التعايش والإنتعاش!!
    الجمعة 4 سبتمبر / أيلول 2015 - 22:13
    د. صادق السامرائي
    التعايش مبدأ عربي إسلامي وضع أسسه وأرسى دعائمه الرسول الكريم (ص) عند وصوله المدينة التي تنورت بطلعته , والحناجر تنشد " طلع البدر علينا....." .
    حيث رفع راية التآخي والألفة والتراحم.
    فآخى بين الأنصار والمهاجرين , وأطلق روح الأخوة ما بين الأوس والخزرج.
    وحالما تحقق التعايش الإنساني الإيجابي , إنتعش الدين ثقافيا وإقتصاديا وعسكريا , وإزداد قوة وهيبة , وقدرة على الإمتداد في الآفاق.
    وتسابقت الشعوب والمجتمعات إلى الإيمان بالله ورسوله وكتابه المبين.
    فكانت معركة بدر , وفتح مكة , وتوالت بعدهما الفتوحات , وقدرات التأثير والتعبير الأسمى عن الآيات والإنتماء للدين.

    وأعظم ما في قانون التعايش العربي الإسلامي , أنه جسّد التفاعل الصحيح ما بين الإختلافات , فأصبحت أمة الإسلام أمة متآخية , فيها شعوب وأمم ذات لغات وعادات وتقاليد وثقافات متعددة ومتنوعة , لكنها تعايشت وتواصلت وتحققت , وأكدت وجودها  الحضاري الإنساني الوهاج.

    وفي الزمن المعاصر , نرى أن الدول المتقدمة القوية الكبرى , قد إستثمرت في مبدأ التعايش ما بين الإختلافات , ولهذا نجدها تحث على الهجرة إليها من أرجاء الدنيا , ويعيش فيها بشر من جميع الأجناس والأعراق والأصول واللغات والمعتقدات , لكنها متفاعلة بآليات التآخي والتراحم والألفة , والعمل الصالح الجاد الذي يسهم في تحقيق المنفعة للجميع , ويحكمه قانون ودستور ينظم السلوك.

    وفي مجتمعاتنا التي وُلِدت فيها آليات التعايش والتآخي , أصبحنا نتحدث عن التعايش وكأنه من المستحيلات , فصارنا نكتب عن إستحالة أن يتآلف السين مع الشين , والصاد مع الضاد , أو الدال مع الذال وهلم جرا.

    وهذا يعني أن أبناء الأمة يجهلون حقيقتها وجوهرها , أو ينكرون وجودها , ولا يعرفون ثقافتها وتقاليدها , ومعاييرها الأخلاقية والسلوكية والعقائدية , التي تتخاطب مع الناس كافة , بكل ما فيهم من تنوعات وإختلاقات وإتجاهات.

    وفي مجتمعنا العربي أمست العروبة وكأنها ضدنا , والدين كأنه محنتنا , ونحن منطلقه , والحاملين لمعانيه وأصوله ومبادئه , والمؤتمنين على صيانة هذه الرسالة المنيرة الساطعة.

    وكم يُخجل أن نكتب كتابات ننفي بها إمكانية التعايش ما بين أبناء المجتمع الواحد والدين الواحد , ونلونهم بألوان , ونؤطرهم بأطر , ونمنحهم مسميات , نحشرهم فيها ونكيل عليهم أسوأ الصفات , لكي نحلل ما يجب أن نفعله بهم من القهر والتنكيل والفحشاء والدمار المشين.

    فكيف تيقّنا بإستحالة التعايش ما بين أوتاد خيمة الدين الواحد , وحسبنا كلَ وتدٍ عمودا لا عمود سواه؟!
    فهل رأيتم خيمة بلا أعمدة وأوتاد؟
    إن ما يحصل هو إنحرافات تفكير , وتوجهات تجهيل , وإندفاعات تضليل!
    وما علينا إلا أن نعود إلى تلك المبادئ الواضحة البسيطة , التي تجمعنا وتطلق قدراتنا , وتستثمر طاقاتنا في الخير والصلاح والفلاح الإنساني.
    فهل ندري ما نقول ونكتب؟
    أم حسبنا الكلمة مجرد قول؟
    وأن القول لا قيمة له ولا معنى!
    ونسينا أن الكلمة الطيبة صدقة!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media