بين (اعتصامات) الشارع السُنّي، و(تظاهرات) الشارع الشيعي.. رؤية عراقية مقارنة
    السبت 5 سبتمبر / أيلول 2015 - 06:00
    أفضل الشامي
    لابدّ من القول بدايةً ولئلا نتّهم بالطائفية، أسهل تهمة توجّه لمن يخوض في موضوع طائفي حتى ولو كان واقعياً علمياً موضوعياً، إنّ المقارنة في هذا المقال ليست لتجلية الفارق بين (شارعين) بل للكشف عن الفرق بين (مشروعين): أحدهما يحاول تقويض الدولة العراقية من منظور طائفي ـ سياسيّ ـ، أو أن يكون على رأسها. والآخر يسعى لنقد الواقع والمطالبة بتغييره ضمن حسابات الديموقراطية، ولا يخفي المقال نقده الذاتي للشارعين الشيعيّ والسنّي على السواء جرّاء المفارقات التي وقع فيها هذا وذاك وهو (يقاتل) من أجل انجاح مشروعه، أو انقاذ المركب الذي يتهدده الغرق.
    تعليق:" إذا لم يتحقق الإصلاح الحقيقي الآن من خلال مكافحة الفساد بلا رحمة وتحقيق العدالة الاجتماعية على مختلف المستويات، فمن المتوقع أن تزداد الظروف سوءاً وقد ينجر البلد الى التقسيم وما شابه لا سمح الله". بهذه الكلمات الواضحة والصريحة والمختصرة التي أجاب بها على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس بريس) لخص المرجع الكبير السيستاني خطورة الوضع الراهن في العراق ودقّ جرس الإنذار لكل المعنيين بالتسبب فيه أو المعنيين بتحقيق الإصلاحات.ولتقديم توضيح اكبر لما أراد قوله والتحذير منه السيد السيستاني أكد معتمده السيد احمد الصافي في خطبته يوم الجمعة الماضي (21/8) بأن (معركة الإصلاحات التي نخوضها في هذه الأيام هي معركة مصيرية تحدد مستقبلنا ومستقبل بلدنا، وأن لا خيار لنا كشعب وحكومة إلا الانتصار فيها, كما أكد معتمد المرجعية في هذه الخطبة أيضاً على عدم التواني للقيام بإجراءات حقيقية وصارمة للإصلاح ومحاسبة كبار الفاسدين من سرّاق المال  العام.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    المرجعية ومعركة الإصلاح المصيرية
    http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=98704

    قراءة المشهد قراءة أوّلية:
    كيف تعامل الشارع السُنّي بالأمس في مؤاخذته على الحكومة العراقية، وكيف تعامل الشارع الشيعيّ اليوم مع فسادها؟
    ثمة ملاحظات سريعة يمكن تسجيلها على هامش تحرّك ساحات الاعتصام في المناطق الغربية والوسطى من العراق (الأنبار، الموصل، تكريت، سامراء، الفلوجة) يمكن أن تضيء المشهد المراد قراءتُه من حيث طبيعة التحرّك، وخلفيات الشعارات، وعوامل الدعم والاسناد، والمرامي والغايات:
    1. القيادات المشبوهة:
    لم يعد خافياً ان القادة الذين كانوا يحرّكون الاعتصامات وينفخون في نارها، ويؤججون لهيب فتنتها، ويصعّدون لهجتها ووتيرتها كانوا في الأعم الأغلب من فلول البعثيين وأيتام النظام البائد، والسياسيين الذين يضعون قدماً قلقة في السلطة وأخرى ثابتة في المعارضة، والمتزيّين بزيّ الدين، والمتطرفين الداعشيين، والطائفين الموتورين، بتحريك اقليمي وخارجي محموم بل ومسعور تتصدّره: تركيا والسعودية وقطر والإمارات ومن خلفهم اسرائيل.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    الجيش العراقي الحر- وهو يتشكل من قطاعات وتشكيلات ومرتبات الحرس الجمهوري وكتائب قوات قصي وافواج فدائيي صدام في المنطقة الغربية
    https://www.youtube.com/watch?v=bPWhlqsfuJs

    2. التمويل الخليجي:
    لعب البترو ـ دولار دوراً خطيراً في تأليب روح الثأر والانتقام والسعي لزعزعة الاستقرار في العراق وباعتراف بعض قادة الاعتصامات انفسهم، من أن نفقاتها الباهضة كان تُغطّى بسخاء من قبل جهات خليجية بما فيها رواتب (المحرّضين) ومصاريف المعتصمين.
    تعليق: غونتر ماير مدير مركز أبحاث العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية لا يتشكك مطلقا في مصدر أموال داعش ويقول في تصريحات لـ DW:”الدعم القادم من دول خليجية وفي مقدمتهم السعودية وأيضا قطر والكويت والإمارات”.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    http://www.alquds.co.uk/?p=183432

