اوضح لكم السبب الحقيقي الذي جعل هادي العامري يأمر بعودة الطائرة الى لبنان - ان هادي العامري له دور كبير في نجاح المقاومة الشيعية في سوريا ، وحماية ضريح السيدة زينب(ع) ، عندما كان وزير للنقل . كان هادي العامري ينقل مقاتلين حزب الله اللبناني من لبنان الى العراق ثم الى سوريا عن طريق المطارات والطيران العراقي. والسبب ان مقاتلين حزب الله اللبناني ﻻيستطيعوا اﻻنتقال من لبنان الى سوريا خوفاً من الرصد اﻻسرائيلي عبر اﻻقمار الصناعية والطائرات المسيرة . كشفت مصادر المخابرات الأمريكية واﻻسرائيلية ان عناصر حزب الله ينتقلون الى سوريا عبر المطارات العراقية. جائت أوامر الى لجان تفتيش الطائرات اﻻيرانية في مطار بغداد الدولي الى تفتيش الطائرة القادمة من لبنان والتحقيق في هويات الركاب وفي هذه اﻻثناء الطائرة كانت في طريقها الى بغداد . كشف هادي العامري هذه العملية واراد افشالها أمر بأرجاع الطائرة الى لبنان وادعى ان السبب عدم وجود احد ابنائه على متن الطائرة." ..
    وينهي الموقع بـ "وليد الناصري" مقالته بالقول: "وﻻزال هادي العامري يعمل على افشال المخططات الإسرائيلية واﻻمريكية واﻻقليمية .."

    ويمكننا ان نرى أن جميع المعلقين قد أثنوا على "وليد" وعلى البطل هادي العامري، ويبدو كل شيء طبيعي، حتى نلاحظ مايلي:

    1- أنه يسميها "المقاومة الشيعية" في سوريا... وهذه التسمية لا تستخدمها سوى الجهات التي تقف بالضد من الحشد وحزب الله، أما الحشد وحزب الله وهادي العامري فيطلقون عليها تسمية "مقاومة وطنية" تشمل الجميع وليس "شيعية" ضد سنية... الخ
    2- ليس صحيح أن إسرائيل تمكنت من عرقلة انتقال مقاتلي حزب الله إلى سوريا، بل لم تستطع منعه من نقل صواريخ متطورة عبر الحدود. كما أن الجهات التي قاتل فيها حزب الله أكثر من غيرها كانت الجهات الحدودية للبنان.
    3- يقول أن "هادي العامري" أرجع الطائرة وادعى أن السبب عدم وجود أحد أبنائه على متن الطائرة. وهذا ليس صحيح، فالذين اثاروا تلك القصة لم يدعوا أن من أرجع الطائرةهو العامري، بل قالوا أن ابنه اتصل بالمطار وطلب منهم ارجاع الطائرة. كذلك لم يكن هادي العامري من ادعى ان ابنه فعل ذلك، بل هو أنكر موضوع إبنه وقال إن تم إثبات أن السبب في عودة الطائرة هو اوامر من أبني فسأقدمه للمحاكمة.
    4- إن كان ركاب الطائرة من حزب الله حسب القصة، قد ركبوا كمواطنين عاديين بجوازات سفر اعتيادية وفيزة رسمية، فليس هناك أي سبب يدعوهم للعودة حتى إن تم تفتيشهم في مطار بغداد. وإن كانت المشكلة أنهم يحملون أسلحة مثلا، فكيف عبروا بها مطار بيروت؟ وتلك الأسلحة ليست مسدسات وسكاكين بالتأكيد. وكذلك هناك موظفي الخطوط الجوية اللبنانية المشرفين على أجهزة الكشف عند الصعود إلى الطائرة، ولم يكن هؤلاء من اعوان حزب الله. ولو أن الأمر حصل بالفعل، وكشفت إسرائيل ذلك فالأجدى بالعامري انزالهم في مطار بغداد حيث لديه سلطة قد تكفي لحمايتهم والتغطية عليهم، لا أن يعيدوهم إلى بيروت حيث قد يتم إسقاط طائرتهم أولا، وقد يتم تفتيشهم في المطار ثانيا.

    5- من أين لـ "وليد هادي الناصري" هذه القصة وكيف عرف بهذه التفاصيل لـ "يكشفها" دون غيره؟

    طبعا هو لم يدعي حتى أن "مصدراً" أبلغه، بل ترك الأمر معتمدا ان احداً لن يطرح الأسئلة. وكونه يكتب "المقاومة الشيعية" وهي العبارة التي يرددها الأمريكان والإسرائيليين ومن يقبل خطابهم من السنة، إضافة إلى علامات الإستفهام هذه دفعتني أن أعود إلى صفحته في الفيسبوك لأرى ما يكتب هذا "الرجل".

    وبالفعل وجدت تحريضاً طائفياً مدسوساً، يتظاهر بالحرص على الشيعة ويحفزهم للإنتقام لشهداء سبايكر... ممن؟ في موقف آخر يكتب أنه يعني السنة وليس داعش ويبرر ذلك بأن الشيخ السعدي قال بأن ليس هناك داعش، هناك سنة.. وبالتالي فأن الإنتقام الشيعي يجب أن يوجه إلى السنة!

