ج 1 /قراءة في كتاب سايكولوجيّة الجماهير/غوستاف لوبون
    الأثنين 7 نوفمبر / تشرين الثاني 2016 - 22:07
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    ترجمة :هاشم صالح
    الطبعة العربية : دار الساقي 1991

    مقدمة المترجم:
    علم التحليل النفسي الذي أسّسهُ (سيغموند فرويد) قائم على إستبطان الذات الفردية لا الجماعيّة ,لتشخيص العُقَد النفسيّة التي ربّما بدأت في الطفولة ,تمهيداً لتحليلها ثمّ علاجها إنْ أمكن ذلك!
    بينما (علم النفس الإجتماعي) وهو غير معروف لدينا كثيراً رغم أنّه أصبح أحد العلوم الإنسانيّة الأساسيّة ,كعلم الإجتماع وعلم النفس وعلم الأنتروبولوجيا (الإنسان) وعلم الإتنولوجيا (الإناسة أو الشعوب) وعلم الألسنيّات ..الخ .هذا العِلم متطوّر جداً اليوم في الولايات المتحدة ,بينما مؤسسيه الأوائل هم الفرنسيّون وبالذات صاحب الكتاب الذي نحن بصددهِ
    غوستاف لي بون   Charles-Marie Gustave Le Bon
    هدف هذا العِلم دراسة الصراع الناشب بين الفرد والمجتمع كمرحلة أولى!
    أي حالة إنسجام الفرد إجتماعيّاً (ليصبح كائن إجتماعي),أو شذوذهِ عن خط المجتمع!
    اليوم هناك تكامل (وليس تناقض) بين العِلمين المذكورين أعلاه!
    لأنّ علم النفس الفردي يكملّه علم النفس الإجتماعي,فمن المستحيل تقريباً عزل السلوك الفردي عن الوسط الإجتماعي الثقافي المحيط به!
    كما أنّه ليس صحيحاً حرمان الذات الفرديّة من نواياها الخاصة ومشاعرها الذاتيّة ,فكلا الجانبين في حالة تداخل وتفاعل /أو تصادم وتنافر!
    من جهة أخرى وحسب إتفاق علماء النفس (بما فيهم فرويد) ,أنّ الفردَ ما إنْ ينخرط في جمهورٍ (معيّن) إلّا ويكتسب سمات خاصة لم تكن موجودة فيه ,أو ربّما كانت موجودة لكنّها خاملة ساكنة لايجرؤ على البوح بها!
    (راقب مثلاً سلوك الفرد العادي عندما يشترك مع مجموعة من الغوغاء الذي أشارَ إليه عالم الإجتماع العراقي د.علي الوردي/ كاتب السطور)!
    إذاً عِلم النفس المُطبّق على الجماعات يختلف من حيث المنهج والنتائج عن عِلم النفس الفردي ,وبالتالي له خصوصيتهِ المشروعة!
    عِلماً أنّ وسائل العَمل التي يستخدمها عِلم النفس الإجتماعي هي الروائز أو (المعايير) الخاصة بعلم المقاييس النفسيّة ,کـ (دراسة درجة الذكاء مثلاً) والإستفتاء والمقابلات والتحريّات الميدانيّة والتجارب المختبرية!
    وهناك ملاحظة جديرة بالإنتباه :هي أنّه ينبغي علينا التفرق بين:
    1 / عِلم النَفس (الجَماعي) Psychologies collective
    2 / عِلم النفس (الإجتماعي)  Psychologie sociale
    فالأوّل هو فرع من الثاني ,وكثيراً ما يُدرَس كآخر فصل من فصولهِ!
    وفي الماضي كان يعتبر شيء ثانوي.إنّما من الصعب في عصرنا إهمال مثل هذا العِلم ,حيث كلّ شيء يُعبّر عن نفسهِ بواسطة الكمّية والعدد
    (كالإقتصاد والدعاية والإعلان والآيدولوجيّات السياسيّة والحزبيّة والنقابيّة والدينيّة والثورات والإضطرابات الإجتماعيّة التي تصنعها الجماهير)!
    بالإضافة الى مسألة هامة هي تلك الجاذبيّة الساحرة (الكاريزما) التي يمارسها بعض القادة الدكتاتوريين على الجماهير,بحيث تبدو الغالبيّة كأنّها في غيبوبة مُنجذبة ومؤيّدة (أو منبطحة) لكل مايقوله الزعيم (الأوحد)! 
    كلّ هذا وأكثر يندرج تحت إطار عِلم النفس الجماعي.لذا فهو عِلم مهم وخطير ينبغي الإهتمام به!
    ***
    ص 14 / عِلم الجماهير بين الآيدولوجيّات الدينيّة والسياسيّة!
    فيما مضى كانت الآيدولوجيّات الدينيّة هي التي تهيّج الجماهير وتجيّش الجيوش كي تنخرط في الحركات الكبرى (كالحروب الصليبيّة أو الدعاية العباسيّة التي قلبت الدولة الأمويّة .. الخ)!