    3. الاعلام المأجور:
    عملت بعض الفضائيات المسيّسة والمطيَّفة (نسبة إلى الطائفية) والمؤدلجة كـ(قناة الجزيرة) و(العربية) و(صفا) و(شبكة الدفاع عن السنة) وجوقة من الكتّاب والمحلّلين المأجورين، على تحريض العرب السنّة ضد شيعة العراق وإدراج الجيش العراقي تحت مسمّيات مفخخة تثير الفزع كوصفه على انه جيش صفويّ يريد إعادة العراق إلى الأحضان الفارسية من جديد، أو اعتباره جيش الحاكم (جيش المالكيّ) لا جيشاً وطنياً، كما يجري اليوم اتهام الحشد الشعبي الذي غالبيته من الشيعة بالتصرفات المخلّة بسمعته من قتل وتفجير واعتداءات همجية، واستخدام أسلوب المليشيات التي تفتك أو تبطش دون مسائلة ولا حساب ولا عقاب.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    الاتجاه المعاكس- هل تحالف سنة العراق مع الجهة الخطأ؟
    https://www.youtube.com/watch?v=j2RHUF5V5Mc 
    http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=171744

    4. الترويج والتمهيد لداعش:
    لم تكن شعارات المعتصمين، وتحديداً قادة الاعتصامات في الساحات التي كانت تفوح برائحة الطائفية العالية النبرة، والخطاب المذهبيّ المختنق في أضيق إطاراته، وشعارات التفرقة التي تلتقي في العمق والصميم مع شعارات (داعش) التي لم تكن خطراً جديداً وغزواً جرادياً هجم على سماء العراق في حزيران من العام الماضي، بل كانت اعلام الداعشيين تلوّح في اجواء تلك الساحات المحتقنة طائفياً، والمشحونة سياسيّاً، والمرحّبة بقدوم داعش أكثر من ترحيبها في حسم المشكلة مع المركز.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    التحريض على قتل الشيعة في العراق
    https://www.youtube.com/watch?v=YfV1PiWWiqU
    https://www.youtube.com/watch?v=hTJt39SCmc0

    كرة الثلج والمطالب المفتوحة:
    ابتدأت اعتصامات المنطقة الغربية مطالبةً باخراج المعتقلين من افراد حماية وزير المالية المخلوع (رافع العيساويّ)، ثم تطورت إلى المطالبة بحماية النساء السنّيات في السجون العراقية، ولم تقف عند هذا الحدّ، بل راحت ككرة الثلج تنمو يومياً كلّما تدحرجت على أرض سياسية مساعدة تتيح للكرة التزحلق والانتفاخ بسرعة، حتى بلغت قائمة المطالب (13) بنداً صاغها ـ بحسب تقرير أورده (راديو أوستن) النرويجي استناداً إلى تقرير غربي قيّم في قراءة نقدية لاعتصامات الانبار والموصل وتكريت معتبراً اياها خطراً يهدد النفوذ الشيعي في العراق ويدعم مشروع الإقليم السنّي، مشيراً إلى ان تلك البنود الثلاثة عشر صيغت في (الإمارات) على يدي قادة وضباط الحرس الجمهوريّ المنحلّ الذين تستضيفهم الإمارات الدائرة في فلك الاقليمي المضاد للعراق، وتقدّم لهم كلّ اشكال الدعم. وكان من بين ابرز ما طالبوا به وشدّدوا عليه: (تبييض السجون) اي اطلاق جميع السجناء وبينهم المئات ممن حكم عليهم بالاعدام، بعد ادانتهم بتنفيذ عمليات تفجير واغتيال، كما دعت المطالب أيضاً إلى الغاء قانون اجتثاث البعث المعروف باسم (قانون المساءلة والعدالة) وبدت تلك المطالب وكأنها لم تكن جماهيرية بل نخبوية استعدت النخبة فيها الجمهور ليحمل معاوله لدكّ اركان السلطة.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    http://www.aljazeera.net/home/print/f6451603-4dff-4ca1-9c10-122741d17432/74b3f834-6cfa-42ae-834c-49c802040568

