الشيوعيون العراقيون بين كاسترو وصدام
    الخميس 1 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 08:21
    الخليل علاء الطائي
    محلل سياسي
    لاجدال حول القائد الثوري فيدل كاسترو ولا جدال حول أثر النهج الكوبي (كاسترو – جيفارا) في ثورات العالم الثالث وفي مسار الحركة الشيوعية العالمية, وما قدمه المنهج الكوبي – إسلوب الثورات الشعبية المسلحة وحروب العصابات – من درس جديد , كان جديد فعلا وحقيقةً بالنسبة للشيوعيين العراقيين, حيث إمتدت أصداء الثورة الكوبية إلى الواقع العراقي السياسي والإجتماعي والثقافي اليومي, منذ تحول الثورة الكوبية بقيادة كاسترو نحو الشيوعية وكان للتجربة الكوبية سحرالمثال النموذجي للتغير المرتقب في العراق, لذلك لابد من التطرق, بشكل سريع, إلى طبيعة التجربة العراقية المريرة منذ الإنقلاب الفاشي البعثي عام  1963 وما تلاه من تداعيات ومواقف داخل الحزب الشيوعي العراقي حول أساليب النضال الجماهيرية ومنها النضال المسلح الأكثر فاعليةً في ظروف العراق وطبيعة القوى المتسلطة على الحكم, خاصةً بعد سقوط سلطة الحرس القومي البعثي وإنكشاف حقيقة الإنقلابيين الدموية وتفكك تحالفاتهم التي حققت لهم الإنقلاب. إنتهت الجدالات النظرية , بضغط القواعد الحزبية, إلى إنشقاق الحزب الشيوعي العراقي عام 1967 إلى حزبين هما (القيادة المركزية) التي تُمثل الإتجاه الجديد وهو إسقاط السلطة بإسلوب الكفاح المُسلح, الخط الكوبي,.... و (اللجنة المركزية) التي تتبنى الخط القديم في سياسة الحزب , الخط السوفيتي
    – ولا بد من الإشارة إلى أن هذا المقال لايهدف إلى تقييم التجربتين إلاّ  بالجوانب المتعلقة بتأثير النهج الثوري الكوبي في أوضاعنا – وقد رافقت الإنشقاق محاولات نضالية لمجموعات صغيرة تبدأ الكفاح المسلح من الريف وتحديداً ريف أهوار الناصرية, وكان الإعجاب النظري والحماس الثوري بالتجربة الكوبية طاغيان على الفعل الثوري قبل قراءة الفوارق البيئية والإجتماعية والثقافية بين الحالتين الكوبية والعراقية ولا حتى المقارنة مع التجربة الفيتنامية حيث الريف الفيتنامي الشبيه جغرافياً إلى حدٍ ما مع ريف الجنوب العراقي – أهوار ومزارع رز وغير ذلك – لكن شروط الإستجابة للثورة تختلف من حالةٍ إلى اخرى... فالنوايا الطيبة وحدها لاتكفي.
    كان توجه القيادة المركزية صحيحاً من الناحية النظرية والعملية في إتّباع الكفاح المسلح, ولكنه ليس صحيحاً في إستنساخ التجربة الكوبية ولا أي تجربةٍ أُخرى, مع ذلك بدأت مؤثرات النهج الجديد تظهر على أرض الواقع خصوصاً بعد فوز الشيوعيين الساحق في إنتخابات نقابات العمال وإنتخابات الجامعات العراقية ومنها جامعة الموصل التي زارها عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء آنذاك وألقى في الجامعة خطاباً قال فيه بالحرف الواحد (أن الشيوعيين يستعدون للعصف بالعراق) وكان ذلك أواخر عام 67 ومن المفارقات أن البعثيين إعتقلوا البزاز ومارسوا معه التعذيب بشكل مُهين حالما عادوا للسلطة عام 68.
