واغرب ما في الأمر هو تعهد الأمم المتحدة "بحماية الاتفاق "السياسي - المجتمعي"، ومعاقبة اي طرف داخلي أو خارجي يحاول عرقلة إعلانه."!! فمن هي الأمم المتحدة لـ "تعاقب" من يعترض على برنامج ترعاه في اية دولة كانت؟ وكيف تفرض رؤيتها بهذه الطريقة على شعب اية دولة؟ هل هذا ضمن ميثاقها؟
والأمر الظريف الآخر في هذه "الأمم المتحدة" الغريبة، انها تعهدت بتقديم "جهة سياسية سُنية موحدة" للتوقيع على الوثيقة! إنها أسئلة ستكشف لنا بعد قليل عن أية "أمم متحدة" نتحدث.
لهجة التهديد الغريبة التي تمارسها "الأمم المتحدة" لإسكات المعترضين على مشروع عمار الحكيم، تتطلب منا ان نسأل: من المقصود بـ "الأمم المتحدة" هنا؟ صحيح أن المنظمة مستمرة في الانهيار والتحول الى عصابة أمريكية منذ زمن طويل، وإنها وصلت اعلى مراحل التواطؤ مع أميركا، لكن هناك ما هو أكثر وأخطر بكثير. فالحديث هنا عن "يونامي" أي "بعثة الأمم المتحدة في العراق". ولكي نعرف من يقوم على هذه البعثة يمكننا مراجعة مقالة "سعد السعيدي" المعنونة " مبعوثو الأمم المتحدة في بغداد من اشد مناصري اسرائيل؟"(2)، وفيها نقرأ عن ممثل الأمم المتحدة الحالي في العراق، السلوفاكي يان كوبيش، الذي يصرح بأنه "يشعر بالفخر للصداقة مع اسرائيل وان لا مشكلة لديه لتأكيد هذا الامر للفلسطينيين!"(3). وان للخارجية السلوفاكية بقيادة كوبيش دور فعال في تمرير القرارات المعادية لإيران في مجلس الامن. وانه "يشاطر اسرائيل في قلقها من إيران ويقف مع اسرائيل ضدها"، ويزور المستوطنات لإبداء التضامن معها.
ولا يقتصر الأمر على كوبيش، بل ان الأمر كان كذلك، إن لم يكن أسوأ، عند سلفه البلغاري نيكولاي ميلادينوف. والذي كان يهتف بأن "اي عدوان على إسرائيل، هو عدوان على بلغاريا"(4). ودعم إسرائيل في هجومها على سفينة "مرمرة".
ويلوم سعد الخارجية العراقية ويتهم زيباري (حينها) بالتواطؤ بعدم تدقيق خلفيات الدبلوماسيين، وطالب العبادي بطرد ممثل الأمم المتحدة هذا لخطورته، وسأل: " الا تخجل الخارجية العراقية من هذا الاختراق؟ اية دولة تكون هذه التي كأنما تسير على القدرة؟"
هذا يفسر الأمر إذن، ونفهم من يدعم مشروع عمار الحكيم ويقوم بـ"تهديد" من يعترض عليه، فهو مشروع بين إسرائيل التي تتنكر بشكل بعثة أمم متحدة في العراق، والمجلس الأعلى. ولم يعترض على هذا احد من التحالف الوطني بل شاركوا المؤامرة وبضمنهم الصدريين، الذين يكادون يعارضون كل مشاريع التحالف، فعبد الأمير الكناني يجتمع مع هذه "الأمم المتحدة"(!) للتنسيق مع مشروعها!
لكن "المبادرة" تعاني من مشكلة على ما يبدو، وهي كما وصفها "مستشار" عمار: "عدم وجود ممثل واضح للعرب السنة في العراق"! ولا يفسر المستشار هذا الأمر، كما يفترض عقلا، بأن هذا يعني ضعف المشاعر الطائفية للسنة، وأن السنة في العراق يعتبرون أنفسهم عراقيين فقط، على عكس ما يشاع عنهم من طائفية حاول الكثير حشرها بهم بنجاح متقلب. لم يفسر هذا بأن الشعور الطائفي السني لم يكن كافيا حتى اليوم لحشدهم كقطيع طائفي ضمن المشاريع التي تحاك لتقسيم العراق. فبدلا من ان يفرح رئيس التحالف الوطني "الوحدوي” بذلك، ويسعى لدعمه، فهو يراه مشكلة! إنه يريد قطعانا طائفية تتعارك لكي يحقق بينها "السلم الأهلي"! فإن لم نتكتل طائفياً فلن يكون هناك "حرب أهلية" ولا يكون هناك معنى لمشاريع "المصالحة" و "السلم الأهلي"!
