حزب الله...مدرسة الوفاء
    الثلاثاء 29 نوفمبر / تشرين الثاني 2016 - 05:32
    أبو تراب كرار العاملي
    الحياة مليئةٌ بالمصالح الشخصية والمطامع الفئوية، وتجد الأطراف الفاعلة تركض وراء تحصيل ما يخدم مصالحها وأطماعها، ويحقق أهدافها ويوصلها الى طموحاتها المرصودة. فترى هذا يسعى وذاك يَجِدّ والآخر يَكِدّ بغية الوصول الى ما خُطِّط له من مكاسب كذائية تجعل منه معادلة لها وزنها في ميدان من المناطحات المحتدمة، حيث يزدحم المتصارعون ويرمي كل طرف بثقله لعل كفة الميزان تميل لصالحه فَتُرْبِعه على عرش الترؤس.

    ولعل من أبرز الميادين التي تتصدر فيها المصالح عناوين تسابق الفرقاء للوصول الى نقاطهم الإبتغائية هو ميدان السياسة. ومن هذا المنطلق، نرحب بك في عالم من العجائب في الحقل السياسي عندنا في لبنان، هذا البلد الرائع في شعبه، والمتنوع في طوائفه، والمتعدد في مذاهبه،  والجذاب في طبيعته والمتشح خضاراً بتنوع أشجاره والمهيوب بروعة جباله والغني بقدرات أبنائه الفكرية وإمكانياتهم الذهنية، غارقٌ في عالم من المتاهات السياسة والتجاويف الحُكمَوِية التي تعرقل الحياة السياسية وتُشِل عمل المؤسسات وتُثَبِّط سير النشاطات في شتى إدارات الدولة العامة.

    فالتكوين الديني في بلدنا الحبيب، والقائم على التعددية الطوائفية، وبالتالي تعدد النظريات الفكرية والتوجهات المنهجية، والإختلاف الجذري في المسلكيات البنيوية، يُرَجِّح أن تصاب الدولة وتفريعاتها المتشعبة بحالة من الشلل المزمن.

    ولكن ما تقدم لا يشكل العنصر الوحيد لعرقلة مسار الحكم في البلاد، بل يمكن تخطيه إنطلاقاً من الإنضواء تحت راية الوحدة الوطنية ومصالح البلاد العليا.

    ولكن الأهم، والحزام الأشد ضيقاً في هذا الإطار، هو عندما يلجأ البعض لتغليب المصالح الشخصية على القيم الأخلاقية، فتنتفي لديه الحواجز الأدبية، لِتُكَشِّر السياسة حينها عن أنيابها الشرسة ومخالبها الطَّمْعَوِيَّة وتفتك في الأخضر واليابس دون دخول أي رادع إنساني أخلاقي ديني في البَيْن.

    بعد هذه الاضاءة التمهيدية، نأتي الى لبنان لنقتبس نظرية جديدة في المسلك السياسي، والتي بَنَت قواعدها على العناوين القِيَمِيَّة البراقة، والتي تحتاجها السياسة عندنا في لبنان بشكل مُلِحّ وعاجل وطارئ، والتي فُطِرَ الإنسان على التحلي بها، إلا أن غرقه في ملذات الدنيا ومغرياتها الفانية يحول دون ثبات الإنسان ويودِي به الى الهاوية.

    ومَنْ غير "حزب الله" أهلٌ  ليكون عميداً لهذه المسلكية النظيفة في أجواء من الخبث التعاملي، ومَنْ غير حزب المقاومة يستحق أوسمة الشرف لتُعَلَّق على جَناحيه اللذَيْن يحلقان في فضاء من الوفاء الممتلئ بسحابات من القيم الشرفية لِتُمْطِرَعلى الغارقين في بحيرات الطمع شذراتٍ ﺇنتشالية لعلها تنجيهم من غرقهم المُدْقَع.                                                 
     
    فبعد قيام "حزب الله" بدعم الجنرال "ميشال عون" كمرشح لرئاسة الجمهورية، بل ومرشح طبيعي لكونه الشخص الماروني الذي يمتلك الكتلة النيابية المسيحية الأكثرعدداً، وكما هو معلوم عندنا أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسيحياً مارونياً، ها هو الحزب يثبت على خياره مع كل المتغيرات والتشعبات الطارئة إقليمياً فضلاً عن الجانب المحلي.

