قراءة في تطورات القضيةالسورية
    الجمعة 4 سبتمبر / أيلول 2015 - 21:58
    راغب الركابي
    ليس من شك إن ما تثيره القضية السورية  اليوم في العالم من تداعيات وأحداث  ،  يجعلنا  نطالب منذ البدء بفك الإرتباط بين العرب والقضية السورية،  بلحاظ ما نشاهده من هذا الطوفان من البشر المهاجر  العابر للقارات  والذي يتلقفه  ذلك  الموت الزوؤام    ،  إن شعب سوريا الرائع والنبيل يتعرض لتدمير ممنهج يشارك الجميع به من غير ان يحرك له ساكنا  ،  وعلينا جميعاً أفراداً ومنظمات دولاً ومؤوسسات أن تحاسب أنفسها أولاً  ،  ثم تلقي باللوم على غيرها فالمأساة التي صنعناها جميعاً لم يحصل الشعب السوري على شيء منها غير التدمير والتخريب والموت والتقطيع   .
    إن قضية سوريا  هي من  أخطر المشاكل التي تواجه العالم   كل العالم   ، والجميع قد شارك   فيها   و قد  طبل وزمر ونبح كلاً من موقعه  كي تتقد نار الفتنة وتحرق  من أمامها كل شيء حسن وجميل ونظيف  في تلك الدولة المسكينة   ، والعالم هذا المنافق  يتفرج و يراوغ ويمد هذا العنف  بأسباب الدوام والإستمرار ،  هذا الإرهاب الذي جاء من بعيد جعل من إمكانية الحل أو معالجة المشكلة  بعيد المنال  ودعاته ليسوا نزهاء ولا شرفاء إنهم بعيدون عن  الحق  و الصواب  ، وبعيدون عن الموضوعية وهنا  نشير  من غير تردد لبعض الدول العربية النفطية -  المترفة    -   فيما تفعله وفيما تقوم به  ،  من تمويه  وتدليس إزاء كل حل  ممكن ،  بل وتغذي  روح العدواة والبغضاء  وهي تناصر  وتدعم  تلك العقليات والتوجهات الإرهابية الشديدة الظلام والتهالك  ،  مستفيدة   بما  لديها من مال  في التضليل والإغراء لا يقيدها شرف ولا يردعها وازع  ولا ضمير  ،  وهذا التضليل والتزييف  كان من الخطورة بمكان  بحيث عقد  المشكلة وجعلها مستعصية  خاصةً  في قدرتها  على إنتاج  العدوان   ودواعيه وكذا تسويف كل معالجة وطنية   خالصة   بروح من التسامح والنظر  بعين الأمل  إلى المستقبل والعيش المشترك  ، إن إنغماس بعض العرب بهذا العفن  يجعلنا نسيء الظن  في قصد الكثيرين  منهم  ومن طرق معالجتهم وسلوكهم والترويج له.
    إن العقلية السيئة  لبعض العرب حولت المشكلة من قضية سياسية إلى قضية ثأر   وإنتقام   وفوضى  ،  دافعة  ومستفيدة من بعض الجو ومن بعض وجهات النظر العاطفية ومن بعض فتاوى وأحاديث المعتوهين من رجال الدين الخرفين والمتخلفين ،  إننا  نجد في  هذا  السلوم  من البعض تشجيع   و مساهمة في إدامة التخريب والدمار والموت بين أبناء الشعب الواحد ، وإننا نرى إن مشاركة بعض الدول العربية في هذا التخريب ماهو إلاّ صورة من صور الغدر والخيانة   ،  وإن  ما  نسمعه من كلام وعهود وإدعاءات وتذرع بمبادئ الشريعة والتسامح والوحدة العربية والإسلامية  فهي للإستهلاك والدعاية والتضليل  ، ونحن نقرء تطورات القضية السورية فالواجب يدعونا  لتسليط الضوء على تلك الممارسات وفضح تلك النوايا التي تخرب ولا تبني وتعتاش على جراحات الغير وألآمهم  ، ولذلك ندعوا للحذر من هذه الخدع والالاعيب الماكرة  .