وبدلاً من ان تبارك ما يسمى "الأمم المتحدة"(!) تلك الظاهرة الرائعة في زمن التأجيج الطائفي، فإنها وفق خبر المدى "تعهدت بتذليل" هذه المشكلة!! أي انها ستسعى لإيجاد سنة يرون هويتهم الطائفية هي الأهم ويقبلون ان يكونوا القطيع السني المقابل، لتحقيق "السلم الأهلي"،
واعداً إياهم ان لا يكون هناك "لا غالب ولا مغلوب". وهو شعار المشروع الأساسي، والذي يثبت بوضوح شديد حالة الصراع بين "المكونات" العراقية، وتجاوز حقيقة ان الشعب العراقي كله في صراع مع الفاسدين الذين جاءت بهم اميركا وإسرائيل وأشدهم فساداً هو من يرأسهم صاحب هذا المشروع. ولا غرابة في ذلك فبهذه الطريقة ينسى العراقيون أن كارثتهم هي فساد عمار وأمثاله، وتحمي إسرائيل عملاءها تحت راية الصراع الطائفي الذي يجب حله.
من الذي يأملونه لقيادة "قطيع السنة الطائفي" الذي يرجون الحصول عليه؟
وفق دعاء سويدان(5) فان هناك مفاوضات مع أثيل النجيفي ورافع العيساوي، ولا يستبعد انضمام طارق الهاشمي ومثنى حارث الضاري، إلى جانب الأمين العام لـ"المشروع العربي في العراق"، خميس الخنجر، والنائب السابق، محمد الدايني، وشخصيات أخرى مطلوبة للقضاء وموجودة خارج العراق، سيُستفاد من قانون العفو العام الذي أقره البرلمان لاستعادتها!
وبالنسبة لموقف إيران، فتبدو حكومة روحاني داعمة لمشروع "الأمم المتحدة"(!) خاصة أن الإعلان الرسمي من قبل عمار الحكيم، عن «إعداد العدة لتقديم وثيقة مهمة للتسوية الوطنية»، جاء عقب اجتماعه مع رئيس السلطة القضائية في إيران، آملي لاريجاني.
ومن جهة أخرى يجتمع يان كوبيتش، ممثل "الأمم المتحدة"(!) مع أسامة النجيفي، في جوقة ضمت السفير الفرنسي والأمريكي، ليصرح لهم النجيفي بضرورة "أن يكون للتحالف الدولي وجود على الأرض لفترة انتقالية، بهدف تحقيق الأمن والاستقرار والمساعدة على عدم فسح المجال لأية حالة، يمكن أن تدخل في باب الانتقام أو تصفية الحسابات خارج القانون وسلطة الدولة.. والانتهاكات في حق الأهالي(6)".
ولا ندري من أين أتت هذه السهولة في استدعاء القوات الأجنبية وضرورة وجودها في البلاد التي ينادي بها النجيفيان، وكأن ليس في العراق من يستطيع وقف تلك "الانتقامات" التي يخيف الناس بها، والتي لا يفهم منها إلا حماية داعش، وليس "الأهالي". ولا نشك أبداً في ان "الأمم المتحدة"(!) هي التي كتبت للنجيفي خطابه: "اطلب منا التدخل لكي نستطيع أن نفعل بشكل مبرر"، وأن ذلك جزء من مشروع "عمار الحكيم" المشؤوم. وما يؤكد ذلك تأكيد النجيفي ايضاً على "ضرورة وجود مشروع سياسي يستجيب لمختلف التطورات الأمنية الراهنة ويقدم تطمينات لأهالي المدينة، في ظل الخوف والقلق الذي بات يخيم على عدد كبير من الأقليات وعموم مكونات المحافظة"، مجدداً رفضه مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل وعدم الحاجة اليه، ومؤكداً موقف تركيا حول تلعفر.