    فهذا خصمه تيار المستقبل يرشح حليفه، أي حليف الحزب، بل وحليفه الجذري والراسخ، النائب"سليمان فرنجية" لرئاسة الجمهورية، ويثبت الحزب على خياره ويبقى وفياً في دعمه ل"عون"، مع العلم أنه كان بالإمكان أن ينزل الى المجلس في إحدى الجلسات المحددة لانتخاب الرئيس، وبدون أن ينتخب "فرنجية", ولكن فقط ليكتمل النصاب، وينتخب الآخرون الحليف الوفي للحزب، "سليمان فرنجية"، ليصبح رئيس جمهورية البلاد حليف الحزب القيدومي. ولكن الحزب بقي صلباً في ترشيحه، ثابتاً لا تلويه الرياح الخصموية الآتية من هنا وهناك، لِيُصَدّر للعالم درساً في الوفاء السياسي، الذي آنَ لأوانه من ظهور ولضيائه من إشعاع.

    وهذا الوفاء المخلص، ليس مجرد خطوة اعتباطية وإقدام شكلي مجرد فارغ المحتوى، بل على العكس تماماً، فإن هذا الثبات مبني على رؤية وطنية واضحة وشاملة ومخلصة لمصلحة الوطن وتتعدى المصالح الفردية والطموحات الشخصية الضيقة.

    إِذاً، جاءت أيام وذهبت أخرى، وأقبلت فترة وأدبرت نظيرتها، ليعود ويُطَبَّق المعنى الذي سبق وأورده سماحة الأمين العام، وهو أن "ميشال عون" يعتبر ممر إلزامي للاتجاه نحو قصر بعبدا، وهو أمر طبيعي لما يشكله الأخير من حيثية مسيحية وتمثيل نيابي يجعلاه مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية. فضلاً - من المفروض- كونه غير مرتبط ب"أجندات" خارجية ولا مُرتَهن لسفارات معينة او جهات ما وراء الحدود اللبنانية.

    كان يجدر بالطرف الآخر أن يستمع منذ البداية لسماحة الأمين العام، ويجلس مع "عون"  ليصلوا الى صيغة اتفاقية فيها مصلحة الوطن وشعبنا الحبيبَيْن، ويجنب البلد هذا الشغور الرئاسي الذي امتد لما يقارب السنتين والنصف، وعدم انتظار معطيات معينة وﺇشارات كذائية ذات طابع ﺇقليمي دولي لبنان بالغنى عنها.

    هنيئاً لوطننا الكريم هكذا حزبٍ عظيم وأمينٍ عام مخلصَين ووفِيَّيْن لأرضه وشعبه. فمع ظهور العاقبة الحسنة لهذا الثبات الحزبي الحقاني، وبروز نجاحه في آخر المطاف، استكمل الحزب تألقه الأخلاقي ولم يُمِنّن أي طرف ولم يدعي أنه صاحب الفضل، ومن يحب فليراجع خطاب سماحة الأمين العام يوم الجمعة في ذكرى القائد الحاج "مصطفى شحادة"(رحمه الله وطاب ثراه)، مع العلم أن أساس بقاء لبنان على الخارطة يعود الفضل فيه، بعد الله عز وجل، الى حزب الله والمقاومة الإسلامية المباركة، ناهيك عن طريقة تعاطي الحزب السياسية في الداخل، وحرصه على مصلحة الوطن العامة وهدفه المخلص للإرتقاء بهذا الوطن الى أعلى مراحل الإستقرار والإستتباب الأمني، وتَرفُّعه عن أي مصالح شخصية وأغراض مادية دنيوية.

    نسأل الله أن يمن على بلدنا، وكافة بلدان العالمين العربي والإسلامي، بالأمن والأمان والاستقرار، وأن يكون انتخاب الرئيس عندنا في لبنان مقدمة لفتح عهد جديد مليء بالإزدهار والرقي على كافة المستويات الحياتية والتي تهم المواطنين ولقمة عيشهم الكريمة.
    حمى الله حزبنا الجبار الذي لا يُقهَر، المتألق عسكرياً وسياسياً وثقافياً ودينياً، والخوض في التفاصيل يحتاج الى مساحة إسهابية لسنا في مقام الولوج بها في هذا الاطار المحدود، وأطال الله في عمر سماحة أميننا العام، الأمين على الوطن والأرواح والعيال، وأدام الله ظله الوارف على مساحة وطننا الشريف: وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
    "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" .


    أبو تراب كرار العاملي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media