    إثارة البلبلة والفوضى:
    رافقت تلك الاعتصامات التحريضية التأجيجية المحتقنة ببارود طائفي كافٍ لتفجير عشرات بل مئات الشاحنات على امتداد الخريطة الشيعية الجغرافية، عمليات قرصنة وقطع طرق الامداد الخارجية والمنافذ الحدودية خاصة بين العراق والأردن، لاحداث فوضى امنية، وبلبلة اقتصادية، وعلاقات جوار متوترة، اضافة إلى مصاحبة ذلك لشعارات حق يراد بها باطل مثل (نموت من أجل أرضنا وعرضنا)، وغير خاف ان الأرض التي يراد الموت دونها هي (المنطقة الغربية) لا الأرض العراقية، و(عرضنا) هم أهل المناطق السنّية التي يوحي الشعار بانتهاك حقوقهم وتعرّضهم إلى الإهانة والامتهان.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    https://www.youtube.com/watch?v=CKYOVBDhzY8

    طبخة الدولة السُنّية:
    كانت المطالبة باسقاط الحكومة في بغداد في مقدمة ما يطالب به المعتصمون في الساحات المفخّخة، من قبل العمائم المفخخة، واصحاب الاجندات السياسية المفخخة، وكانت مدخلاً لاقامة الدولة السنّية التي يطالب بها متطرفو داعش، وكان لدخول السعودية، وقطر، والإمارات، وتركيا، وإسرائيل على هذا الخطّ اكبر الاثر في تأليب ابناء تلك المناطق (الشارع السنّي) على المطالبة بالانفصال والاستقلال عن الحكومة المركزية.
    يقول راديو (أوستن) في تقريره: ((إن الجهد الذي بذلته دول الاقليم المتورطة في سوريا للخلاص من نظام الرئيس الأسد، تساهم في خلق مناخات طائفية خطيرة في العراق، وصولاً إلى تقسيم العراق، وهو ما تعتبره السعودية هدفاً استراتيجياً لها، إذ تخشى من وجود دولة ذات اغلبية شيعية إلى جوارها في ظل تدهور علاقاتها الثنائية معها، وخشيتها من ان يكون العراق أحد مفاصل الدول التي تعتبرها إيران دول أو محور المقاومة لاسرائيل والتي تضمّ ايران وسوريا وحزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزّة)).
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    تقسيم العراق الى ثلاث دويلات
    https://www.youtube.com/watch?v=sWRiFOyUQYs
    http://www.iraqijs.org/print.php?act=news&id=2198

    وعّاظ السلاطين:
    غير أن أخطر ما في تلك الاعتصامات هو استغلال الفتوى الدينية التي تشرعن لـ(التطرف) و(التكفير) و(القتل على الهوية) و(استباحة الدم الشيعيّ) و(إثارة النعرة الطائفية البغيضة) و(استثارة العواطف المذهبية بالتخويض من غزو وهميّ قادم). وكان من بين آثار وتداعيات اصرار تلك الفتاوى الرعناء التي تضخّ بها المؤسسة الدينية الوهابية الحاقدة والسلفية الحانقة، انها حشدت تكتلاً سنّياً واسعاً ضد الشيعة، محرّضةً للمسلمين السنّة على التوجّه إلى أرض الرافدين وسوريا بلافتة دينية خرقاء مشوهة اسمها (الجهاد) للخلاص من الحكم العلويّ الشيعيّ الصفويّ في العراق.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    التحريض على قتل الشيعة في العراق
    https://www.youtube.com/watch?v=6GvmcDE4bI8

    النفخ في بالون الفساد:
    أعان الفساد المستشري في البلاد قادة ومحرّكي اعتصامات المناطق الغربية على النفخ في بالونه القابل للاتساع والتمدّد، خصوصاً في اوساط مجاميع من الجيش العراقي الذين وإن لم يخلعوا بزتهم العسكرية لكنهم ارتدوا فوقها بزتهم الطائفية، وكانوا جزءاً من مخطط الانخراط في اللعبة الجهنمية والاصطفاف مع قادة ساحات الاعتصام لاضعاف الحكومة المركزية بغية اسقاطها من خلال اثارة المفاسد التي فاحت رائحتها، والكشف عن عوراتها المتزايدة، وتوظيف الخلافات السياسية التي بلغت حدّ التناحر والتقاتل من أجل مغانم السلطة، وفي ظلّ النقص الفادح في الخدمات وشيوع حالات المحسوبية والمنسوبية، واهتزاز الأمن الداخلي عبر سلسلة التفجيرات اليومية الضاربة في كلّ مكان بما في ذلك بيوت الله والتي تطال المناطق الشيعية حصرياً، مما اوجد وهيّأ لارضية ولظروف مناخية مساعدة لا لاستمرار تلك الاعتصامات، بل إلى تحوّلها من (صاعق تفجير) إلى (قنابل موقوتة) يُسمع صداها مع كلّ صوت انفجار لمخففة في شارع من شوارع الشيعة المستباح دمهم بأبخس الأثمان، وفي حين كانت التبريرات تتوالى في قتل المدنيين الابرياء الشيعة، كان القتلة يوصمون ويوصفون بانهم (ثوار العشائر).
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    ثوار العشائر في الانبار يدحرون قوات المالكي والعصابات الشيعية الطائفية
    https://www.youtube.com/watch?v=Cnk8WwvdvMY

