لماذا سيقصفوننا بالخطأ دائماً، ولن يقصفوا سوريا؟
الأحد 13 نوفمبر / تشرين الثاني 2016 - 16:21
صائب خليل
قصف داقوق تثير نفس السؤال والتعجب الذي طالما اثارته الأجهزة المزيفة لكشف المتفجرات في العراق، وهو سؤال يطرح بألم وغضب كبيرين، بحجم التوابيت ومشاهد البقايا التي نقلت صورة الجريمة: "إلى متى ستستمر هذه المهزلة المأساوية؟ إلى متى تبقى دماؤنا تسيل من جرائها؟". فمثلما يعلم كل العراقيون، ومن اول لحظة، بأن أجهزة كشف المتفجرات لم تكن إلا مؤامرة على دمائهم، وأنه لا توجد أجهزة ولا "بطيخ" بل علب فارغة تكشف مهزلة مرعبة، عرفنا منذ اول قصف أمريكي "بالخطأ" بأننا امام جريمة كبرى مع سبق الإصرار والترصد، مثلما عرفنا منذ اول إنزال مساعدات أمريكية لداعش "بالخطأ" أن الأمريكان إنما يدعمون قطعاتهم الإرهابية التي جهزوها بالمعلومات والأسلحة وسمحوا لها ان تسير تحت شمس الصحراء بين سوريا وتركيا والعراق تحت حماية طائراتهم.
ليس هناك أي "خطأ" في الموضوع، في أية حالة من الحالات. كلها أجزاء دقيقة التصميم والتنفيذ من مؤامرة القتل التي يعملون عليها. ورؤساء حكوماتنا ووزراء الداخلية وكبار ضباطها وضباط الجيش المتواجدين في المناصب الحساسة، جزء من تلك المؤامرة. مؤامرة لا تبحث عن المال والكسب، بل تتجه مباشرة إلى الدماء والتدمير والخراب.
إنها اختراعات اخترعها الامريكان أو من يعمل الأمريكان وفق اجندتهم، ومن الطبيعي ان تنزل بنا الخسائر قبل ان نكتشفها مثل أي اختراع في اية حرب، لكنها لا تستمر في الإيغال في الدم إلى الأبد، لأن المقابل سيكتشف ما يوقفها. فلماذا تستمر هذه الأسلحة والتكتيكات في عملها بالفتك بنا دون ان نجد لها حلا مضاداً يوقفها؟ ولكن هل يوجد بالفعل سلاح مضاد لها، ام انه مقدر لنا ان نمضي الى نهايتنا تحت ضربات هذه القوة الجبارة المصممة على فنائنا؟ وهل لهذا القتل من نهاية أم انه سيستمر إلى نهايتنا؟ هل ستخف حدته أم ستزيد؟
علق صديقي شيروان محمد على قصف داقوق بسخرية مرة: "ألن يقصفوننا بالسلاح النووي "بالخطأ" يوماً يا ترى؟". ولم لا، مادام ليس هناك رادع في العالم لهم؟
أم أن هناك رادع لكننا لا نراه؟ دعونا نرى ما فعلت الضحايا الأخرى لهذا الوحش، والتي يستهدفها قتله كما يستهدفنا، وأعني بهم السوريون. فقبل أسابيع قليلة قامت اميركا بقصف القوات السورية في دير الزور ونسقت مع داعش المحاصرة، لتهاجم فور انتهاء القصف، كما بينا في منشور سابق. فماذا فعل السوريون؟
لم يتركوا احداً في الأرض لم يخبروه بالجريمة! قاموا هم وصديقهم الروسي بالشكوى لدى مجلس الأمن، وقالوا بصريح العبارة أن القصف لم يكن بالخطأ وقدموا الأدلة على ذلك ونشروها بمختلف اللغات ووسائل الإعلام، حتى أني كتبت عنها عدة منشورات صغيرة اسهاماً في فضح الجريمة. وحار الأمريكان بإيجاد جواب يقنع العالم بأن الأمر كان بالخطأ. فالأدلة قدمت، والصور نشرت، والعالم كله يعلم ان أميركا عدو للحكومة السورية. لم يجد الأمريكان جوابا سوى الرد الضعيف: "من السخف اتهام اميركا بالقيام بهذا عمداً"! لكن العالم كله سمعها: "من السخف ان نصدق ان هذه بالخطأ"!