    إن شعب سوريا لم يذق من طعم هذا الكلام   العربي  غير الوعود الكاذبة والتزييف  ،  فالدول العربية  جميعاً  لا تغير في مسار الأحداث ولن تستطيع ولن تقدر ،  إنما هي تنفذ  ما يُطلب منها  وتنفذ ذلك بحماقة ولؤم ضد بعضها البعض  الأخر ، لهذا يقتضي الإرتياب والخوف على المستقبل  السوري من هذا الإتجاه  الذي يضيع بين البحار ودول اللجوء  ،  كما إن الوقوف موقف المتشائم المرتاب أو المتشائم البائس الذي لا يرى  من حوله إلا المؤامرات ولا يبصر أمامه   ،  إلا تكتل قوى باغية طاغية لا قبل له بدفعها  ،   هذا الموقف المتشائم  لا ندعوا له ولا نؤيده لأنه يتعارض مع موقفنا الأخلاقي والقيمي ً  الذي هو دائماً مع  حرية الشعوب وضمان إستقلالها وكرامتها وأمنها ،  وهذه الحقوق  تكسب بالعمل السياسي وبالحوار وليس بالكيد والعدوان والحرب  والقتال بين أبناء الشعب الواحد  ،  والشعب السوري   هو شعب حي بل هو أنضج الشعوب العربية وأقربها للمنطق وهذا يلزمه ان لا يكون ألعوبة بين يدي غيره كائنا من يكون هذا الغير .
    إن من لم تهزه المشاعر والقلق على الكيفية التي وجد بها الطفل السوري -  إيلان -  على شواطئ البحر هو إنسان بلا ضمير ولا شرف ، ومن هذا المنطلق نجد إن القضية السورية ذهبت بعيداً عما كان يجب ان تكون ، فتلاشى ذلك المعنى عن الحرية وعن العدالة وإندست بين صفوف الناس منظمات إرهابية مجرمة كل ما تملكه هو القتل والتخريب  ،  وعلى الشعب السوري  تعريتها وطردها  وإيجاد نقاط الإلتقاء والتوافق فليس كل ما يُطلب يُنال ،  ولا نظنن بالغير أو من خلاله  الحل ولا نسرف في الإطمئنان والتفاؤل  بهذا الغير ،  فنضيع  ما تبقى من وطن جعلته  عقلية الحقد  ويده اطلال بعدما كانت حواضره شاهده وجميلة  ،  ولا يجب على الشعب السوري الإعتماد على تصريحات وخطب الزعماء  العرب ، فهؤلاء جميعاً مخادعون ولصوص نعرفهم ونعرف أمكانياتهم ووسائل عملهم   ، وهم دائما   يتملصون  من المسؤولية ومن التصريحات بل ويناقضونها في أفعالهم  ، إن الخطر الذي يهدد سوريا كبير وكبير جداً وهنا أخاطب أخواني من الشعب السوري مسؤولين وقيادات  فالخطر محدقاً بهم ، ولا يجب إرجاء الحل السلمي ظناً بما عند الأغيار من حلول ونعلل النفس بالوهم أو ننتظر المعجزة   على أيديهم  والتي لا نرى دليلاً واحداً ينبئ بظهورها  ، ولا يجب أن نضحي  بالمنطق والعقل والحوار الوطني  على حساب الوعود الكاذبة والخداع والتضليل والدجل  ، إن هذه المرحلة تدعوا أبناء الشعب السوري والحريصين من العرب للوقوف مرة واحدة بشرف ورجولة أمام ما يحيط بهذا الشعب المغلوب وبهذه الدولة المنكوبة .
