جسر على اليابسة
    الأربعاء 2 سبتمبر / أيلول 2015 - 17:32
    مجيد الكعبي
         هذه المدينة -تلك التي هناك- لم تنسها الشمس منذ أن وجدت, فشاعت سمرة بين الناس وجذوع نخيلها. وعرف أهلها بالهدوء
        الدائم التكرار, والبطء في الحديث الذي لا يكثرون منه…وان أكثروا فهم لا يثرثرون.
        منهم و فيهم كان لي -أن وجدوا ألآن- أصدقاء كثيرون , وكاظم أحدهم. لا يختلف عن أهل المدينة بشئ سوى أنه أكثر سمرة, فسهل علي رؤيته من بعد.
        لا أدري لم كنت أناديه باسمه واسم أبيه معا! وما لبث أن أبدى امتعاضه من ذلك بعد حين. لكنني شرحت له بانني حفظته هكذا. أو أناديه الكاظم فقبل التسمية الأولى مستاء, ثم قهقه قهقهته المعروفة بيننا, بعد أن أعيد عليه ,في كل مرة, بانه يحبس
        غيظه , ويمسك على ما في نفسه منه, لذلك سمي بهذا الاسم…
        عرفت كاظما قليل الكلام ,قليل القراءة ,غير أنه كثير الأسئلة عن كل شيء, ولا ينسى ما يسمعه, وهو طيب جدا وملحاح…
        في جلساتنا الطويلة أسأله بين الفينة والأخرى:
        -هل أنت متضايق؟
        فيجيبني:
        -لا, بالعكس مرتاح.
        ومرتاح واحدة من ثلاث كلمات  يستهلكها دائما, وهي: أحسن ,أتعس ومرتاح.
        لم ألتقه خلال بضعة أيام ,آنذاك, فأوصى علي أصدقاءنا المشتركين بانه " لابد أن يلتقني”, ومن بعيد وقبل أن أصل إليه قهقه
        وبادرني:
        -كيف صار ذلك؟
        -وما ذلك , يا كاظم؟
        -الجسر…
        رويت له تلك المفارقة المجنونة ألتي "أنجزها” أولئك الفاشيون الوحشيون, حيث بنوا جسرا متحركا على أرض  منبسطة
         في مدينتنا … وقلت له:
        -إن جنون هؤلاء الفاشيين لمخيف , وأظنه سيأتي على كل شيء.
        سألني:
        -ماذا يريد هؤلاء أن يفعلوا؟!
        -إنهم لا يفعلون شيئا, لأنهم لا يعرفون ما يريدون. لقد جئ بهم لنفينا فحسب, وإذا تم ذلك فستبدأ الكارثة.
        هكذا أجبته , وران عليه صمت طفا على وجهه الجنوبي الوديع…عقب بده:
        -أي ناس هؤلاء!
        أردفت قائلا:
        -إنهم ليسوا ناسا, بل فاشيون ووحشيون. لقد قلت لك ذلك مرارا.
        ومرت أيام لم أر فيها كاظما, ولا بعض الأصدقاء , وتبعثرت تلك اللقاءات , ثم ذهبت , ولم نعد نلتقي… لكننا نسمع أخبار
        بعضنا بعضا.
        ربما قضموا كاظما أو وجوده…

        مجيد ألكعبي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media