والآن ما الذي سيحدث لو تكرر الأمر ثانية؟ عندها ستثبت الجريمة عليهم وقد تكون لها تداعيات غير محمودة في داخل الولايات المتحدة على "محور الشر" الأمريكي، ويحتمل الا يبقى أمام "اصدقاؤهم" في الدول الأخرى إلا التخلي عنهم في هذه الأزمة. يعني أن "البطانة" قد تكون "أغلى من الوجه" كما نقول في المثل العراقي.
وماذا عن العراق؟ الصمت يخيم على العالم بعد كل قصف "بالخطأ" بـ "نيران صديقة". نعم تحدث ضوضاء داخلية، لكنها لن تصل إلى الخارج. لن يشتكي أحد عليهم في الأمم المتحدة، ولن تردد وسائل الإعلام باللغات المختلفة صرخة العراقيين كما تفعل مع السوريين. فما السبب في ذلك، رغم ان لدينا "ديمقراطية" يفترض أن توصل صوتنا بأفضل مما في الدكتاتوريات؟ ما هو الفرق الحاسم بين الحالتين؟
الفرق هو أنهم في سوريا لا يمتلكون رئيس وزراء وضعه الأمريكان نفسهم على رأسه حكومتهم. الفرق ان اعلامهم لم يتأسس من جهات مجهولة مازالت تدفع تكاليفه. الفرق ان قادة فرقهم لم يوضعوا في مواقعهم بتوصية من السفير الأمريكي ولا وزير دفاعهم يمر من فلتر الرضا الأمريكي.
والفرق أن السوريين ليس لديهم "معاهدة صداقة" مع الأمريكان، تعمي شعبهم وتعمي العالم عن رؤية الدور الحقيقي لأميركا في بلادهم، وبالتالي فلن يصدق أحد ان تلك النيران، "نيران صديقة"!
والفرق أن لدى السوريين "أصدقاء" لهم معهم مصالح مشتركة، لا يوجهون لهم "نيرانا صديقة" ولا يلقون بالعتاد لداعش عندهم "بالخطأ". والفرق هو انهم ليس لديهم رئيس أو رئيس هيئة ينكر الحدث ويدافع عن الأمريكان، ويرفض تحقيق اللجان البرلمانية، إن انزل الأمريكان المساعدات لداعش عندهم!
اصدقاؤهم لا يعملون بأجندة تهدف لتدمير البلاد، ولم يخططوا يوما بشكل متعمد ودقيق لتدمير شبكة مياه الشرب للشعب الذي يريدون "إنقاذه"، ولا تركوا له بقايا ذخائر اليورانيوم المنضب لتنشر السم في ارضه، على سبيل الأمثلة لا الحصر.
رغم ذلك من الصعب أن نقول إنهم لن يقصفوا الجيش السوري "بالخطأ" مرة ثانية، فالأمريكان كالثور الهائج في مخزن الخزف، كما يقولون، ولا يتورعون عن شيء، لكن احتمال قصفنا بالمزيد من "الأخطاء" منهم يزيد كثيرا عما يحتمل أن يفعلوها مع سوريا. قد يفعلوها، ولكن هناك فرق.
الفرق هو بـ "رد الفعل" على الجريمة، وما اهزل رد فعلنا!
خذوا مثلا: نحن نعلم جميعا ان قوات برزاني هي قوات معادية لم تدرب وتسلح (من قبل إسرائيل في معظم الحالات) إلا لمقاتلة الجيش العراقي. ونعلم انها سرقت أسلحة الجيش العراقي عام 2003 وفيما بعد بالتعاون مع داعش وأنها تحتل أراض بلغت ما يساوي أراضي كردستان، واحتلت كركوك واستولت على نفطها واحتلت قرى عربية وهجرت سكانها. ونعلم أيضا أن عراب الدمار للربيع العربي يتجول في كردستان اليوم، ورغم ذلك فإن رئيس حكومتنا يرحب بهم للمشاركة في "تحرير الموصل" الذي لا يخفون اطماعهم فيه، فما كان رد فعلنا؟ لا شيء!
