القضية الكوردستانية في ظل الظروف الإقليمية
    الجمعة 4 سبتمبر / أيلول 2015 - 21:42
    د. مهدي كاكه يي
    من البديهي أن جميع الدول المُغتصِبة لكوردستان لا تعترف بِحق شعب كوردستان في التحرر والإستقلال، بل يكاد جميعها لا تعترف بِكون الكوردستانيين شعب يعيش على أرضه التاريخية، له هوية وثقافة خاصة، وإنما تعتبرهم مهاجرين، كما هو الحال في سوريا، أو هم أجزاء من الشعب التركي والإيراني والعراقي في تركيا وإيران والعراق على التوالي. الدول الإقليمية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط تقف أيضاً بشكلٍ عام ضد حق شعب كوردستان في التحرر وإستقلال بلاده، إلا أن مواقف هذه الدول أقل شدةً بكثير من مواقف الدول المُغتصِبة لكوردستان، حيث أن إستقلال كوردستان لا يهدد أمنها القومي بشكلٍ مباشر، كما هي الحالة بالنسبة للدول المُغتصِبة. تُستثنى دولة إسرائيل من هذه الدول، حيث أنها الدولة الوحيدة التي تؤيد بشكلٍ علني حق شعب كوردستان في تحرير بلاده وتأسيس دولة مستقلة.

    صحيحٌ أن جميع الدول المُغتصِبة لكوردستان تحاول بكلّ ما بِوسعها منع تحرر كوردستان، بل تحاول هذه الدول جاهِدةً من أجل القضاء على الوجود الكوردستاني من خلال الإبادات الجماعية والتهجير والتعريب والتتريك والتفريس وإلغاء الهوية والثقافة واللغة الكوردية وتشويه وتحوير وحجب وإنكار وسرقة التاريخ والتراث الكوردي، إلا أن تحقيق هدفها في صهر الأمة الكوردية والقضاء على هويتها باء بالفشل نتيجة النضال الكوردستاني المتواصل والتضحيات العظيمة التي قدمها شعب كوردستان في سبيل الإحتفاظ بِهويته وتراثه و من أجل حريته وإستقلال بلاده. كما أنّ مدى قُدرة الدول المُغتصِبة لكوردستان على عرقلة تحرر كوردستان، يعتمد على مكامن قوة وضعف هذه الدول والمقاومة التي تتلقاها من الشعب الكوردستاني، بالإضافة الى العوامل الدولية، حيث أن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة إستراتيجية وهي مصدر مُهم للطاقة وأنها تُشكّل سوقاً كبيرة رائجة لمنتوجات الدول الصناعية ولذلك فأنّ أي تطور وتغيير سياسي وإقتصادي وعسكري في المنطقة، يؤثر على مصالح الدول الكبرى ولهذا السبب فأنّ هذه الدول معنية بالقضية الكوردستانية التي تُشكّل إحدى القضايا الهامة في المنطقة الى جانب القضايا الأخرى. كما أنّ المحاولات القائمة لِحُرمان الشعب الكوردستاني من حقه في الحرية والإستقلال من قِبل كل دولة مُغتصِبة لكوردستان، تُجابَه بالرفض من قِبل الدول المُغتصِبة الأخرى والدول الأخرى في المنطقة في حالة تسّبب هذه المحاولات في الإختلال بتوازن القوى لِصالح هذه الدولة المُغتصِبة، حيث أن دول المنطقة في تنافس على الثروة والنفوذ والحفاظ على مصالحها وأمنها القومي.

    تحلم تركيا بِحُرمان شعب كوردستان من حقه في تقرير المصير، بل تذهب بعيدةً، فتحلم بإحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية، حيث أنها تطمح الى تحقيق أهداف تفوق قدرتها وإمكانياتها. الإنتفاضة الكوردستانية القائمة في شمال كوردستان وعدم الإستقرار السياسي في تركيا والإقتصاد التركي الضعيف في عالمٍ يعاني من الركود الإقتصادي وتضارب المصالح الإسرائيلية والغربية مع المصالح التركية فيما يخص القضية الكوردستانية و الصراع على النفوذ في سوريا بين تركيا وإيران، حيث تساند إيران النظام السوري، بينما تدعم تركيا القوى الإرهابية الإسلامية وتقف ضد كل من الشعب الكوردستاني في الإقليم الغربي والنظام السوري، كلها يجعل من المستبعد أن تستطيع تركيا القيام بغزو عسكري لإقليم غرب كوردستان، إلا أنها ستستمر في دعم إرهابيي داعش والنصرة والأطراف العربية العنصرية وحثها لمحاربة القوات الكوردستانية في هذا الإقليم. كما تحاول تركيا خلق حرب كوردستانية داخلية بين الأطراف السياسية فيه لإضعاف القوات الكوردستانية وتمكين القوات الإسلامية الإرهابية والعربية السورية العنصرية وكذلك التركمان بالإستيلاء على الإقليم وإنهاء السلطة الكوردستانية فيه. كما تقوم تركيا والدول الأخرى التي تغتصب كوردستان في تشجيع هجرة الشباب الكوردستاني من الإقليم الى الدول الأخرى، وخاصةً الى الدول الأوروبية لتقليل نفوس الكورد فيه وإضعاف الإقليم، حيث أن الشباب هم مصدر قوة الإقليم عسكرياً وإقتصادياً وذلك ليصبح الكورد أقلية في وطنهم والقضاء على الطموح الكوردستاني في التحرر.