إذن فهي "تسوية" شاملة أعدت كما يبدو في "الأمم المتحدة"(!)، فما هي هذه التسوية؟ (أنقلها كما جاءت في اقوال الشمري): ان التسوية هي سياسية، اجتماعية، وطنية، وتاريخية تنتج عراقاً متعايشاً خالياً من العنف والتبعية... (مؤكداً ضرورة) مشاركة كل المكونات والفئات العراقية في ادارة الدولة بلا استثناء... واقرار مبدأ (لاغالب ولامغلوب)، وتصفير الازمات، ورفض العنف كتسوية سياسية والالتزام بالدستور رفض الحكم الدكتاتوري، والتفرد، والالتزام بمحاربة الارهاب، وادانة سياسات البعث الصدامي، الإبادة الجماعية، الإعدامات والاغتيالات سواء علماء الدين أو النخب الوطنية الاعتراف بجريمة تجفيف الاهوار، المقابر الجماعية، التهجير القسري للكرد والشيعة، ورفض التغيير الديمغرافي حتى الذي اجراه النظام السابق، ترسيخ دولة المؤسسات والحفاظ على الديمقراطية والنظام المدني، واعتماد اقتصاد حر متعدد، والالتزام بالتوزيع العادل للثروات بحسب النسب السكانية للمحافظات. حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح بوجود اي (مليشيا) خارج الدولة، والتزام جميع الاطراف الموقعة على الوثيقة بمحاربة اية مجموعة مسلحة غير قانونية، حرمة الدم العراقي واحترام المعتقدات، والتزام العراق مبدأ الحياد والتوازن في علاقاته مع دول العالم، الامتناع عن "التكفير وتخوين الآخر، وإقرار التسامح والتعايش وقبول الآخر والتأكيد على "الانتماء الوطني".
يبدو من هذه القائمة أنها في معظمها عبارة عن "خرط"! فمن يقول انه لا يرفض العنف؟ او "لا يلتزم بالدستور"؟ وهل يحتاج معتوه إلى تأكيد ادانة الإبادة الجماعية والإعدامات والاغتيالات؟ وما معنى الاعتراف بجريمة تجفيف الأهوار؟ وما هو "كلاو" حرمة الدم العراقي هذا؟ هل يوجد من يرفض التسامح والتعايش حتى تضطر "الأمم المتحدة" أن تهدده؟
لكن ضمن هذه التلال من "الخرط" تم إخفاء الأهداف المحددة الحقيقية لـ "مبادرة السلم الأهلي" هذه. فتجد مثلاً العبارة النشاز التي لا محل لها من الإعراب ولا نفهم علاقتها بـ "التسوية"، وهي: "اعتماد اقتصاد حر"!! فمن من الأطراف لا يقبل بالتعايش السلمي و "السلام الأهلي" مع الآخر إلا بشرط "اعتماد الاقتصاد الحر"؟ السنة أم الشيعة؟ أنتم وأنا، نعلم من يشترط مثل هذا، ونعلم أنه لا علاقة له ولا الذيول التي تتكلم نيابة عنه، بأية "تسوية" او "سلم أهلي" بل العكس تماماً، وكل ما يقال هنا مقلوب!
فلنلاحظ مثلاً أن "رفض التغيير الديموغرافي" لا يعني ما يجري من تهجير كردستاني للعرب اليوم. فقد الصقت به عبارة "الذي اجراه النظام السابق"، وهي الشماعة التي تلتهم بها كردستان الأراضي والقرى وتخط حدودها "بالدم" تحت رايتها. ولم يهتم عمار الحكيم يوماً، ولن يهتم ابداً بـ "التغيير الديموغرافي" الذي يقوم به برزاني، بل يتواطأ تحت شعار "رفض التغيير الديموغرافي" من اجل "تحقيق المزيد من التغيير الديموغرافي" لصالح رفاقه في الفساد. وهكذا يجب ان تفسر بقية عبارات خطابه.