    سياسة قلب الحقائق:
    ونظراً لسوابق موروثة من النظام البائد في طريقة التعامل مع الأحداث الداخلية وقدرة ماكينته الاعلامية على تحويل (القاتل) إلى (ضحية) و(المقتول) إلى (جلاّد) كان الساسة من ابناء الشارع السنّي يتبارون في تشويه الحقائق وقلبها وتحريفها لذرّ الرماد في العيون، فكانوا يصورون (مظالم) السنّة على أنها نتائج لاستبداد المليشيات الشيعية المتطرفة والمرتبطة بايران، وانها من تنفيذ (عصائب أهل الحقّ).
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    عشرات القتلى من جنود المالكي قتلى على يد قناصة ثوار العشائر
    https://www.youtube.com/watch?v=gS1z6mbMMHg

    االخطابات التحريضية:
    لم تكن خطابات منصات الاعتصام التي يحتشد خلفها جمع من المعممين السنّة الذين لم يكن الشارع العراقي يعرفهم سابقاً، الاّ بمثابة صبّ الزيت على النار، وغسل ادمغة الناس البسطاء وتأليبهم على الثورة والتوجه إلى بغداد لغرض قلب النظام، من خلال لافتة (التهميش) السياسي والاقتصادي التي يتعرضون لها من قبل إدارة السلطة الحاكمة يومذاك، متناسين ان ابناء الشارع السنّي نالوا بالمحاصصة ما نسبته 60% من مغانم السلطة، وان مقدراتهم الاقتصادية تأتي في اغلبها من خيرات المناطق الجنوبية الشيعية الهوية، وان النظام الديمقراطي الجديد راح يدرّ على المكوّنات الكردية والسنّية التي لا تزيد نسبة بعضها على 15% من نسبة السكان لكي يحظوا بأكثر مما حظي به مواطنوهم من الشيعة في المناطق التي ما تزال محرومة من المكاسب التي حقّقوها بدماء ابنائهم وتضحياتهم.
    يقول التقرير الذي أورده راديو (أوستن) عن الاعتصامات والاحتجاجات في الانبار والموصل وتكريت انها يشرف عليها قادة سياسيون سُنّة من اعضاء (القائمة العراقية) بالتنسيق والتعاون مع قياديين سُنّة في المنفى بقيادة (طارق الهاشمي) اللاجئ إلى تركيا، (حارث الضاري) الزعيم الديني اللاجئ إلى الأردن، وتحوّل مطالب المعتصمين إلى مطالب طائفية وصلت إلى حدّ المطالبة باسقاط الحكومة، يضاف إلى ذلك الطرق المستمر على وتر اعتبار الشارع الشيعي دخيلاً على الاصالة الوطنية العراقية، وان ابناءه ايرانيون صفويون شعوبيون لا يمتون للعروبة بصلة، وكان ذلك واضحاً من عرقلة أو اعاقة مساهمة الحشد الشعبي لاحقاً في الدخول إلى تكريت والانبار لتحريرها من براثن خوارج العصر (داعش) و(القاعدة) و(جبهة النصرة)، بل وترجيح وترحيب حار بسيطرة الدواعش على مناطقهم من أن يتولى اخوانهم من متطوعي الشيعة تحرير مدنهم من بلاء وخيم، الأمر الذي نتج عن نزوح (2.7 مليون نازح ، حسب آخر بيان للجنة الهجرة والمهجرين النيابية.
    تعليق: وقال عضو اللجنة الهجرة والمهجرين النيابية ، النائب "أحمد السلماني”، في تصريح صحفي الخميس 19 آذار 2015 ، إن: "آخر إحصائية لوزارة الهجرة والمهجرين أظهرت تسجيل 2 مليون و300 ألف نازح في العراق"، مشيرًا إلى أن: "أعداد النازحين غير المسجلين ربما يكون بحجم وأعداد النازحين المسجلين؛ مما يرفع أعدادهم إلى 5 ملايين نازح، غالبيتهم الساحقة من الطائفة السنية ومن سبع محافظات، هي: الأنبار، صلاح الدين، بغداد (حزام بغداد) وبعض المناطق، الموصل، ديالى، وبعض مناطق كركوك والحلة".