فهل من عجب ان يطلب برزاني من العبادي تأجيل الهجوم، ريثما تكمل داعش تدمير الجسور والفنادق براحتها وتنسحب؟ وهل من عجب ان يستجيب العبادي لذلك؟ وهل من عجب ان لا نجد أحداً عندما يقتحم حشدنا وجيشنا المدينة، كما فعل في تكريت والرمادي وغيرها؟ لماذا استمر نجاح انسحاب داعش من مدينة تلو الأخرى؟ لأنه لم يكن هناك رد فعل على اكتشافنا للمؤامرة في تكريت! ولماذا استمر ابتزاز كردستان لنا؟ لأننا فشلنا في إثارة رد فعل على نهب الـ "17%" وما تلاها من سرقات علنية. لماذا يستمر دعم الأردن بالنفط ويوقع العبادي على "تطويره" رغم الأزمة العاصفة التي تمر بالعراق دون الأردن؟ لأننا فشلنا في إثارة "رد فعل" لدى الناس عليها! لماذا يستمر العمى الشعبي عما يجري في البرلمان ومن الذي يصوت بنعم أو لا على أي قرار؟ لأننا فشلنا في إثارة "رد فعل" على التصويت السري وعلى حرمان الشعب من قوائم النواب المصوتين، والتي يحصل عليها كل شعب من الشعوب لديه برلمان في العالم!
إن الخطأ والفشل عندنا لا ينتج كارثة واحدة ليتم إصلاحه ووقف أذاه، بل سلاسل طويلة، ربما لا نهاية لها من الكوارث، والسبب دائما هو "افتقاد رد الفعل". من يراقب ما يجري في العراق، يجد أن المهمة الأساسية لكل رؤساء الحكومات العراقية، هي "الامتناع عن رد الفعل"، بل ومنعه. ولا يقتصر ذلك على العراق، بل كل مكان تواجد فيه رئيس بلد بتأثير امريكي او إسرائيلي.
لقد اشتكى الرئيس الفلسطيني عام 2010 في التلفزيون الإسرائيلي بمرارة بأن الاحتلال الإسرائيلي "أرخص احتلال في التاريخ" لأنه يمارس صلاحيات الاحتلال دون ان يقوم بواجبات المحتل. وطبيعي أنه لو سأل عباس نفسه عن السبب، لوجده في شخصه! فلولا أن لدى الفلسطينيين "أرخص رئيس في التاريخ" لما أتيح لإسرائيل ممارسة "أرخص احتلال في التاريخ"!
والحال عندنا اليوم هو الحال. فلأننا نملك "أرخص رئيس حكومة في التاريخ" فدماؤنا "أرخص دماء في التاريخ"! ومادام الشعب والحشد صامتين عن العبادي والفياض على رئاستهم، فعلينا ان نتوقع استمرار القصف "بالخطأ" من "النيران الصديقة" مثلما استمر استعمال أجهزة كشف المتفجرات دون مشكلة تزيد عن بعض "الدردمة". سيفكر الامريكان مرتين قبل ان يقدموا على "خطأ" جديد في سوريا، أما في العراق "الصديق" فلهم ان يعتمدوا على رجالهم فيه. تذكروا ذلك في "القصفة الصديقة" القادمة والقادمة والقادمة لا محالة. لم لا؟ فطالما لا يوجد رد فعل كاف، لا يوجد سبب لتوقف السلسلة، بل لا يوجد ما يمنع من الزيادة.. وليس مستحيلا ان تتحقق نبوءة صديقي شيروان يوماً، ونقصف "بالأسلحة النووية الصديقة".. لم لا؟