العبارة الأخطر التي تؤشر اهداف "التسويه" هي: "عدم السماح بوجود أي مليشيا خارج الدولة ومحاربة اية مجموعة مسلحة غير قانونية"!! وهنا نبدأ بفهم سر كل هذا الحماس الشديد لهذه "الأمم المتحدة"(!) لمشروع المجلس الأعلى! إنه القضاء على الحشد لحماية داعش، وحماية احتلال كردستان للأراضي العراقية وتثبيت تهجير العرب السنة من قراهم. فنحن، ورغم كل الإعلام المشبوه الذي يغرق العراق، نعلم ألا أمل للعرب في الحقيقة في العودة، لا من خلال "الأمم المتحدة"(!) ولا الجيش ولا الشرطة او الفرقة الذهبية ولا أية جهة حكومية أو اجنبية. أملهم الوحيد هو في الحشد وكاذب كل من يقول بغير ذلك، فكل ما عداه تحكمه أميركا وكردستان وتوجهه، ولحساب تلك "الأمم المتحدة"(!)
إذن فقد كان المخطط طويلا وبعيداً، منذ اعلان الحكيم مبادرة "السلم الأهلي" ومنذ دعوته لمفاوضة الإرهابيين لأن "تفخيخ السيارات يكلف كثيراً" كما قال بلسانه في فيديو مازال متداولاً. كذلك فأن دهشتنا تزول الآن من ترفيعه إلى رئاسة التحالف الوطني رغم سمعته السيئة كلص، يتفق عليها كل الشعب العراقي. فيبدو أن ذلك لم يكن اختياريا لأعضاء هذا التحالف، بل أملته "الأمم المتحدة"(!) التي وصلت الى كما هو واضح الى صناعة القرار في التحالف الوطني ايضاً وتحديد من يرأسه.
ويفسر هذا المشروع أيضا إقرار قانون العفو العام الذي استمات من اجله المؤمن محمود الحسن وفائق الشيخ، وغيرهما. فكلها كانت خيوطاً تشكل المؤامرة التي تنظمها "الأمم المتحدة"(!) من اجل هذه "التسوية" عشية تحرير الموصل!
لقد فشلت حتى الآن الخطط المعدة لتحطيم العراق من قبل الولايات المتحدة و "الأمم المتحدة"(!) ، امام إرادة الشعب العراقي المؤمن بأن كرامة عيشه لن تكون إلا في وطنه الموحد، بل وأن بقاءه على قيد الحياة، مرهون بوحدته، واليوم تعد العدة لمواجهة جديدة وشديدة بين الخندقين الجبارين. لشعب العراق وأبنائه البررة النصر في هذه المحنة كما في كان في غيرها. لنقف ثابتين يا أهلنا صفاً واحداً حتى تنجلي هذه العاصفة الصفراء...وسلامات يا عراق!
(1) التحالف الوطني يستعدّ لإطلاق "مبادرة تاريخيّة" بدعم أُممي وإقليمي
https://almadapress.com/ar/news/78954/0(2) سعد السعيدي: مبعوثو الأمم المتحدة في بغداد من اشد مناصري اسرائيل ؟
https://al-nnas.com/ARTICLE/SalSaedi/16k.htm (3)Slovakian FM to 'Post': We stand with Israel against Iran
http://www.jpost.com/Iranian-Threat/News/Slovakian-FM-to-Post-We-stand-with-Israel-against-Iran (4) صديق إسرائيل المقرّب نيكولاي ملادينوف منسقاً خاصاً لعملية السلام في الشرق الأوسط
http://www.dampress.net/index.php?page=show_det&category_id=7&id=55138 (5) مبادرة الحكيم: مباركة إيرانية... وتلقف تركي؟
http://www.al-akhbar.com/node/267390(6) أسامة النجيفي يطالب بقوات دولية في الموصل بعد تحريرها
http://www.middle-east-online.com/?id=235526 روابط إضافية حول مندوبي الأمم المتحدة في العراق
1 نبض الحياة - لا لميلادينوف...
http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=1&id=254233&cid=3555 2 "صديق إسرائيل الكبير" منسّقاً للسلام في الشرق الأوسط
http://www.alaraby.co.uk/politics/5480b7aa-9883-4457-b36e-fc30d59fb578 منير التميمي
( أهل السنّة في العراق هم البيئة الحاضنة لداعش )
جمهور الفضائيات و الفيس
( أهل السنّة في العراق قبلوا بالذل و لم يحتضنوا الدولة الاسلامية )
ابراهيم عوّاد السامرائي الشهير بأبي بكر البغدادي
تعال حلها و فهّمنا معنى هالمصطلح الفضفاض المطماط : (( أهل السنة )) !!!