كما هو الحال دائماً، يكشف الشعار الأساسي النظرة العامة التي يسعى المشروع لتثبيتها حول المشهد الذي يعالجه، والتفسير الذي يريده من صمم المشروع للأحداث التي تجري حوله، فما الذي يقوله هذا الشعار لنا عن رؤية مؤسسي المشروع للمشهد العراقي وتفسيره للأحداث التي نمر بها؟
نلاحظ أولاً أنه يتكون من كلمتين، كلاهما تتحدث عن "المغالبة"، وهي تعني النزاع والصراع على شيء ما. فـ "التسوية" التي يريدها عمار الحكيم او من كتب له مشروعه، ان تؤكد أولاً صورة الصراع بين الأطراف، وأن خط النار يقسمهما قسمين شيعة وسنة. صحيح ان المعنى المباشر يوحي بالحل العادل، لكن هذا ليس هو الجزء المهم. المهم ان يدخل في عقل كل شيعي أنه في "مغالبة" مع السنة وفي عقل كل سني أنه في "مغالبة" مع الشيعة. أما المعنى المباشر للشعار وما فيه من "عدالة"، فهو فضفاض غير معرف ويحتوي هو الآخر رسالة ضمنية لكل من الطرفين لبدء الصراع على تحديد تلك العدالة بحيث لا يكون "مغلوبا". هكذا يراد توجيه الأذهان في هذه "التسوية"، وسوف يتم تشجيعها على ذلك من خلال الأبواق الطائفية الكثيرة التي تملأ الإعلام المسموم الذي تركه الاحتلال في العراق، وستجد القنوات تتناطح فيما بينها وتصرخ: السنة "مغلوبون" – الشيعة "مغلوبون"..
إنها تريد أيضاً أن تفرض تفسير الأحداث الجارية في العراق بما يناسبها، وأنها كانت من مظاهر تلك "المغالبة"، وان السنة وداعش وتركيا والسعودية يصارعون الشيعة والحكومة وإيران، وأننا قد جئنا لـ "تسوية" الأمر وإنهاء "المغالبة”، لأنها هي التي تسببت في تلك الكوارث!
لكن الأمر لا يتوقف عند شعار يوحي للشيعة والسنة بالمنافسة والصراع والكراهية. فما كتب في الشعار قبيح الإيحاء ومخادع، لكن الخدعة الأساسية ليس فيما كتب فيه، إنما فيما لم يكتب: في إغفال الدور الأمريكي في كل ما يحدث في العراق وإهماله تماماً، بل وتصويره صديقاً يحاول جمع "الأطفال المشاكسين" ليقبلوا بعضهم البعض. وهو يقول أنهم هم الذين خلقوا داعش من جهة، وفرق الاغتيالات للقوات المسلحة الحكومية من الجهة الأخرى بسبب احقادهم التاريخية على بعضهم البعض، ويهمل حقائق الحاضر التي تؤكد ان الجيش الأمريكي وحلفاؤه وذيوله من تركيا إلى الأردن إلى كردستان هي التي مولت وسلحت داعش وسمحت لها بالتنقل بأمان وقصفت من يقاتلها عندما يتطلب الأمر واخلت لها المدن وتقاسمت الغنائم معها.
في كل هذه الأحداث لا نرى كلمة سنة وشيعة ولن يساعدنا استعمالها لشرح ما يحدث، وتقسيم الفرق المتقاتلة، إنما نرى الساحة تنقسم بين عراقيين بكل مذاهبهم واديانهم في خندق، وأمريكا وكل ذيولها وعملائها، بكل اديانهم ومذاهبهم في الخندق الآخر.
