لَوْ أَنَّهُم -1-
    الثلاثاء 1 سبتمبر / أيلول 2015 - 05:16
    نزار حيدر
       أقصد [الّذين استخلفهم الله تعالى في السّلطة بعد هلاك الطّاغية الذّليل صدام حسين ونظامه البوليسي الاستبدادي] انجزوا خلال الفترة المنصرمة واحداً من الأهداف الأربعة التي حدّدها الامام أمير المؤمنين (ع) للحاكم، أَيّ حاكم، في عهده الى مالك الأشتر عندما ولّاه مصر، لما شهِدنا اليوم كلّ هذا الذي يجري في العراق الجديد، من انهيارات أمنيّة وسياسيّةٍ واقتصاديّة واجتماعيّة واخلاقيّة وكلّ شيء، للاسف الشّديد.
       يَقُولُ أمير المؤمنين (ع) في عهدهِ المشار اليه؛
    بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

    هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاَْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبْوةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا.
       لقد حدّد الامام في هذا النص أربعُ مهامٍّ للسلطة، اذا نجحت في إنجازها فستستقر وتستقر معها البلاد والمجتمع، اما اذا فشلت في الانجازِ لأيّ سببٍ كان فلن تستقر ولن تستقر معها البلاد ولا المجتمع، والمهام الأربع هي؛
       الاقتصاد
       الأمن
       العدالة الاجتماعية
       الإعمار والبناء
       وهذه المهام والمسؤوليات لا تخصّ سلطة دون أخرى، أكانت (دينية) أم مدنية أم عسكرية، يمينية أم يساريّة، جمهورية أم ملكية، سلطة عمائم أم سلطة افندية، لا علاقة لها بكلّ هذا، فالسلطة جهدٌ انساني لإدارة البلاد على أحسن وجه وحمايتها وحماية المجتمع من الاخطار بكلّ اشكالها.
       فلماذا فشل الخلف ولم ينجز شيئاً من مقومات السلطة وأهدافها ومهامها ومسؤولياتها؟.
       لا شكّ ان هناك العديد من الأسباب التي انتجت كلّ هذا الفشل الذريع الذي مُني به العراق بسبب الطّبقة السياسيّة الحاكمة، الا انني اعتقد ان اهم هذه الأسباب هي ما يلي؛
       اولاً؛ تمحور كل شيء حول مفهوم السلطة والنظام بعد ان غاب مفهوم الدولة كلياً.
       فلقد لخّص هؤلاء كلّ شيء بالسّلطة، فهي المائز بين الحق والباطل، وبين الانتماء الوطني من عدمه، وبين النجاح والفشل، وبين النّور والظّلمة، وبين الطّهارة والنّجاسة، حتى تحوّلت الى هوس او ما يسمّيه البعض بمرض السّلطة، ولذلك رأينا ان َّمن يسبح معهم في هذا النهر يحصل على كلّ شيء ومن يأنف ذلك لا يحصل على ايّ شيء!.
       حتى ابسط حقوقه الوطنيّة لا يحصل على شيء منها!.
       انّ مرض السّلطة هو الذي دفع بهم الى تبني شعارات طالما سمعناها من النظام السّلطوي البائد من قبيل (بعد ما ننطيها) وكأنّ البلد ملكٌ لمن يصل الى السّلطة.
       ومن خلال اعادة قراءة عاجلة لكلّ التشريعات والقوانين التي صدرت لحدّ الان من مجلس النواب، فيما يخصّ مؤسسات الدولة، فسنلحظ انها مفصّلة بشكلٍ دقيقٍ على هذه الزّمرة من السياسيّين الذين ظلوا يتبادلون المواقع والمناصب فيما بينهم، ولذلك لا يفلت من هذه التشريعات شيءٌ لغيرهم ابداً، فكلها تبدأ منهم وتنتهي اليهم، ولعلّ في قانون الاحزاب البائس الذي شرّعه مجلس النواب في الاسبوع الماضي خير نموذجٍ على ما اذهب اليه.
       منذ (١٣) عامٍ وهم يفصّلون البلد على مقاساتهم، كما لو ان أحداً أعطى خياطاً قطعة قماشٍ وطلب منه ان يفصّلها بدلةً على مقاسه حصرياً، وليس على مقاس أخيه مثلاً!.
       ثانياً؛ ولانّهم مَحْوَروا كلّ شيء في العراق واختزلوه في مفهوم السّلطة، لذلك انشغلوا بكلّ ما يساعدهم على البقاء في السلطة، حتى اذا جاء ذلك على حساب الوطن والمجتمع ومستقبل الأجيال، فما يرونه عاملاً مساعداً في تكريس سلطتهم لن يتردّدوا في امتطائِهِ مهما كان الثمن.
       انّهم انشغلوا بالسّلطة بعد ان وجدوا انفسهم وشخصيّتهم ووجودهم ومستقبلهم وسمعتهم بها حصراً! فانشغلوا بها عن إنجاز مهامّها وأهدافها ومسؤوليّاتها! اذا بهم يوظّفون كلّ شيء من اجل البقاء في السّلطة والتّشبث بها!.