    لكن بعدما تعلمنَت أوربا في العصور الحديثة فقد حلّت الآيدولوجيّات السياسيّة (عبر الأحزاب والنقابات) محل الدينية في القيام بتلك المهمة!
    في أوربا بدل الحروب الدينيّة بين البروتستانت والكاثوليك حلّت الحروب السياسيّة العِلمانية بين الأحزاب الإشتراكية والليبراليّة!
    لكن خارج أوربا (في البلاد غير المُلعمَنة) شهدنا مؤخراً تجيشاً كبيراً للجماهير بواسطة الدين!
    كان (عِلم الجماهير) في بدايته يهتم فقط بالحركات الإجتماعيّة عموماً (الفتنة ,الهياج الشعبي ,الإضرابات والتنظيمات النقابيّة والعماليّة).
    إضافةً لإهتمامهِ بالحروب الصليبيّة التي جرت في الماضي!
    لكن في عصرنا الراهن وبالاخص خلال العقدين الأخيرين راح بعض الباحثين يهتمّون بظاهرة جديدة هي الجماهير السياسيّة المؤطرّة!
    ***
    ص 15/ أهميّة الجماهير!
    على إثرِ أعمال غوستاف لوبون وفرويد وتارد ,ظهرَ باحثون جُدّد إهتمّوا بدراسة هذه الظاهرة من أمثال:
    عالِم الإجتماع الفرنسي جان بودريار وكتابهِ في ظلّ الأغلبيّات الصامتة!
    ثمّ .. بول أديلمان وكتابهِ إنسان الجماهير!
    ثمّ .. سيرجي موسكوفيتشي وكتابهِ عصر الجماهير!
    كلّ هؤلاء الباحثين يطرحون (لكن بأساليب مختلفة) سؤالاً مُحدّداً يتعلق بهذه الظاهرة الجديدة التي تدعى الجماهير.ثمّ يتسائلون عن كيفيّة صعودها القوي على مسرح الأحداث في التأريخ المُعاصر!
    كما أنّ القادة المُحركين للجماهير من أمثال هتلر ,موسيليني ,ستالين ,ماوتسي تونغ ,غاندي (وأنا أضيف جمال عبد الناصر/كاتب السطور)
    كلّ هؤلاء قد أصبحوا موضع تساؤل!
    السؤال الذي يطرحهُ عِلم الجماهير أو عِلم النفس الجماعي هو :
    كيف أمكنَ لهؤلاء القادة أنْ يجيّشوا الجماهير بمثل هذا الحجم؟
    بالطبع لم يعد الباحثون اليوم يهدفون من بحوثهم لإكتشاف طريقة لمعرفة كيفيّة السيطرة على الجماهير والتحكّم بها (كما فعل غوستاف لوبون)!
    إنّما يهدفون بالدرجة الأولى الى دراسة الشروط التي تجعل إنبثاق ظاهرة الجماهير مُمكنة في هذا البلد أو ذاك ,في هذا الظرف الزمني أو ذاك!
    تلك الشروط أو الظروف التي قد تؤّدي الى توليد أشكال من الحُكم مختلفة تتراوح بين الديمقراطيّة الليبراليّة والديكتاتوريّة المُستبدّة!
    (سأكتفي الآن بهذا الشطر لتعريف القاريء بالكتاب وقد أُكمل لاحقاً)!
    ***
    الخلاصة :
    في الواقع أنا أجد هذا الموضوع الأخير ,أقصد (شروط إنبثاق ظاهرة الجماهير في بلدٍ ما) مُهّم ومُنقذ لنا (في البلاد البائسة) في آنٍ معاً!
    مُهم : لنفهم طبيعة وسذاجة مُجتمعاتنا عموماً ,وكيف يسهل خِداعها والسيطرة عليها من القادة السياسيين أو الزعماء الدينيين (خميني مثلاً) وطرقهم الخبيثة التي يتبعونها (الخطاب الديني أو القومي أو الوطني العاطفي ,أو خطاب التحدّي والموت الزؤام لكل مخالف ومُعارِض ,أو حتى التسمية كحزب الله وجيش الله وجيش محمد ...الخ)!
    و مُنقذ :لنتحرّر من عقدة نظرية المؤامرة التي نستسلم لها بتفسير جميع مايدور حولنا على ظهر هذا الكوكب الأزرق ,بدءً من إرتفاع سعر السكر والوقود ,مروراً بجائزة نوبل العالميّة ,وصولاً الى ثورات الربيع العربي التي تحوّلت (بفضل عقيدة شعوبنا الشموليّة) الى خريف إسلامي دموي دفعت الكثير للترحم على زمن الطغاة الأوغاد أمثال صدام (أبو حفرة) والقذافي (أبو بالوعة) !

    [ إذا كان الشعبُ هنا ,فويلٌ للسالكِ دروب البحث ] نيتشة !


    7 نوفمبر 2016
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media