الضرورات لا تبيح المحذورات؟!!
    الثلاثاء 29 سبتمبر / أيلول 2015 - 05:00
    د. صادق السامرائي
    من أخطر ما مضت عليه الأمة في مسيرتها الطويلة أنها عملت بمنطق " الضرورات تبيح المحذورات" , مما وفرت لذوي النفوس الأمّارة بالسوء الفرص اللازمة للوصول إلى تحقيق رغباتهم ونوازعهم المطمورة فيهم.
    وقد رفع رايات هذا النهج الحكام الذين يحكمون بأهوائهم ويتسلطون على الناس فيبخسونهم أعمالهم , ويصادرون حياتهم , فلكل آثمة ما يبررها ويسوغها ويعززها , من رؤى وفلسفات " الضرورات تبيح المحذورات".
    أي أنها بدلا من أن تكون حالة محصورة وليست قاعدة عامة سارية , تحقق العكس تماما , ذلك أنها وفق المنظور الفقهي والشرعي والقانوني بحاجة إلى تقييم قانوني وإصدار قرار حكم يستوعب القضية , ولا يمكنها أن تكون قاعدة عامة وشائعة , ويُعمل بها في كل شأن.
    ذلك أنها إن شاعت , فأنها لاتفترق عن منهج " الغاية تبرر الوسيلة" , بل تعزز السلوك الميكافيلي المعروف , والذي نتقول عليه ونأباه , لكننا في ذات الوقت نترجم سلوكيات " الضرورات تبيح المحذورات" , والتي تسببت بدمارات وخسائر فادحة للحياة والمجتمع والدين.
    وفي أيامنا المعاصرة , تتداولت الألسن والخطابات هذا المفهوم , الذي حوّل الحياة إلى سقر , والإنسان إلى حجر , والبشر ضد البشر , والجميع ينادي إلى أين المفر.
    فالمحذورات تبقى كذلك ولا يمكنها أن تكون غير ذلك , إلا فيما قل جدا وندر , والضرورات عليها أن لا تبيحها , لأن لها منافذ أخرى وآليات تحقيق غير التعاطي بالمحذورات.
    فقتل المسلم لأخيه المسلم من المحذورات , فأية ضرورة تجيزه , وأكل مال الآخرين ومصادرة حقوقهم من المحذورات , فبأي ضرورات يباح الإستحواذ على حقوقهم ومصادرة ثرواتهم , وغيرها الكثير من المحذورات التي أستبيحت بإسم الضرورات , وما وجدت ضرورة لأية إستباحة مهما صغرت أو كبرت , وإنما الذي نسف المنحذور هو النهج السقيم العدواني الكفور.
    ولهذا فعلى الفقهاء والغيارى أن ينهضوا بوجه الدعاوى الشاذة الظالمة الساعية لتدمير جوهر وجود الأمة , والنيل السافر من عقيدتها ومرتكزات دينها وقيمها وأخلاقها السامية الرحيمة الفاضلة.
    وإنْ بقيَ أولي المسؤولية والشأن على صمتهم وتغافلهم وجهلم , فأن الأمة ستقع في الهاوية السحيقة وتندثر تماما وتغيب , فما عاد للصمت مكان في حياة الأمة , بعد أن أسقطت الحركات المدعية بالدين كل محذور وأعلنت بقوة أنها الضرورات التي تمحق قيم الدين وتدمر ما يمت بصلة إليه , ولهذا فأنها ترتكب الفواحش والخطايات , وتشيع الأحزان والآلام والبؤس وتقهر الناس وتستلب وجودهم وتقودهم إلى ويلات المصير.
    فهل سينهض العارفون وذووا العقول والقول الراجح للتصدي لهذه المحنة الجلل العاصفة في أرجاء الأمة , وهي ترفع رايات الدين , وما تقوم به يتسبب بتداعيات مريرة تساهم في إعلاء شأن أعداء الدين , وتمنحهم الأدلة والمواد والمسوغات اللازمة لتكثيف الهجمة على الدين وأهله.

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media