    نعود إلى قصة الطائرة ولنلاحظ العبقرية غير الإعتيادية فيها، حيث يبدو أن القصة في ظاهرها تدافع عن هادي العامري وعن الشيعة، لكنها في الحقيقة كذبة صممت للإساءة إلى هادي العامري وحزب الله في النهاية!
    لماذا؟ لنلاحظ أن في القصة جانبان: الجانب الظاهر والذي يتلخص بالحديث عن بطولة هادي العامري،
    وهذا لن يكون له أي تأثير لا على الشيعة (ومؤيدي الحشد) فهم يعتبرون هادي العامري بطلا ومقاتلا ولا يضيف له شيء في حقيقة الامر أن يقوم بمثل هذه العملية.
    كذلك فأنه لا يغير رأي السنة من القلقين من سلطة الحشد، فلن تعني هذه البطولة شيئا بالنسبة لهم.

    أما الجزء الثاني من القصة، أوالجانب الضمني، فهو أن العامري يستغل سلطاته ليتآمر مع حزب الله خارج مصالح العراق، ولأهداف تتعلق بالشيعة ومقدساتهم! وهذا الجانب الخفي هو المقصود الوحيد من القصة في حقيقة الأمر، ومن المحتمل ان القصد منه أن يستخدم ضد هادي العامري مستقبلا! هذا الجزء يعطي السنة المعارضين وكذلك عملاء إسرائيل في الإعلام فرصة كبيرة لمهاجمة العامري والمطالبة بمحاسبته، كما لن يتمكن الشيعة من تكذيب الخبر، فقد قبلوا القصة ولم يعد باستطاعتهم رفضها.

    هكذا تقدم هذه المقالة، قصة مناسبة لكل طائفة، فهي تسعد الشيعة ببطلهم ، وتمنح السنة فرصة لمهاجمة العامري لاحقاً. وهي بالتالي تجسيد ممتاز للمثل: "دس السم في العسل"، ونموذج رائع للتكنيك الإعلامي الذي تحدثت عنه سابقاً في مقالتي " كيف تصمم "قصة شيعية" و "قصة سنية" لكل موضوع ؟"(2)
    وهنا رغم أن لدينا قصة واحدة، لكنها مصممة لتفهم بشكلين مختلفين بين السنة والشيعة، فهي قصة بطولة لأحدهما وقصة اعتداء على سيادة البلاد بالنسبة للطرف الآخر، وهكذا تسهم هذه القصة في تثبيت وزيادة الشق الطائفي بين الطرفين. ولأن القصة تسعد كل من الطرفين على حده، فإن المكاتب التي صممت تلك القصة لم تكن تخشى الإنتباه إلى الثغرات التي تفضح كذبها. فالشيعة لن يبحثوا في مصداقيتها ما دامت تؤكد بطولة العامري، والسنة لن يبحثوا في مصداقيتها مادامت تعطيهم الحجة لإثبات مخاوفهم من تبعية شيعة العراق لأجندات خارجية. وحتى لو فرضنا أن البعض انتبه لبعض الخلل فيها، فهي "كذبة لذيذة" بالنسبة لكل من الطرفين المتأثرين بالمشاعر الطائفية، ولن يكتب عنها أي طائفي من اي من الطرفين. إنها تقنية شيطانية حقاً!

    عندما أكتب "الإعلام عدوك" بهذا الشمول، فلأن نسبة الإعلام المعادي للشعب في العراق في تقديري تزيد على 95% (تقدير متحفظ أن تجد قناة صغيرة واحدة مخلصة مقابل ما يعادل عشرين بحجمها من المدسوسة). وبالنسبة لي فإن الخبر كاذب حتى تثبت صحته والمقالة المكتوبة من شخص غير معروف لي، ولا يمكن التحقق من شخصيته أو كتاباته السابقة، مدسوسة أو موهومة بمفاهيم مدسوسة، حتى يثبت العكس ! إنها ليست حالة مريحة، لكن لا حرب مريحة، حتى الإعلامية منها.

    ختاماً لا بد لي أن اعترف أني ما ازال مندهشاً لروعة التقنية الإعلامية والتصميم المدهش لهذه القصة، واقر بأني لم أر قصة على مدى عشرين سنة لمراقبتي للإعلام ومراوغاته في خارج العراق وفي العراق، بهذه الدقة وهذه القدرة على اختراق العقول وتثبيت ما تريد ودون أن تثير أية شكوك!
    إنني واثق أن الزمن سيكشف ان تجربة الإعلام الأمريكي الإسرائيلي في العراق والهادفة لتحطيمه، هي من أرقى التجارب العلمية الإعلامية واكثرها تطورا في تضليل وتحطيم الشعوب، ولا شك أن ما تساعدنا الصدفة على كشفه ليس سوى حبة رمل في جبل من الخدع، اما الباقي فيجد طريقه إلى رؤوسنا ويحققنا بفايروسات الهلوسة والحقائق المقلوبة والأوهام المجسمة، ودون أن نحس بأي شيء!

    إن "وليد رحيم الناصري" الذي يرفع صورة عبد الكريم قاسم ويتظاهر بالدفاع عن الشيعة وعن هادي العامري بحماس زائد، لم يكن يهدف كما فسرنا، إلا إلى الإضرار بالشيعة والإيقاع بهادي العامري! ولا شك أن هناك المئات من أمثال وليد الناصري، وعلى الطرفين الشيعي والسني، فانتبهوا أيها الأعزاء ممن يكون خطابه "لذيذا" ومدغدغاً لمشاعركم ومؤكداً لتصوراتكم الطائفية...فكثرما يكون العكس هو القصد! ... أنتبهوا من أجل الوطن ومن اجل أبنائكم.

    (1) وليد رحيم الناصري: "هادي العامري والطائرة اللبنانيه”
    https://www.facebook.com/photo.php?fbid=351787051693512&set=a.264465613758990.1073741853.100005866591503&type=1
    (2) صائب خليل - كيف تصمم "قصة شيعية" و "قصة سنية" لكل موضوع ؟
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/678226582234414
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media