     كان التوجه صحيحاً قبل أن يُنجِز فعلا من الطراز الكوبي على الأرض العراقية ويؤسس البؤرة الثورية جغرافياً للأسباب التي ذكرناها, غير أنها هزت أركان السلطة, السلطة بمعناها الواسع المتمثل بالطرف الدولي, صاحب المشاريع والخرائط الجديدة والعدو الأكبر وهو الولايات المتحدة والغرب, والسلطة بمعناها المحلي , الطرف العميل منفّذ المخططات المخابراتية العالمية وهو حزب البعث وبقايا القوى القومية الموجودة في الجيش.
    وهكذا تم إنقلاب 17تموز 1968وعودة البعثيين ثانيةً إلى الحكم والهدف تصفية الشيوعيين بدءاً من تصفية النهج الأخطر على البعثيين وهو القيادة المركزية ومن ثم التحول إلى تصفية اللجنة المركزية عبرشِرْك الجبهة الوطنية وصعود صدام كقائد أعلى و(ضرورة)..
    – أرجوا المعذرة من قارئي الكريم عن هذه التفاصيل ومازال الحديث عن كاسترو وصدام وما بينهما –
    أراد صدام أن يقترب من كوبا على وفق نظرية أن حزب البعث من الأحزاب (الثورية الديمقراطية) حسب توصيفات المنظرين (العلماء) السوفيت للأحزاب الفاشية والحكّام الدكتاتوريين في البلدان النامية, الغنية بالثروات الطبيعية, من أجل إستمالتها لصالح المعسكر الإشتراكي – إقتصاديا على الأقل – أو تحييدها, وصرف الأنظار عن ممارساتها ضد شعوبها وتصفياتها للشيوعيين وعمالتها للغرب.
     رافقت التوجه البعثي نحو كوبا, والتي سيدشنها صدام بزيارة ( تأريخية), ترويجات مُنظري البعث مفادها بعض أوجه التشابه في التجربتين, من زاوية البعث, محورها حل أو إلغاء الحزب الشيوعي الكوبي ذو الخط السوفيتي وتأسيس الحزب الشيوعي الكوبي الجديد بزعامة كاسترو ودخول جيل الثورة في صفوفه, ويمكن تأويل التصفيات البعثية للشيوعيين بهذا الإتجاه, حل الحزب الشيوعي بشتى الذرائع – لا عليك من الوسائل – وإعتبار حزب البعث الفاشي نسخةً من الحزب الشيوعي الكوبي, وصدام نسخة عراقية من كاسترو.
    وتقاربات أُخرى من قبيل التمسك بكرسي الرئاسة والقيادة والطابع الفردي فيهما والتنظير وتأويل المفاهيم الإشتراكية....
    نكته سمجة تُذكرنا بمقولة هيجل التي عدّلها ماركس (أن التأريخ يُعيد نفسه مرتين مرةً بشكل مأساة ومرةً بشكل مهزلة)
    إختار صدام توقيتاً بالغ الخُبث والدناءة لهذه الزيارة متعمداً أن تكون ضربةً للشيوعيين على المستويين العالمي والمحلي وتندرج ضمن حملتهِ الدموية, وضربة لكوبا وخطها الأممي وقائدها الثوري الذي تلقاها بصمت مُخالف لطبيعتهِ الثورية المعهودة.
    بدأها بوجبة إعدامات شملت أربعين طالباً بتهمة مُفتعلة هي تنظيم شيوعي داخل الجيش و بضرب الجبهة الوطنية وتجميد نشاطها – الذي كان يقتصر على إجتماعات يتلقى فيها ممثلو الحزب الشيوعي التُهم والتحقيقات والتهديدات المُبطنة - .
    وشملت تصفيات الحزب تجريده من جماهيره وحل منظماته الجماهيرية كإتحادات الطلبة والشباب والنساء العاملة في الداخل والخارج وبشكل خاص تلك العاملة في الإتحاد السوفيتي والبلدان الإشتراكية.
    وهنا يلاحظ المُتتبع لإوضاع العراق أن حزب البعث وصدام وِجدا لتنفيذ المخطط العالمي المكارثي ضد الشيوعية والشيوعيين في حقبة حكم الرئيس الأمريكي رونالد ريغن والذي نجح في حل الإتحاد السوفيتي والمعسكر الإشتراكي.