واليوم، ورغم الإعلام المدمر للوعي والعقل، ورغم نجاحه الهائل في تقسيم العراقيين إلى فرق متخالفة بل متناقضة في آرائها حول كل شيء، إلا انه ورغم ذلك، بقي العراقيون سليمي النظر في رؤيتهم لعلاقة أميركا بهم. فلو سألت أي عراقي، سنياً كان او شيعياً، عن رأيه بدور أميركا في العراق، فسيكون هناك احتمال يزيد عن 95% أن يقول لك انها رأس المصائب للعراق وأنها تدعم داعش وهي من أسسها وادخلها العراق وهي من يحميها وأن هدفها تقسيم العراق وتدميره. وجميع الإحصاءات التي توفرت لنا قبل بضعة سنين، وهي إحصاءات أمريكية، تؤكد ذلك! ولو سؤل العراقيون الشيعة عن السنة أو العكس، لأكد 95% من الطرفين انهم اخوة وانهم ضحايا "مثلنا"، وأننا عشنا معا قرونا عديدة دون مشاكل وأن المحن القاسية التي مرت بنا اكدت ان الجانبين يتميزان بالطيبة العراقية الأصلية التي كانت تتجلى ناصعة في استقبال السنة في المدن المحررة للحشد، واحتفال الحشد بهم ورعايته لهم. وفي هذه الأخيرة لن نحصل على الـ 95% الموعودة، لأن العدو تمكن من اختراق الحشد والسنة على السواء وقام بتخريب كثير في تلك العلاقة. لكن رغم ذلك سوف يصعب ان تجد شيعيا يلوم السنة بشكل عام أو سنيا يلوم الشيعة بشكل عام، بل سيؤكد الطرفان ان اختراقا حصل، حتى لو القى كل اللوم على الآخر في حصوله.
لنسأل: عمار و "الدعم الدولي" الذي يقف وراءه، مع من يريدون "التسوية"؟
ربما نجد الجواب في هذا الفيديو (المرفق) الذي شكل أكبر فضائح عمار، وفيه يدعو عمار إلى "التسوية السياسية" مع الإرهاب، ربما لأول مرة!(1) إنه يفعلها بشكل علني لا يجرؤ على فعله حتى اشد السنة تطرفاً، بل وحتى عملاء اميركا المعروفين منهم"”، فما الذي دفعه إلى ذلك وهو يعلم ان هذا لن يجلب له إلا الإحراج والفضيحة؟ ليس لدي تفسير سوى أن "الجماعة" قد ابلغوه بمهمته منذ ذلك الحين وضغطوا عليه ليبدأها، لكنه لسبب ما لم يتمكن من فرضها، حتى وضع حيدر العبادي على رأس السلطة وجاءت لحظة تحرير الموصل بكل القوات المشبوهة المشاركة في المعركة، فقرروا أنها اللحظة المناسبة لإطلاقها!
ومن تريد تسوية عمار الحكيم ان تفرضهم كممثلين للسنة والشيعة في مفاوضات الـ "لا غالب ولا مغلوب" هذه؟ لنبدأ بالسنة: السنة الذين يريدهم الحكيم، او من دفع به الى هذا المشروع، هم السنة الموالين لكردستان، أي النجيفيان. وهذا شيء طبيعي مادامت كردستان طرفا في التسوية، بل لعلها الطرف الآمر الناهي فيها. لكن هل يمثل هؤلاء السنة حقاً؟
دعونا لا نستعجل الحكم ولننظر إلى مدى شعبية النجيفيان ومشاريعهما بالنسبة للسنة وهل لدينا دلائل على رفض السنة لهما؟ لنلاحظ أولاً أن الموصل انتخبتهما لأنهما كانا يرفعان شعارات قومية ويعدان بمقاومة الاحتلال الكردستاني لأراضي نينوى! ولم يتمكنا من اعلان تبعيتهما لكردستان إلا بعد ان تمت الانتخابات وحصلوا على الأصوات من الشعب الذي خدعوه. وبالتالي فإن الشعب الذي صوت للخلاص من كردستان لا يمكن ان ينتخب ذيول كردستان في المرة القادمة.