       فعندما وجدوا ان التّمترس خلف هذه الدولة الجارة او تلك يُضيف لهم نقاط قوة تمكّنهم من ليِّ ذراع خصومهم في العمليّة السّياسيّة، لم يتردّد أحدهم في الارتماء بحضن ايِّ واحِدَةٍ منها، كما يفعل اليوم أحدهم ليستقوي بها على الشّارع الغاضب والخطاب المرجعي ومشروع الاصلاح الحكومي، وكلُّ ذلك هرباً من استحقاقٍ قضائي يجب ان يدفع ثمنه مهما كان الامر.
       وعندما وجدوا انّ الدّين والمذهب والتاريخ ورموزه الطاهرة أدوات يمكنهم ان يتمترسوا خلفها لخداع الشّارع وتأمين سلطتهم، تراكظوا نحوها ليشقّوا الصفوف ويقفوا في المقدمة، حتّى انّ احدهم أسّس بالمال العام أحد أكبر المواكب الحسينية في الاربعين أسماه ( موكب مُختار العصر) ملأت صورهُ العملاقة مدينة الحسين (ع) ايّام الاربعين، كما حملت نصوص زيارة الاربعين صورهُ الملوّنة لتصل الى يد كلّ زائرٍ وزائرةٍ!.
       وعندما وجدوا ان الارهاب افضل اداة يمكن تسخيرها في السّياسة لفرضِ أجنداتهم على الاخرين، لم يتردّدوا ابداً في ان يضعوا ايديهم بأيدي الجماعات الإرهابية ويتعاونوا معهم ويهيئوا لهم الحواضن اللازمة في محافظاتهم ومدنهم ليحتلّها الارهابيون، فتبدأ عملّية الابتزاز السّياسي المتبادل، وشعارهم [نار الارهابيين ولا جنة الصفويين] وانّ بعضهم اهدى بنات عمّه للارهابيين ليمارسوا معهم (جهاد النِّكَاح) كدليلٍ على الطّاعة والوفاء وصدق البيعة والاخلاصِ لهم، كما صرّح بذلك وزير الدفاع الأسبق، وهو سنّي من محافظة الأنبار!.
       وعندما رأَوا انّ ما تقدّمه الاسرة والعشيرة لهم لتثبيت سلطتهم أكثر بكثير ممّا يمكن ان يقدّمهُ الحزب او الكتلة او التّاريخ النضالي، بادروا فوراً الى احتضان ذوي القربى ودعموهم بكلّ الأسباب الموجبة الى (خلقهم من العدَم) ليتبوأوا المواقع والمناصب بالقرب منهم كأسبابٍ موجبةٍ لدعم سلطتهم.
       وللآن تقف امامي الصّورة العملاقة لذاك الّذي خاضَ الانتخابات النّيابية الاخيرة في محافظة كربلاء المقدسة وقد كتب عليها، كتعريفٍ عن شخصيّتهِ الوطنيةّ العظيمة وخبرتهِ التاريخية الموغِلة في القِدم وشهادته العلميّة العملاقة [إِبن أُخت دولة رئيس الوزراء] والآخر الذي كتبَ على صورته العملاقة [زوج بِنت دولة رئيس الوزراء]!.
       ثمّ يقولون لماذا يتظاهر الشّارع ضدّنا؟ أولسنا حماة الدّين والمذهب؟ أوليست جباهنا سوداً من كثرة السّجود؟ أولسنا بقيّة السّيف لقافلة الشّهداء؟ أولسنا بقايا تجربة الاحزاب الدّينية التي تأسست ونمت وترعرعت في حضن المرجعية الدينية والحوزة العلمية؟! أولسنا الممثل الشرعي الوحيد لقوى المقاومة والممانعة؟!.
       لماذا يتظاهر ضدنا الشارع؟!.
       الا يعني ذلك انّهم ينّفذون مؤامرة (صهيو ــ أميركيّة) لإسقاط تجربة الحكم الدّيني؟!.
       تبا لكم!.
       ما أوقَحَكُم!.
       ما أجرأكم على الله تعالى!.
       ويزعل البعض ويغضب لانّ المتظاهرين رفعوا شعار [بسم الدّين باگونا الحراميّة] لماذا؟.
       إِثبتوا لنا أنّ اللّصوص لم يوظفوا الدين والمذهب!.
       وأنهم ليسوا تجار دين ومذهب!.
       ثمّ؛ اين الإثارة غير الصحيحة في الشّعار؟!.
       ألم يُقتل الحسين (ع) سِبْط رسول الله (ص) بإِسم الدّين؟.
       الم ينزو يزيد الخمّار قاتل النّفس المحترمة على منبر رسول الله (ص) باسم الدين؟!.
       المْ يُغتصب حقّ الزّهراء البتول (ع) باسم الدين شرعنوه بحديثٍ مختلقٍ عن رسول الله (ص)؟!.
       أَلمْ يذبحنا الارهابيون اليوم بإِسم الدين وبفتاوى يسمّونها دينيّة؟!.
       وهؤلاء اللّصوص كذلك سرقوا الوطن بإِسم الدين والمذهب؟! فلماذا الزّعل؟!.
       يتبع

        ٣١ آب ٢٠١٥
                        للتواصل؛
    E-mail: nhaidar@hotmail. com
    Face Book: Nazar Haidar
    WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
    (804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media