    قد تدعم إيران السلطة الكوردستانية في غرب كوردستان لتحجيم زيادة النفوذ التركي في كل من سوريا ومنطقة الشرق الأوسط والتصدي للقوى الإرهابية والعربية السورية المناهضة للنظام السوري للحفاظ على إستمرار هذا النظام الحليف لها، إلا أن هذا الدعم يكون محدوداً، بحيث لا يقود الى إستقلال الإقليم أو تقويته التي يُشكّل تهديداً لنظام بشار الأسد.

    النظام السوري يعاني من الحرب الأهلية المندلعة في سوريا، حيث تُشكّل القوى الإسلامية الإرهابية والمعارضة العربية السورية التهديد الرئيس له، لذلك فأن أولوية النظام هي محاربة هذه الأطراف وأن تجعل الطرف الكوردستاني محايداً في هذه الحرب أو طرفاً ضد القوى المُناهضة له، لتخفيف الضغط العسكري عليه. إذا قُدّر للنظام أن يعيش بعد إنتهاء الحرب الأهلية وإستعادة قوته وهذا مُستبعَد، فأنه سينفرد بالكوردستانيين ويحاول القضاء على سلطتهم ووضعهم تحت الحكم السوري من جديد. في حالة تسلّم الحكم في سوريا من قِبل الإسلاميين والعروبيين، فأن موقفهم من القضية الكوردستانية سيكون أسوء بكثير من موقف النظام السوري.

    إسرائيل هي الحليفة الطبيعية لشعب كوردستان بسبب تلاقي مصالح الجانبَين، حيث أن الدول المُغتصِبة لكوردستان هي دول مُناهضة لإسرائيل وأن بِتحالف الشعبَين الكوردستاني والإسرائيلي وعند إستقلال كوردستان، سيتغير ميزان القوى في المنطقة وستكون دولتا إسرائيل وكوردستان نواةً لنظام ديمقراطي وبداية  النهاية لثقافة العنف والإرهاب والكراهية في منطقة الشرق الأوسط. كما أنه بِتحرير المناطق الكوردستانية في غرب كوردستان والممتدة الى البحر الأبيض المتوسط، تصبح كوردستان وإسرائيل جارتَين عن طريق البحر وبذلك يتخلص شعب كوردستان من الحصار المفروض عليه من قِبل مُغتصِبي كوردستان ويصبح لها منفذاً بحرياً يربطها بالعالم الخارجي. عليه فأن من المصلحة الوطنية الكوردستانية أن تتحالف القيادات السياسية في غرب كوردستان مع إسرائيل لصيانة المصالح المشتركة بين الشعبَين وأنّه بإستطاعة إسرائيل المساهمة في الحفاظ على المنفذ البحري الكوردستاني في البداية الى أن يصبح إقليم غرب كوردستان قادراً على حمايته. كما ينبغي الإشارة الى النفوذ ألإسرائيلي الكبير في الدول الغربية، وخاصةً في الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن الإستفادة من هذا النفوذ لِكسب الدول الغربية في دعم إستقلال كوردستان.

    بالنسبة الى الدول الإقليمية الأخرى، مثل السعودية والأردن ومصر، فأن هذه الدول تقف مبدئياً ضد إستقلال كوردستان من مُنطلق عروبي بأن إستقلال كوردستان يعني "تقسيم" كل من سوريا والعراق اللتين تحت الحكم العربي، إلا أن هذه المسألة لا تأتي ضمن أولويات هذه الدول، حيث أن هذه الدول تواجه تحديات الإرهاب والمشاكل الداخلية والتهديد الإيراني. 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media