ليس دفاعا عن وزير النقل كاظم فنجان الحمامي ولكن...!
    السبت 8 أكتوبر / تشرين الأول 2016 - 20:29
    رزاق عبود
    كثرت التعليقات، ورسوم الكاريكاتير، والطرف، والاحاديث الساخرة على صفحات التواصل الاجتماعي، وكتبت المقالات بعد تصريحات وزير النقل الجديد كاظم الحمامي عن "مطار" سومري قبل 5000 سنة في الناصرية. لا اتفق مع زلة لسان الاستاذ الحمامي، مثلما يصعب علي ايضا، ان اتقبل بعض التعليقات اللاذعة بحق مثقف عراقي، وكاتب حر، ومفكر جرئ، ومواطن شجاع تصدى لكل الاخطاء، وفضح الكثير من الفساد، والسلوكيات المخربة بجرأة متناهية، وخبرة مختص، ومعلومات دقيقة. يحق ،طبعا، لكل شخص ان يقول رأيه، ويعبر عن فكره، لكني اعتقد، ان هناك تسرعا في نهش الرجل، والنيل منه، كما يفشي الامر ايضا عن خصومات سياسية لاطراف بارعة في استغلال الهفوات مع انها طامسة حد الهامة في مستنقع الفساد، والاخطاء، والطائفية.
    اعتقد ان الكثيرين يعرفون الكابتن الحمامي، وقرأوا له مقالاته الغنية بالمعرفة والمعلومات، فهو مثقف موسوعي تناولت كتاباته الكثير من الفروع من الادب حتى السياسة، وما بينها من علوم وفنون. ارسل مقالاته في الفترة الاخيرة الى كثير من الصفحات العلمانية العراقية، والعربية، وحتى العالمية فهو يجيد الانكليزية، ولغات اخرى على ما اعتقد اجادة تامة. كما كان ضيفا على الكثير من قنوات التلفزيون، واليوتوب، وتحدث في البرلمان العرافي عن حدود وحقوق العراق في شط العرب والخليج العربي، وله الكثير من المولقف الجريئة، واعتقد انه اقترب كثيرا في افكاره، وطروحاته الاخيرة من المدنيين، والعلمانيين، ودعم المتظاهرين ضد الفساد، وهو عدو لدود للطائفية. لهذه الاسباب، كما ارى، اختطفه المجلس الاسلامي الاعلى من محيطه الجديد هذا، قبل ان يتخذ موقفا نهائيا. اعتقد ان الرجل لازال مستقلا فكريا، وهو تكنوقراط متمرس، ومحايد. "مشكلته" حبه العميق لعراقيته، وموسوعيته المعلوماتية. فليس كل العراقيين الحاليين، كما يعتقد الحمامي احيانا، هم احفاد سومر، واكد، واشور، وغيرها، او ورثة بابل، ونينوى، والوركاء، وغيرها من مراكز الحضارات العراقية القديمة. الموسوعية المعلوماتية اصبحت عالة على اصحابها في العصر الحديث. مع تطور العلوم، والفنون، والاداب، وامتزاج العالم، والتقاء الحضارات، وتقارب الشعوب، وتواصل الهجرات. لذا توجب التخصص في مجال معين، كما هو حال العالم المتمدن!
    لقد كتب الاستاذ الحمامي عن نفس الموضوع مقالا مطولا لازلت احتفط به، وكنت اخطط لكتابة رسالة شخصية له، او رد بسيط على استاذ وافر العلم، والمعرفة، والخبرة، والامانة العلمية. من الضروري الاشارة هنا الى ان الحمامي من اكثر، ان لم يكن اكثر الكتاب، الذين اقرأ لهم امانه في الاشارة الى المصادر، وعدم ادعاء المعلومة، فهو يتحدث عن المصدر، وينسب معلوماته دائما لاصحابها دون ادعاء، ولا تزوير، ولا زيف، وبتواضع جم. لهذا، اعتقد، ان الاستاذ الحمامي وقع في الخطأ، الذي اقام عليه الدنيا ولم تقعد بعد. فهو لفرط حبه للعراق، وتاريخه الحضاري، واعتزازه، وفخره به فاته القصد من النظريات الغربية عن "الكائنات السماوية" التي وصلت ارض سومر! لا اريد التفصيل في ذلك، لكن هناك "عالم" اثار امريكي من اصل روسي يستخف بقدرة الشرقيين، ويشك بامكانية عقولهم على ابداع مثل تلك الحضارات، فابتدع نظرية الكائنات السماوية. واعتقد ان هذه المدرسة يراد لها التوسع، والانتشار من قبل الصهيونية العالمية، ولاغراض معروفة، خاصة وان، ما يسمى قصة الخلق وجدت نصوصها على رقع الطين والفخار السومرية. (ارجو من المختصين تصحيح هذه المعلومة)! ذاك "العالم" من اتباع النظرية الفوقية الاستعلائية "الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان". وان لم يقل ذلك صراحة.