    الوقوع في حبائل الانتهاز السياسيّ:
    دفع ضعف الشعور بالوطنية المتزايد بعد 2003 إلى استغلال الجهل والأميّة والمشاعر الطائفية المستثارة أساساً في المناطق الغربية، إلى توظيف تجار السياسة سواء المتعاونون مع اقطاب المشروع الاقليمي، أو الناقمون على الوضع السياسيّ الجديد من شركاء العملية السياسية ظاهراً، المعارضون والمنقلبون عليها باطنا، إلى دق أسفين الفرقة وتوسيع الشقة بين المنطقة الغربية وبين السلطة المركزية التي راحوا يعزفون على اوتار تأرننها (نسبة إلى ايران).
    مما حدى بتلك الجماهير التي لم تكن تتحرك بدوافع ذاتية مجردة، وإنما بعقل جمعي مؤدلج، ومؤجّج ومبرمج للوقوف بوجه الحكومة التي حاولت على الدوام السعي لكسب ودّهم وارسال ممثلين عنها لتلبية مطالبهم، والتعامل مع احتجاجاتهم غير السلمية بطرق دبلوماسية وسلمية وحبّية ربما اثارت حفيظة الشارع الشيعي لكثرة (الدلال) الذي اغدقته السلطة ابان حكومة المالكي على المناطق التي كانت تهبّ منها رياح صفراء تريد ان تقتلع شجرة الديمقراطية من الجذور ضمن حسابات داخلية طائفية ضيقة واقليمية سياسية مغرضة أضيق، وقد ادّى الانجرار إلى صراعات إرادات السياسيين الأنانية والطائفية والتحريضية إلى سقوط الموصل والانبار تحت سيطرة داعش، علماً ان قطعات الجيش العراقي في تلك المناطق من ابناء السنّة تصل إلى 90% من نسبة الجيش المتواجد هناك، والذين تلقى افراده أوامر بالانسحاب وتسليم مدنهم إلى الدواعش من دون أدنى مقاومة.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    اوراق من نكسة حزيران العراق .. ماذا حدث يوم وليلة 2014/6/9 ؟!
    http://altanmiah-news.com/?p=7187