ويمكننا ان نجد علامة أخرى بسيطة، بمراجعة موقع اثيل النجيفي. فرغم كل الإعلام الذي وجه لتلميع وجهه وإظهاره بمظهر المخلص لمدينته والمقاتل من اجلها، فإنه لا يحصل من أبناء مدينته ومن العراق كله إلا على الاحتقار الشديد. حتى أن الأغنية التي حاولت إظهاره كقائد عسكري، تستعمل اليوم من قبل خصومه للسخرية فينشرونها على صفحاتهم بلا أي قلق. ولو راجعنا صفحة اثيل النجيفي لوجدنا سيل التعليقات الغاضبة والشاتمة هو المسيطر بل يكاد يكون الوحيد! وعلى العكس من ذلك فإننا لا نكاد نجد إلا المحبة والاعتزاز في صفحة النائب عبد الرحمن اللويزي، الإبن البار لنينوى والمدافع المستميت عن وحدتها وعن العرب الذين هجرتهم كردستان اثيل، الذي لا يستحي أن يعلن نيته بتقسيم مدينته إلى ستة أو ثمانية اقسام ويكاد يعلن إعطاء جزء منها لكردستان صراحة!
هؤلاء سنة "تسوية عمار".. فمن هم "شيعتها"؟
لا شك انه يمكننا ان نعتبر أول شيعة "تسوية عمار" هو عمار الحكيم نفسه! ولا اظنني بحاجة أن أقول لكم أن عمار الحكيم هو الشخصية التي يوجه لها اشد الاحتقار من قبل الشيعة بمختلف اتجاهاتهم وبلا استثناء. ولا نرى ذلك فقط من ردود الفعل على صفحات التواصل الاجتماعي فقط، بل أيضا نشعر به شعوراً. فمثلا، السني عندما يريد انتقاد سياسي شيعي، يتحسب ان ينظر الى الموضوع بريبة من قبل الشيعة أن قد يكون الدافع طائفياً. لكني لم أجد سنيا يتردد في كيل كل التهم والمسبات إلى عمار الحكيم والى المجلس الأعلى كله. فهو يعلم أنه لا يوجد شيعة في الحقيقة يؤيدون وكر اللصوصية المتميز وقائده هذا! وكيف يترددون وهو الذي يحتل منطقة الجادرية علناً بلصوصه؟
مقابل "شيعة تسوية عمار" هناك ابطال الحشد الذين يضحون بدمائهم الغالية، فلا يسألون إن كانت الأرض التي يروونها بها، ارض سنية أو شيعية. لكن هؤلاء ليسوا مدعوين لتلك "التسوية"، فمن يقرأ "التسوية" يرى بوضوح أن اهم أهدافها هو استبعاد هذا النوع من الشيعة بل والتعهد بمحاربتها والقضاء على الحشد، فجاء فيها:" حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح بوجود اي (مليشيا) خارج الدولة، والتزام جميع الاطراف الموقعة على الوثيقة بمحاربة اية مجموعة مسلحة غير قانونية"! لنسأل شيعة العراق، هل يمثلهم ابطال الحشد، أم عمار الحكيم؟
إذن هذا خطاب "تسوية" عمار، وهذا تاريخها وهذا حاضرها. وهؤلاء هم "سنة تسوية عمار" و "شيعة تسوية عمار" وهذا شعارها: "لا غالب ولا مغلوب"، ويمكننا ان نستنتج من كل هذا: ما هدفها ومن الذي يقف وراءها؟! والحقيقة ان الشعار مناسب تماما لهؤلاء "السنة" وهؤلاء "الشيعة" من ذيول أميركا وكردستان. فهو شعار مناسب لمجموعة من اللصوص تجمعت لتقسيم الغنائم وخشيت ان تختلف بينها، وهم بالفعل كذلك.
هذا أنت وهؤلاء سنتك وشيعتك و "اسيادك". أما نحن يا عمار الحكيم، نحن سنة العراق وشيعتها فلا نفكر بأن نغالب بعضنا، لأننا في خندق واحد، وفي الخندق المقابل يقف اسيادك الأمريكان وتقف انت وأثيل ومسعود وكل عدو للعراق ممن يتبعكم. إننا لا نريد شعار "لا غالب ولا مغلوب" بل نريد "غالباً" هو العراق بشعبه وطيبيه جميعاً، و "مغلوب" هو كل الحثالات التي جمعها الأمريكان حولهم ممن لفظها الشعب وأعلن عليها الاحتقار والغضب!
(1) عمار الحكيم يريد يتفاوض مع الارهابيين
https://www.youtube.com/watch?v=nK0lmJMqCnA