الجن الصدري
    السبت 5 سبتمبر / أيلول 2015 - 10:03
    غفار عفراوي
    منذ أن اقتنيت - قبل سنوات-  كتاب " فقه الفضاء " لمؤلفه الكبير السيد محمد الصدر عليه الرضوان، وأنا أفكر في السبب الحقيقي الذي يدعو مثل هكذا شخص مترامي المشاغل والهموم والتطلعات والأفكار والمشاريع الدينية والإنسانية والاجتماعية، إضافة إلى الموضوعات الكثيرة التي تستحق الاهتمام والتأليف والكتابة أكثر من موضوع غريب وغير مألوف لدى القارئ، فكانت الحيرة هي الملازمة لأفكاري، وعدم الوضوح هو المعنى والإجابة لسؤالي!.
    "فقه الفضاء" كتاب صغير الحجم، يتكون من 109 صفحة، يستعرض الأحكام الفقهية الخاصة بالبشر في حال سافروا إلى الفضاء الخارجي، وكذلك الأحكام الفقهية الخاصة بالتعامل مع الكائنات الفضائية في حال أنهم زاروا الأرض والتقينا بهم.
     يقول السيد في مقدمة الكتاب انه "يبرز سعة التصور الفقهي من حيث انه يعالج كل الاحتمالات والموضوعات المتصورة ذهنياً، مهما كانت، وذلك هو الصحيح بعد أن ثبت فقهياً أنه: ما من واقعة إلا ولها حكم.”
     وكذلك يؤكد انه "يبرز إمكان تطبيق الفقه الإسلامي في كل الكون سواء على وجه الأرض أو غيره، فليس الإسلام ديناً أرضياً بل هو دين سماوي المصدر وسماوي التطبيق أيضا.”
    وأنا استطيع القول إن كتاب فقه الفضاء هو رسالة عملية مقدمة إلى أقوام أخرى، وفي أزمنة أخرى، وفي حياة أخرى! فهل كان المؤلف يعتقد بوجودها؟ أو انه كتبها للأجيال اللاحقة؟
     وهل هذا الكتاب خيالي وميتافيزيقي ؟  أو انه منطقي وعقلائي ولكننا لا نشعر به كما يشعر ويعرف السيد المؤلف؟
    كل هذه الأسئلة وغيرها كانت الشاغل لتفكيري، والملازم لما في عقلي من تفسيرات لم أجد لها الجواب الشافي، إلا أنني اطلعت على كتب الجن والمخلوقات الأخرى الموجودة في عالمنا وعلمت أن منها ما موجود في عالمنا الآخر غير المحسوس أو المرئي لاعتبارات علمية بحتة.
     ولان كل المخلوقات تُسبّح لله وتقدّس له " تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم‏...‏" ‏(‏ الاسراء‏:44)، إذن يمكن إثبات أن هناك مخلوقات غير البشر تسبح لله وتعبده وتقوم ببعض الأفعال والأعمال المشابهة لأفعال الإنسان ولكننا لا نشعر ولا نفقه. ويمكننا أن نعلم أنّ عالم الجن كما فيه الصالح فان فيه الطالح، وان الصالح يحتاج إلى معرفة الأحكام الشرعية والمعاملات الدينية لتكون عبادته لله تعالى كاملة ولا ينقصها شيء.   
    إن الشهيد الصدر من العلماء والكتاب العباقرة ومراجع الدين الاستثنائيين بطبيعة حياته وثورته وشهادته على حدٍ سواء. فلابدّ أن يكون مختلفاً واستثنائياً في مؤلفاته وتعليماته وفتواه الدينية التي حيرت العقول وجذبت النفوس، ولا ننسى بعض أقواله من منبر الكوفة المعظم في خطبة الجمعة الأخيرة حين قال " انتم راح تشوفون مني عجائب " !
     إذن هو مرجع العجائب ولا غرابة أن يكون تأليفه لكتاب " فقه الفضاء " هو رسالة عملية لمقلديه من الجن الصالح وكذلك المخلوقات الفضائية الأخرى التي تحتاج إلى معرفة كيفية الصلاة في القمر وفي الطائرة وحين يذكر السيد مسألة الإمامة في الصلاة يعطي الحق للكائن الفضائي بان يصبح إماما في الصلاة للبشر في حال امتلك الشروط اللازمة ، وموضوع الطهارة وقبلة الصلاة فيقول  "الأحوط وجوباً عدم الذهاب اختياراً إلى أي مكان أو كوكب تتعذر فيه بعض الشرائط الاعتيادية للصلاة كالطهارة والقبلة والوقت …” ، والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الإحكام الواجبة على المسلمين؛ ولا يستبعد السيد الحاجة إلى هذه الأحكام على المدى القريب وانها ليست مستحيلة كما حاول البعض أن يقللوا من قيمة هذه الجوهرة الفريدة في التأليف ؛ إذ يقول السيد "انني حاولت أن لا أذكر عدداً كثيراً من التفريعات التي تحتوي على زيادة في الخيال، أو تكون من قبيل ما يسمى بالخيال العلمي. وإنما اقتصرت على التفريعات والمسائل الأنسب والأقرب إلى الحياة العملية، مع ضمها إلى أمور فضائية قد لا يطول الزمان لحصول الإنسان عليها ووصوله إليها.”
    ولم ينسَ السيد امراً غاية في الأهمية وهو الزواج بين الكائنات الفضائية وبني البشر أو بين الكائنات نفسها فيقول  "يجوز الزواج بالمخلوقات الأخرى، التي قد تكون موجودة في بعض الأجرام السماوية، بنفس الشرائط والأحكام الموجودة بين البشر أنفسهم.”
    ناقش السيد الصدر أموراً مهمة جداً وبحاجة إلى جواب فقهي عالي المستوى، مثل الاتجاه الذي يصلي إليه الإنسان في حال كان في جوف الكعبة! أو فوق الكعبة! أو في طائرة فوق الكعبة بالتحديد!!! وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالطائرات والأقمار الصناعية، وما الذي يجب أن يفعله الأشخاص المسلمون المتواجدون داخل هذه المركبات التي لم يصنعها المسلمين بالتأكيد.
    إن السيد الشهيد الصدر عليه الرضوان لا يمكن أن يكون قد اتعب نفسه وتفكيره، وكذلك تفكير وعقول الناس القراء بكتاب ليست له غاية وليس فيه هدف أو معنى وحاشاه أن يصدر منه عمل زائد عن الحاجة، وهو صاحب الثورة الفكرية البيضاء التي أطاحت بأكبر طاغية في الشرق الأوسط بلا سلاح ولا إطلاق رصاصة واحدة؛ بل كانت الكلمة والفكرة والتوجيه هي الأسلحة الفتاكة التي استخدمها آنذاك.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media