    النفوذ من ثغرة الاختلاف:
    أفاد تقرير أميركي نشرته (نيويرك فايلز) أن الشيعة في العراق وبعد عشر سنوات (صدر التقرير قبل ثلاثة سنوات) من القوة في الحكم يتجهون بسرعة نحو خسارة ما حصلوا عليه بفضل الآليات الديمقراطية.
    وجاء في التقرير: ((كلّ الدلائل تضع العين على نقطة واحدة أن قادة الشيعة السياسيين يضعون مستقبلهم السياسيّ على متن قارب مثقوب، فالأزمة التي طالت البلاد تقوّض قوتهم، واصبح خصومهم الداخليون والاقليميون امام طيف واسع من الخيارات الناجحة التي يقدمها لهم قادة الشيعة بشكل مستمر، (أي ان خلافات الشيعة وانشقاق الشارع السياسي الشيعي، حتى داخل الائتلاف الوطني نفسه) قدّم خدمات مجانية ومبرّرات اضافية وعلى طبق من ذهب ـ للمعتصمين والمجتمعين والمتعاطفين مع الغزاة الدواعش ـ في النفوذ من تلك الثغرة في الجدار الشيعي)).
    ونقلاً عن مصادر غربية في (بروكسل) (مقر اجتماع سفراء دول حلف شمال الاطلسي) (النيتو): إن الشيعة في العراق يواجهون تحديات خطيرة تهدد نفوذهم في الحكومة، وربما تمتد لتؤثر على دورهم كاغلبية في العراق. وأكّد معظم الدبلوماسيين الغربيين في (الاتحاد الأوروبي) انهم متفقون على ان اختلاف قادة الشيعة السياسين، وفّر فرصةً كبيرة للعرب السُنّة والاكراد على تقديم مطالب لم يكن يجرأون على طرحها في السنوات الماضية، إذ وجد القادة في (القائمة العراقية) ـ وجميعهم من السُنّة ـ إلا بضعة اعضاء من الشيعة ممن لا شعبيةٍ لهم وسط الشيعة، أن الفرصة متاحة لتحريك الشارع السُنّي في العراق لتقديم مطالب تعيد لهم دورهم في رسم الخارطة الأمنية والعسكرية والسياسية في العراق بما يسترّد لهم جزءاً من أمجاد سطوتهم في عهد نظام صدام وهيمنتهم على السلطة بالعراق في ظل سياسة قمع دموية للاغلبية الشيعية قلّ نظيرها.
    هذا من جهة اختلاف القادة السياسين والأحزاب السياسية العراقية الشيعية الذي عزز اصرار السنّة على مواقفهم، واما من جهة بعض التيارات الشعبية، فقد اسهمت هي الآخرى في توسيع الثغرة التي نفذ منها مديروا الاعتصامات، حيث التقت توجهات المعتصمين هناك باسقاط حكومة المالكي وكراهية بعض الاطراف الشيعية لتلك الحكومة وفي مقدمتها التيار الصدري والمجلس الأعلى فهم ضد المالكي لأنه ينافسهم في زعامة الشيعة ، حيث ذهب بعضهم تحت تأثير الانفعال غير محسوب النتائج إلى ارسال وفود إلى ساحات الاعتصام في الأنبار وسامراء لإبداء التعاطف مع المعتصمين هناك.
    ونقلاً عن مصادر غربية في بروكسل، فإن استهداف الشيعة بمشروع سياسي طائفي صريح من شأنه أن يعطي التبرير للأغلبية الشعبية للتخلي عن قياداتها المعتدلة ومرجعياتها الدينية التي اتسم خطابها بالاعتدال، على الرغم من قسوة الخطابات والهتافات التي شهدتها الانبار ونينوى، خاصة وأن التفجيرات اليومية مازالت تستهدف الأحياء والمدن الشعبية، حتى بات شيعة العراق ـ بحسب تلك المصادر الغربية ـ مقتنعين بان وراءها السعودية بسبب اطلاق فتاوى تكفير الشيعة، وبدفع من (الخطاب الطائفي الداخلي) و(التحريض العدواني الدمويّ الخارجي) إلى البحث عن قيادات ثورية تحمي الشيعة من خطر داهم يستهدف وجودهم.
    ان نجاح قوات "الحشد الشعبي" بتحرير عدد من المدن التي كانت تحت سيطرة التنظيم المتشدد سوف يكون له دور بارز وذراع سياسي مهم في الانتخابات المقبلة الخاصة بالمحافظات والبرلمان وسيحقق فوزاً كبيراً لأنهم اثبتو للشعب وطنيتهم وعندهم وجوه جديدة قادره على اخذ الحكم من السياسيين الشيعه اللذين انشغلوا بالمحاصصه والانبطاح السياسي وخدمة احزابهم والاستيلاء على املاك الدوله وتورط الكثير منهم في الفساد المالي والاداري ونقص الخدمات والبطاله والتدهورالاقتصادي وبالاضافه الى سرقة ثروات الشعب العراقي, كل ذالك ادى ثورة الشعب المظلوم ومطالبته بالتغيير والابتعاد عن المحاصصة وترك الدولة ودستورها وقوانينها لأهل الخبرة والكفاءة والاختصاص والنزاهه.
     
    مفارقات عند مفترقي الشارعين:
    ونحن نجري مقارنة ميدانية بين بعض ما كان يحصل في ساحات الاعتصام في المناطق الغربية، وبين ما يحدث اليوم من تظاهرات في المناطق والمدن الشيعية، وبقطع النظر عن الأصابع التي تحرّك أو تحاول القبض على فرصة انزعاج وتذمّر الشارع الشيعي للاصطياد في مائه العكر، فإننا نجد المفارقات الآتية الداعية إلى أكثر من وقفة و تساؤل:
    1.  توحّدهم واختلافنا:
    لقد وقف الجميع من ابناء الشارع السُنّي مصطفين خلف منصات الاعتصام بما فيهم رئيس البرلمان العراقي السابق (أسامة النجيفي)، فكان الخطاب الديني المؤدلج، والسياسي المبرمج يتبادلان العزف على نفس الوتر والنبرة ما حدى بالحكومة المركزية حينها إلى الانحناء إلى العاصفة لكننا نجد أن الشارع الشيعي على الرغم من تضرر جميع ابنائه مما جرى ويجري بعد 2003 من تصفيات دموية لم يكن داعش الوحيد من حلقاتها وإن كان الأخطر، وما زالت عقول بعض السياسين العراقيين الشيعة من الضيق والانانية والرغبة في تصدر المشهد تسعى للنكاية بالآخر الحليف والحدّ من فرص نجاحه، والعمل على زحزحته، والتملق إلى الآخر المتربص والمتصيَّد.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    اسامة النجيفي يدافع عن مسلحي القاعدة ويدافع عن الارهابيين بحجة ان الجيش شيعي
    https://www.youtube.com/watch?v=qaKzF0R5WTg