    في توقيت الزيارة إلى كوبا مع تصفية الحزب الشيوعي رسالة تطمين للأمريكا والغرب على أن العراق لن يُخالف المخططات الأمريكية في موضوع محاربة الشيوعية وإن هذه الزياره لن تتعدى العلاقات الدبلوماسية وشراء السكّر بالنفط المُخفَّض السعر.
    عشية سفره إلى كوبا عقد مؤتمراً صحفياً للصحافة الفرنسية خُصص للإعدامات التي ذكرناها , ظهر فيها صدام مُنتشياً متسلطاً مستهتراً في إجاباته للصحافة الفرنسية, ورافقت الإعدامات أشرس حملة إعلامية ضد الحزب الشيوعي وأنصاره والديمقراطيين مصحوبةً بالإغتيالات والإعتقالات والتعذيب والتسقيط السياسي شمل طرد الموظفين وتشريد العوائل ومداهمة البيوت والإغتيالات في الطرقات  للطلاب والعمال والفلاحين والنساء والكسبة. 
    كان الشيوعيون ينتظرون من يقف معهم في محنتهم من القوى العالمية المعروفة بدفاعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وفي مقدمتها الإتحاد السوفيتي ودول المعسكر الإشتراكي وكوبا الثورية بالذات, وأقلْ المواقف الأممية تضامناً مع الشيوعيين العراقيين كان إلغاء الزيارة.... ولكن
    إختلطت الأوراق وضاعت الأُممية في عصر النفط وصار القاتل المجرم بطلاً وقائداً ثورياً و (ضرورة).
     بعد الجريمة ببضعة أيام, ويداه ملطختان بدماء العراقيين, سافر إلى كوبا الثورية بوصفه ( قائداً ثورياً) موازياً لفيدل البطل النازل من جبال سييرا مايسترا ومؤسس الدولة الشيوعية المُلاصقة للولايات المُتحدة بكل جبروتها, وبوصفه حاكماً لدولة نفطية غنية في وقت صعود أسعار النفط في مُقابل دولة فقيرة مُحاصرة ومُهددة, وإستقبله كاسترو بالعناق اللاّئق بين (الثوار) وقادة الشعوب وأصحاب التجارب الثورية الجديدة, وصحبه فيدل في جولاته وبسيارته الجيب إلى الأوساط الشعبية ودخلا معاً في المعامل وبيوت العمال وزارا مزارع قصب السكر وشرَّفه معه في الحصاد.
    – تلك التقاليد الثورية الجديدة التي ذكرها جان بول سارتر في الستينيات في كتابه " عاصفة على السكّر " ولم يقرأه صدام بكل تأكيد لتربيته المُعادية للشيوعية –
    وكان لهذه الزيارة أثرها البالغ على شخصية صدام وراح يُقلد كاسترو في الجولات الميدانية والأحياء الشعبية ويدخل البيوت ويفتح الثلاجات وكان الإعلام الرسمي يؤكد على تلك المشاهد المسرحية وأصبحت مشاهد خلفية للأغاني التي تُطبل له وبإسمهِ ليل نهار.
    وفي وقتٍ لاحق وجه صدام الدعوة لهوغو شافيز القائد الفنزويلي السائر على نهج كاسترو في معاداة الإمبريالية.
    وكرر صدام مسرحية التجوال بسيارته – وكان يقودها بنفسه في شوارع بغداد – مُحاكاةً لسلوك مُضيِّفهِ القديم في كوبا, وإعترف له شافيز, في خطاب مُتلفز, بهذا الطراز من الضيافة الخاصة بتقاليد حكام أمريكا اللاّتينية, اليساريين فقط , والذين يتجولون بدون حمايات ولا عشرات السيارات ذات اللون والطراز والموديل الموحد.. والله وحده عالم بأية واحدة يجلس سيادته.
    وفي القلب لوعة وسؤال..... هل إرتفع صدام, البعثي, إلى مرتبة كاسترو أم هبط هذا إلى مرتبة البعثي؟
    الحُكم للتأريخ.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media