كوارث التعليم عندنا!
    السبت 29 أكتوبر / تشرين الأول 2016 - 05:47
    سالم مشكور
    إعلامي ومحلل سياسي
    اضافة الى معضلاته و»عوقه» المزمن، فان التعليم في العراق لا يتخلص من أزماته السنوية المستمرة المتعلقة بتوزيع الكتب المدرسية. كل الدول الطامحة الى التطور تعطي الاولوية للتعليم، ونحن نتفنن في وسائل اضعافه ودفعه الى مزيد من التدهور، وتبعا لذلك، تزايد انحدار المجتمع الى الجهل وما يتبعه من توسع الجريمة والارهاب.  تعمد الدول المتحضرة الى ابقاء قطاع التعليم بعيداً عن سياسات التقشف وعصر النفقات، حاله حال الامن، لترابطهما موضوعياً، أما نحن فنستخدم أقصى ما نملك من ذكاء «مشيطن» لاضعاف هذا القطاع. انظروا الى حال مدارسنا ومستوى طلابنا. أزمات التعليم في العراق متعددة الاشكال تبدأ من المناهج التعليمية، وأعني بذلك فلسفة التعليم وأساليبه، وليس الكتاب المدرسي. ما زلنا نعتمد منهج التلقين وحقن المعلومات في المخ، فيما غادر هذا المنهج كل العقلاء الذين رأوا عدم جدواه، لصالح منهج آخر يعتمد على تشجيع التلميذ على التفكير والبحث باستخدام المعلومة التي توضع أمامه، دون اشتراط انهاك الدماغ بتخزينها. لذلك نرى تلاميذنا يتخرجون من الجامعة وهم لا يجيدون سوى الحفظ من أجل الامتحان الذي يشكل الهدف من الدراسة، وتنتهي المعلومات من الاذن بعد الامتحان مباشرة.

    من أزمات قطاع التعليم عندنا، عدم الاهتمام بتوفير المتطلبات الانسانية في أغلب المدارس. بنايات مهترئة وزجاج متحطم، وغياب للتبريد صيفا، والتدفئة شتاء، ناهيك عن الوضع المأساوي الذي تشهده المرافق الصحية لكثير من المدارس التي يفتقدها بعض المدارس، فيلجأ التلاميذ الى البيوت المجاورة للمدرسة لقضاء حاجاتهم. هل يعقل هذا في بلد مثل العراق وفي القرن الحادي والعشرين؟.

    ومن أزماتنا المزمنة في قطاع التعليم، الكتاب المدرسي (وهو المقرر وليس المنهج الدراسي كما يسميه الكثيرون). دعك من المضمون الذي يخضع لكثير من الاعتراضات، فان تأخر هذا الكتاب عن التوزيع سنوياً يشكل معضلة مستمرة تعجز العبقرية التي تبتدع أشكالا متجددة للسرقة والابتزاز عن حلّها. لا أدري لماذا تتأخر الاحالات لطباعة الكتب المدرسية كل عام؟. لماذا لا تطبع قبل عام مثلا وتكون جاهزة عند بداية العام الدراسي؟. البعض يتحجج بأن الطباعة تتم في الاردن وان سوء الوضع الامني يساعد على تأخير وصولها. تبرير يحمل الكثير من الادانة لاصحابه ولوزارة التربية، بدءاً من الوزير، المسؤول الاول عن الفساد والتأخير. أول سؤال يطرح في هذا المجال: لماذا تتم الطباعة خارج العراق أساساً؟ ولمصلحة من يتم ذلك؟. البعض برّر بأن المطابع المحلية لا تقدم الجودة والكفاءة المطلوبة. هذا ادعاء باطل تنفيه حقائق على الارض. شخصيا قابلت أصحاب مطابع حديثة عملاقة، استوردوها بملايين الدولارات، لكنها باتت طعما للغبار والصدأ، بسبب انعدام الضمير الذي يميته المال الحرام عند المعنيين. عشرات المطابع متوقفة، وآلاف العمال عاطلون عن العمل، فيما يقوم «فلان» باحتكار طبع ملايين الكتب المدرسية خارج العراق كل عام. وليتها تصل في وقتها.

    الكارثة أن هذا الكلام يطرح كل عام، والفساد موجود في عملية طباعة الكتب المدرسية مستمر منذ ثلاثة عشر عاما، ومطابعنا العراقية تواصل بطالتها، ولا أحد من المسؤولين يحرّك ساكناً، في بلد تعني الحرية فيه ان تصرخ وتكشف فساداً بقدر ما تريد، لكن لا أحد يسمع، وإن سمع لا يتحرك لمعالجته ووقفه.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media