    2. إصرارهم وتساهلنا:
    لقد بذل منظّمو اعتصامات الانبار وغيرها جهوداً استثنائية من أجل تحشيد أكثر من (15.000) معتصم في صلاة جمعة واحدة، وكان عدد المتعاطفين معها يتزايد باستمرار، لكننا لم نجد في المقابل اصراراً مماثلاً أو قريباً من تلك الاحتشادات المصّرة على مطالبها بل ورفع سقفها من حين لآخر، وإذا كانت التظاهرات الاخيرة في الشارع الشيعي تعبّر عن نفاد صبر الاكثرية من الفساد ونقص الخدمات، فإن ذلك قد يفسّر على أن كيل هذا الشارع قد طفح، وما مطالباته إلاّ مشروعة حقيقية وواقعية سكت عنها طويلا، ولم يعد قادراً على السكوت عنها أكثر، ولكن السؤال: كم يستطيع هذا الشارع من الاصرار على مواقفه ومطالبه المشروعة؟

    3. انحيازهم ووطيتنا:
    غير أن ما يُسجّل للشارع الشيعّي ـ ولا نتحدث بدوافع طائفية ولا بشكل مطلق ـ انه كان وما يزال يتحرك من منطلق غيرة وطنية على العراق والعراقيين، فيما كان الطرف الآخر الذي بدا لأول وهلة مناهضاً للاحتلال الاميركي، اكثر اندفاعاً لاستنصار الغرب ضد الشعب، والاستقواء بالاجنبي على ابن الوطن، واستععلاء الاقليمي المجاور عليه.
    4. خبرتهم وجهلنا:
    لا نتردد في القول إنّ خبرة الشارع السُنّي بالسياسة وألاعيبها وخططها و دهاليزها أكثر من خبرة الشارع الشيعي فيها، فهم متحدون على الرغم من تنوع توجهاتهم وتضارب مصالحهم، وتعدد انتماءاتهم، لكن ما يجمعهم هو شعار موحّد فحواه (تحقيق أكثر ما يمكن تحقيقه للطائفة لا من منطلق ديني بل من رغبة سياسية ملحّة في احياء فكرة حكمة السُنّه)!
    5. حكمتنا الدينية واستغلالهم الديني:
    لو ترك الخيار للشارع الشيعي لخاض صراعه مع قتلته ومكفّريه على طريقة واحدة بواحدة وربما بطريقة ردّ الصاع صاعين، إلا انه والحق يقال: إن عقلاء الطائفة لا سيما المرجعية الدينية العليا، لعبت دوراً بارزاً في كبح جماح التهور والاستهتار والولوغ في دماء الأخوة المسلمين السنّة، واستطاعت بحكمتها العالية وتوجيهاتها الرشيدة أن تحدّ من الاندفاع نحو الثأر والانتقام، فيما كانت فتاوى التكفير واباحة قتل الشيعة العنوين تعلن في المزاد، بل وتباع لمن يشتري بالمجان، وما تزال ماكينة الموت تسفك الدم الشيعيّ وكأنها تريق الماء على اسفلت الشوارع!
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    السيستاني:كلمة تاريخية يطالب #العبادي بعدم التردد بضرب الفاسدين وتشكيل حكومة غير طائفية
    https://www.youtube.com/watch?v=PMcTZIgdfsc

    استغلال الفساد ومحاربته (مكافحته):
    كانت الاعتصامات تستغل الفساد المستشري في مفاصل الدولة و الحكومة، وتعّلق على شماعته أثقال مطالبها المتراكمة، وتتسلل عبره لتوسيع شقة الخلاف مع المركز للاطاحة بالحكومة، فيما تجري مظاهرات الشارع الشيعي لمحاربة الفساد ومكافحته ومحاسبة القائمين عليه والمتورطين به، هناك إدانة وهنا إدانة، ولكن هناك توثب للانقضاض، وهنا احتدام لرفع الحيف والظلامات!
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    منظمة الشفافية الدولية: العراق يحتل المركز الثالث للفساد عالميا
    https://www.youtube.com/watch?v=1CY-DvHZm1s