    اتذكر انني في ثمانينات القرن الماضي شاهدت مناظرة تلفزيونية بين اراء ذلك العالم المتعصب، ومدرسة الاستشراق السوفيتية، التي تعارض تلك النظرية، وتعارض نظرية وفكرة التفوق الحضاري للعقل الاوربي على العقل الشرقي. وقد حاول انصار تلك النظرية اختلاق تفسرات مختلفة لكيفية بناء الاهرامات الفرعونية في مصر، وانتهى بعضهم الى ان المصريين القدماء استعانوا ايضا مثل السومريين القدماء بمخلوقات فضائية. بعد اكتشاف حضارة "المايا" واهراماتها في البيرو، وغيرها نسب نفس الفريق تلك الابداعات لمخلوقات سماوية. في حين انهم لم يجدوا تفسيرات، وتخطيطات لاروع الكاتدرائيات التي بنيت في اشد فترات الظلام الاوربية. دون "ان يستعينوا بمخلوقات فضائية" مثل السومريين، والفراعنة، وحضارة المايا. في المقابل فلا يوجد شرقي واحد يشك في عظمة ذلك المعمار، او ينسبه لمخلوقات سماوية!!!!
    قبل فترة ليست بعيدة ظهر ذاك العالم متحدثا عن نظريته بفيلم وزع بحماس على الفيس بوك، واعتقد، انني كتبت وقتها تعليقا، بان هذا الفيلم ينتقص من قدرات شعوب الشرق القدماء. نشير هنا الى ان الهنود، والفرس ابدعوا بحضارتهم، وهم شرقيون ايضا. ولكن ان يعطى السبق لبلاد الرافدين، فهذا ما لايعجب بعض الدوائر.
    اعتقد ان زلة لسان الحمامي نابعة عن حماس وطني، وحب عميق للعراق وارضه، وتاريخه الحضاري، وفخره الدائم بذلك. واتمنى عليه ان يعيد دراسة نظرية المخلوقات السماوية. فنحن نعرف ان الكهنة القدماء كانوا ينسبون كل شئ لا يقدرون على الاجابة عليه الى السماء. وقتها يسكت العامة خوفا من اتهامهم بالكفر، او جدح الالهة. فألهىة اليونان تسكن السماء، وتتزاوج مع البشر احيانا مثل قصص الامراء، الذين يتزوجون من "العامة". كل الانبياء ادعوا ان كتبهم "سماوية" وانها "كلام الله" وهكذا. كان للقدماء تفسيرات اخري غير التي اثبتها العلم عن البرق، والرعد، والزلازل، والفيضانات، والهزات الارضية، وغيرها. الان اغلبنا يعرف تفسير هذه الظواهر، ومع ذلك لازال البعض يصر انها غضب من الله، او اعمال شيطانية. ونعرف القليل ايضا عن الديانة المندائية التي تؤمن بعالمين سفلي، وعلوي يسكنه الملائكة والصالحون. واغلب الاديان تؤمن بخروج "الروح" وتحليقها الى السماء. لقد اختلط الخيال الادبي، والعلمي، والفني، والديني في الحضارات القديمة. لهذا نحتاج الى علماء مختصين نزيهين موضوعيين للاجابة على كثير من الاسئلة، التي تخص تاريخنا، واهميته، وتأثيره عالميا، ودوره الحاسم في دحض الكثير من الخرافات، وهذا احد اسباب اغتيال علماء الاثار العراقيين القليلين جدا، واختطافهم، او اغرائهم بالسفر لدول اخرى.
    اثر حل نص على لوح اثري سومري حديثا علقت احدى المختصات البريطانيات، ان ما نعرفه عن الحضارة السومرية "قليل جدا" قد لا يتجاوز العشرة بالمئة، واضافت بحسرة "للاسف"! فكم نعرف نحن من يعيش على هذه الارض عن تراث وحضارة "الاجداد" الذين عاشوا هنا قبل عشرات الالوف من السنين؟ وما هو حجم الحسرة، ومقدار الاسف على قلة هذه المعرفة، بعد ان وقع مصير البد الحضاري بيد اعداء الحضارة والتطور!
    هذه ملاحظات عابرة، فانا لست مختصا، ولا باحثا بشأن حضارات وادي الرافدين العريقة، ولا ادعي صحة ما اقول، واتمنى ان يتولى المختصون مواصلة بحث، وتطوير الموصوع، والرد، والتوضيح العلمي، وليس السخرية فقط مما تحدث به الكاتب، والوزير الجديد كاظم الحمامي. ليته لم يقبل الوزارة فرغم ثقتي الكاملة بنزاهته، وقدرته، واخلاصه، واملي ان ينجح في مهمته، لكني افتقد كتاباته منذ ان استوزر.

    رزاق عبود
    5/10/2016
    razakaboud@hotmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media