     إن داعش وأخواتها عند بعض العرب ليست منظمات إرهابية مجرمة بل هم جماعة الإيمان والتقوى ، ولهذا يدفع البعض  لهم ويسهل  لهم  البعض معاملاتهم التجارية والإقتصادية في العالم ، ويذهب البعض لمؤازرتهم وتثبيت مواقعهم في بعض الأماكن التي دنسوها   ،  إن داعش عند هذا البعض حركة إسلامية هدفها تطبيق -   الخلافة -  التي هي مصدر إلهام عند معظم المسلمين في جميع إنحاء العالم  ، ولذلك نرى إن بعض الدول العربية  تناصر  داعش وأخواتها وهي  تفعل ذلك مختارة  غير مكرهة  مدفوعة بحقد وتدافع مذهبي وطائفي لعين ، لهذا حين تناصرها فهي تجد في مناصرتها ربحاً وليس خسارةً وهذا منهم ضد المنطق والعقل والإعتدال والإيمان  ،  إن واقع العرب المهزوز الهش يجعلهم يتخبطون ويعملون أعمالاً تسيء   لهم  أكثر مما تنفع  ،  وهذا ما يجعل الحق  عندهم مجهول ومُضاع  ، وبعض العرب هذا يجد في داعش التغطية  لهم  من الفشل  في مواكبة التطور العالمي  ،   فاذا  تكلم  العالم الحر عن  همجية ووحشية تلك المنظمات  حدثونا عن عقيدتها  وإيمانها ،  وكيفية الإستفادة منها في التوازن الطائفي والتنافس مع إيران  ، فيطبعون فعلها بطابع القوة والجد والاحكام فليس  من هؤلاء عندهم من خطر   ،  وتجسد هذا المعنى بدعم داعش واخواتها فيما تقوم به من مجازر وعنف على الشعبين  العراقي والسوري  ،  لذلك   نقول إن على الشعب السوري تقع المسؤولية  في تبني الحوار الوطني من دون مماطلات أو حسابات  ضيقة  أو دفع بإتجاه زيادة المعانات  ،  فالحوار هو ذلك الخيط الذي فيه سر النجاة  من هذه  الممارسات الإجرامية   التي تقوم بها تلك المنظمات ،  واذا كان السوريون  هم المشردون  الآن في الآفاق ، وهذا من أكثر الأشياء حزناً  بالنسبة لنا ولكل الأحرار  ،   لكننا نقول إن لهذا الشعب  أرض تجمعه  وله دولة تمثله  ،  وقد استطاع هذا الشعب  في التاريخ الحديث  أن ينظم  نفسه ويكون ملهماً في التجارة والصناعة والسياحة  بشكل مختلف عن كل دول المنطقة ،  والمؤسف إن هذا الواقع أُريد له  أن يكون حُطاماً   ،  و ليكون شعباً مهجراً نازحاً معذباً مشرداً بين البلدان التي لم ترحمه ولن ترحمه ، وأكثر الدول فجاجة وظلماً على هذا الشعب هي الدول العربية التي نزح إليهاً مضطراً  .
    إن الشعب السوري  يعاني  من  مشكلة أساسية و هي استسلامه  لطبقة إجتماعية   سيئة  تتبنى  وتقوم وتعيش على التفرقة والخلاف  مستفيدة من الإستئثار  ، وهذا الواقع  يشكل ضعف  المجتمع وتفككه  ويخنق معظم قواه وامكانياته  .
    إن الظرف  لا يحتمل الانتظار لكي تعالج المشكلة من أساسها   ،  ولا يجوز  ان نبقي الشعب السوري يواجه قدره وحده  من دون مد يد العون له  ، ومساعدته  في تبيان لحق من خلال حواره المباشر وهذا الواجب  يدعونا للضغط على الدول الداعمة للإرهاب بان  تترك  الشعب السوري  يلتقي  ويحل مشكلاته  بنفسه  ،  والشعب قادر بما يمتلك من تاريخ وعمل حضاري ونضالي من توديع نجوع السياسة والإلتفاف حول نفسه والتفكير بحاضره ومستقبله ،  وعلى العرب ان يبرهنوا يوماً على نزاهة عملهم فيما بينهم ويكفوا عن التآمر وخدمة الأغيار وعدم وضع العراقيل بوجه الشعب السوري وهو المتعطش للحرية والعدالة والسلام .

    راغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media