    تطييف العسكر وتحييده:
    لاحظ المراقبون والمتابعون للشأن السياسي العراقي في الداخل والخارج كيف أن القوات المسّلحة العسكرية والذين يشكّل السنّه منهم (90%) في الموصل والانبار وتكريت قد مهّدوا لاحتلال داعش للموصل، وكيف جرى التواطؤ معهم ليحتلوا الانبار ايضا ويذبحوا ابناء المؤسسة العسكرية في (سبايكر)، بينما يطالعنا الحشد الشعبيّ في الجانب الآخر، من غير أن ننكر أو نتغاضى عن مخالفات بعض منتسبيه وهو يدافع عن ابناء المناطق التي كانت تُستجاش وتُستشار وتجيش ضده ليحمي اليوم حمى من هدّده بالأمس، ويتعالى بشعوره الوطنّي العالي على لغة الانتقام والمطالبة بالثأر، تقديراً منه أن (داعش) ليست سُنّية، وإنما هي وإن انتسبت للتسنن شكلاً، حربٌ على الإسلام والمسلمين الشيعة والسُنّة، مما يستوجب نهضة اسلامية متسامية على اطر الطائفية الضيفة، عاضّة على الجراح، مقدّمة مصلحة الوطني على الطائفي.
    احالة: للمزيد من المعلومات والتوثيق اطلع على:
    https://www.youtube.com/watch?v=72ZZ14lIeSY

    الطعن بالديمقراطية والاحتكام إليها:
    وصل الشيعة إلى ما وصلوا إليه في إدارة الدولة من خلال صناديق الاقتراع وآلاليات الديمقراطية المتاحة، والغريب أن الآخر الذي استخدم نفس تلك الأدوات راح يطعن بالديمقراطية التي غلّبت الأكثرية على الأقلية، واتهمها بالدكتاتورية لأنها لم ترضخ لحكم الأقلية، كما في العهد البائد، وعلى الرغم من كل الثغرات الموجودة في النظام الديمقراطي في العراق إلاّ أن مما ينبغي تثبيته والاشارة إليه أن دول المنطقة لا سيما دول الجوار الاقليمي لم تكن سعيدة ولا مرتاحة للتغيير الديمقراطي في العراق، ولم يرق لهم أن تكون هناك جزيرة ديمقراطية في محيط ديكتاتوري استبدادي ملكي أو رئاسي غارق في الفردية إلى أذنية. يشير تقرير (نيويورك نايلز) أن تحرك كل من السعودية وقطر يبدو ظاهريا بانه متعارض، حيث تعمل قطر على تأجيج الأوضاع على طريقة الربيع العربي، أمّا السعودية فإنها لا تزال تميل إلى تنسيقات شخصية في نطاق سرّي، لكن جهود الحكومتين في المحصلة تلتقي في نهاية واحدة هي تقويض الثورة الشيعية في العراق، واعادة فكرة حكم السنّة الذي أطاحت به الولايات المتحدة الأمريكية في ابريل (2003).
    يخلص التقرير إلى أن ثمة امتعاضاً متزايداً في عدد من العواصم الغربية من الحالة العراقية ومن امكانية تحوّلها إلى أرقى نموذج للديمقراطية والبناء والرخاء في المنطقة إلا أن (حرب المصالح) حوّلها إلى واحدة من أكثر الدول فشلاً في العالم.
    من المقدمات إلى النتيجة:
    لا ندري إلى متى يستمر الصراع على السلطة في العراق خاصة مع الدخول المتزايد للعديد من الأطراف الخارجية على خطّه واحتدام واصطدام الداخلي مع الخارجي أو الالتحام والاندغام معه، وإذا كانت سحابة داعش السوداء الثقيلة قد خيّمت على العراق وحولته إلى (أرض السواد) فعلاً، فإن تجارب الامم والشعوب والاوطان التي تعيش التعدديات تقدّم بين يدي العراق المضطرب سياسيا، المحتقن أهليا، الممزق طائفيا، المهّدد خارجيا، أن مصلحة الجميع وإن اختلفت في مفرداتها وأطرها وتفاصيلها، هي في عراق واحد موحّد يعمل ابناؤه على طريقة (الشركة المساهمة) التي يدرّ ربحها على الجميع وتلحق خسائرها بالجميع، وأن ليس بعد الديمقراطية من حلّ، أما القفز عليها والتلاعب بها والاحتكام إلى الدستور إن وافق مصلحة طرف، وانتهاكه إن عارضها، والاستقواء بالخارجي على الوطني، وتغليب الفئوي على العام لا يزيد الطين بلّة، بل يجعله زلقاً لا تستقيم عليه رجل أحد مهما كان بهلواناً، وإن ما يهوّن الخطب في التجارب الديمقراطية أن ليس هنا لنا شيء ثابت، فما لا نرضاه اليوم يمكن أن يتبدل غدا، طالما أن المسائلة والعدالة ليست فقط تحت قبة البرلمان بل تحت سقف الشعب أيضاً.

    المهندس افضل الشامي
    4/9/2015
    afthalalshami@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media