السياسة من الشيعة حتى الوهابية إلى الإرهاب «1»
    الأربعاء 19 أكتوبر / تشرين الأول 2016 - 21:24
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    لابد من قراءة تاريخنا الإسلامى من زاويته السياسية، لنعرف أن الخلاف على الحكم كان سببا فى ظهور الاتجاهات الفكرية والفرق الإسلامية، وأن أصحاب الاتجاهات والحكام قد تقاسموا الغنيمة والمكسب، ومساندتهم ومؤازرتهم بعضهم بعضا كان لمصلحة مشتركة بين الطرفين. لقد زيفوا تاريخنا كله، وأضلونا الطريق، وأقاموا بناء عازلا بيننا وبين الحقيقة أول من أقامه الأمويون، وزاده العباسيون انعزالا وارتفاعا. وكبرت البناءات وتكاثرت وحجبت عيوننا عن الصواب، ووقفنا حيارى بين الحكم ونقيضه، بين الدعاء للناس وعليهم بالخير وبالشر، وبين الدعوة بالعدل للبعض وبالظلم على البعض، وبين حب الحياة لنا والموت لغيرنا، وكل طرف منهما على بصيرة ممسك بصحة فتواه وحكمه، واحتار الناس بين الموعظة الحسنة أو قتل المشرك أينما وجده وثقفه، وبين لكم دينكم ولى دين وبين الدين عند الله الإسلام، وبين قتل المشركين كافة وبين من شاء منهم فليؤمن ومن شاء منهم فليكفر، ووقفنا عاجزين بين العقل والنقل، وبين خصوصية اللفظ وعموميته، وبين سبب النزول أو إطلاق الحكم، فتاهت خطى الطريق، واحتار الناس فى الفهم فغلب البعض منا الحيرة وانصرف عنا، وغلبنا البعض بالقوة والقسوة فانصرفت عقولنا عنهم، وغلب البعض منا نفسه ولزم الجماعة واحتمى بها وأغلق عقله عنا.

    فلم يكن الخلاف يوما على الدين أو على شعيرة، لكن الخلاف كان سياسيا بامتياز، حتى الخلاف مع مانعى الزكاة بعد وفاة النبى كان خلافا سياسيا وصراعا على الحكم، وحكمه السيف فى النهاية. كل الخلافات السياسية على الحكم كانت سببا مباشرا فى ظهور الاتجاهات الفكرية والفِرق، ولم يكن تبنى فكرة الجبر «الجبرية»، من بنى أمية إلا تعزيزا لحكمهم، وسندا لاختيارهم للحكم من عند الله، ولا دخل لإرادة الناس فيه، ولا حق لأحد فى الخروج على مشيئة الله، ولم يكن تبنى أهل الشيعة لفكر «الاختيار» إلا دعوة للخروج على حكم بنى أمية، لأن الإنسان مخير فى القبول، وليس مجبرا عليه، ومادام العقل مناط التكليف فهو مناط التغيير والرفض، ولم يكن تبنى الخليفة المأمون لفكر المعتزلة، أو محاربة الخليفة المعتصم أخيه لهم وقتلهم وتبنى مذهب أهل الحديث إلا توطيدا لحكم كل منهما على ركيزة مذهبية، ولم يكن احتضان الأمير عبدالعزيز للفكر الوهابى إلا وسيلة للوصول إلى السيطرة والهيمنة على الجزيرة العربية بلباس دينى، واتفاقا فى المصالح. إن جذور هذه الفرق والاتجاهات الفكرية ضاربة فى أرض من اثنتين إما أرض يمتلكها أهل الشيعة أو أرض يمتلكها أهل السنة. وأؤكد للقارئ العزيز أن خلافات الفرق الإسلامية وإن علا صوتها، تختفى وراءها سياسة الحكم، سواء ظهرت أمام عينيك أو اختفت، لكنها حاضرة تسيّرها على هواها ووفق إرادتها، وهذا هو السبب الرئيسى فى المطالبة بإبعاد الدين عن السياسة، لأن ما حدث فى تاريخنا من دمار وخراب هو هذا التلاقى فى المصالح بين حاكم يؤبد فى الحكم وسلطة دينية تسيطر وتستعبد عقول الناس. معا حتى نصل إلى تاريخ الفكر التكفيرى الذى نعانيه الآن، ونبدأ من الشيعة إلى المرجئة إلى أهل السنة والمعتزلة والأشاعرة، والوهابية وهى معين كل أهل التكفير على الساحة الآن.

    نبدأ معا.. انقسم المسلمون بعد الفتنة الكبرى ومقتل على وآل بيته وإقامة الدولة الأموية إلى اتجاهات فكرية شتى:
    أولا- «الشيعة».. وهى الطائفة التى تنتصر وتوالى الإمام على وآل بيت النبى وعترته المطهرة، ويتبنون أحقية وأفضلية آل البيت فى خلافة المسلمين، وأن أبا بكر وعمر وعثمان اغتصبوا الخلافة منه قهرا مخالفين وصية ونص الرسول، والإمامة تكون نصا وليس وصفا وكل إمام يعين الذى يليه، ويستدلون بأن النبى قد نص على الإمامة لعلى، وعلىّ قد نص عليها للحسن ومن بعده للحسين، والإمامة فى عقيدتهم ليست قضية للعامة تحكم فيها، وتنصب برأيها إمامهم، بل هى قضية أصولية، وركن من أركان الدين، من تركها فقد ترك الدين ومن أقامها فقد أقام الدين، ومنهم الشيعة الإمامية (الاثنا عشر إماما) أولهم الإمام على وآخرهم محمد المهدى بن الحسن العسكرى (الإمام المنتظر)، ومنهم الشيعة الزيدية وهى أقرب مذاهب الشيعة إلى أهل السنة وترجع إلى مؤسسها زيد بن على زين العابدين بن الحسين، ولقد صاغ نظرية مختلفة فى الحكم عن بقية فصائل الشيعة فقد رأى صحة اختيار أبو بكر وعمر وعثمان للخلافة على الرغم من وجود الأفضل منهم وهو على بن أبى طالب درءا للفتنة، وتعرف (بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل) والشيعة الكيسائية والشيعة الإسماعيلية. لا خلاف بين الشيعة والسنة فى العقائد والأحكام، لكن الخلاف فقهى ومن أفكارهم ومعتقداتهم «الإمامة» كما ذكرناها، و«العصمة» للنبى والأئمة والأولياء، «والرجعة» وهى رجوع الإمام المهدى، و«التقية» وهى أن يظهر الإنسان عكس ما يبطن وتقابلها المعاريض عند السلفية، وعندهم ركن من أركان الدين، و«المتعة» زواج المتعة، وهى خير العادات ولم يحرمه الرسول فى حياته. أما الخلاف حول الصحابة، فعند أهل السنة كلهم منزهون ويجب الاقتداء بهم، وعند الشيعة مسألة نسبية، والأذان ونداء فيه على ولى الله، وخير العمل، وكذلك الصلاة بإطلاق اليدين وهذان خلافان فى الشكل فقط، فلا يبطلان صلاة ولا يقيمان خلافا.

    وإلى الخميس القادم.

    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media