العراق لا يمكنه الالتزام باتفاق «أوبك» لإنتاج النفط.. ارتفاع صادرات أوبك المنقولة بحراً
    السبت 3 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 05:47
    بلال وهاب*
    في ظلّ الضغوط المالية الهائلة، قد يتوصل أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط («أوبك») في اجتماعهم في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر، إلى اتفاقٍ في فيينا يقضي بتخفيض إنتاج النفط بهدف رفع الأسعار العالمية. ويدعم هذا الاتفاق المنتج الأكبر للنفط في الاتحاد، ألا وهي المملكة العربية السعودية، إلّا أنّ العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط، قد عارض تخفيض الإنتاج. وعلى الرغم من أنّ أسعار النفط المنخفضة تهدد استقرار تلك البلاد، لا يمكن لبغداد أن تقطع نفسها عن الإيرادات المحتملة – فقد تفاقم إنفاقها العام الهائل بسبب الحرب المستمرة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والجهود المقتربة لإعادة الإعمار. وحتى لو كان العراق على استعدادٍ للمخاطرة بخسارة هذه الإيرادات، لن يتمكن من تنفيذ مثل هذا التزام لأن سياسة البلاد في مجال الطاقة وصناعتها ما تزالان منقسمتين بين الحكومة المركزية و «حكومة إقليم كردستان». لذلك، يتعين على «حكومة إقليم كردستان» البحث في كيفية الاستفادة من مساهمتها في إبقاء بغداد خارج الحصة الإنتاجية التي تفرضها منظمة «أوبك».

    توقعات «أوبك» مقابل التحديات التي يواجهها العراق
    إن إحدى المهام الرئيسة لمنظمة «أوبك» هي التلاعب بأسعار النفط العالمية من خلال تحديد مخزون النفط العالمي، والذي تقوم به المنظمة من خلال مناقشة الحصص الإنتاجية لأعضائها. إلّا أنّه وعلى غرار أي اتحاد تجاري، تتعرض اتفاقات «أوبك» للخرق والغش. ونظراً للحروب والعقوبات، لم يلتزم العراق بنحو جدّي بهذا النوع من الاتفاقات منذ بداية نظام الحصص في عام 1986، وقد تم إعفاؤه من اتفاقاته منذ عام 1991. ويأمل العراق اليوم أن يبقى الوضع كذلك، على غرار إيران وليبيا ونيجيريا. ولكن بما أنّ العراق هو منتجٌ أكبر بكثير من هذه الدول، فإنه يتعرض لضغوط متجددة للالتزام بسقف الإنتاج الجديد.
    وقد سعى أعضاء «أوبك»، الذين يواجهون أزمة مالية وتراجع المخزون النقدي بسبب أسعار النفط المنخفضة، إلى معالجة فيض النفط العالمي في الأشهر الأخيرة، إلّا أنّ العراق سرعان ما أعاق ذلك. ووفقاً لوزير النفط العراقي جبار لعيبي، وصل مستوى إنتاج النفط في بلاده إلى 4.7 مليون برميل يومياً في أيلول/سبتمبر وقد يستمر هذا الإنتاج في الزيادة نظراً لاقتراب استحقاق مشاريع الاستثمار وتجديد البنية التحتية والجهود الناجحة لإخراج تنظيم «الدولة الإسلامية» من حقول النفط كالقيارة وحمرين. وعلى الرغم من رفض الوزير لعيبي القاطع لتخفيض الإنتاج، إلا أنه أشار إلى أن العراق على استعدادٍ لتجميد الإنتاج وتحديده إلى مستويات أيلول/سبتمبر.
    ومن المرجح أن تكون وجهة النظر هذه متجذرة في التراجع الحاد في سعر النفط العالمي في أواخر عام 2014، الذي شلّ الاقتصاد العراقي. وتشكّل مبيعات النفط 60% من «الناتج المحلي الإجمالي» للبلاد و90% من عائدات الحكومة. لذلك، تسيطر الحكومة على الاقتصاد وسوق العمل، مما أدى إلى قيام قطاعٍ عام غير فعال ومتضخم. فعلى سبيل المثال، تشير بيانات «صندوق النقد الدولي» إلى أن بغداد أنفقت أكثر من 11% من «ناتجها المحلي الإجمالي» لعام 2011 على دعم الكهرباء، وهي ثاني أعلى نسبة في الشرق الأوسط. وتوظف الحكومتان العراقية والكردية ما يُقدّر بـ 40% و50% من القوة العاملة على التوالي، ويشكل ذلك آلةً هائلة من الرعاية السياسية سهّلتها أسعار النفط السابقة المرتفعة بنحو قياسي.
    ومع ذلك، فإن «حكومة إقليم كردستان» متأخرة حالياً لعدة أشهر في دفع الرواتب، ويتجاوز معدّل الإنفاق العام نسبةً لـ «الناتج المحلي الإجمالي» ما يزيد على 50٪. وقد تراكمت هذه المشكلات بسبب الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، التي أدّت إلى جانب الحرب في سوريا إلى تدفّق موجة هائلة من اللاجئين والأشخاص المشردين داخلياً. وتستضيف «حكومة إقليم كردستان» 1.8 مليون شخص من أصل 5.5 ملايين شخص مشرد داخلياً، أو ما يوازي 28٪ من عدد سكانها الإجمالي. ويؤثّر ذلك على الاقتصاد المحلي والخدمات العامة، إذ يعيش عددٌ كبير من الوافدين الجدد في مناطق حضرية بدلأً من مخيمات اللاجئين. وقد تراكمت أيضاً الديون المنهكة على «حكومة إقليم كردستان» – تُقدّر بـ 20 مليار دولار أميركي – لعددٍ كبير من الدائنين، من بينهم شركات النفط الدولية. فهذا العام، على سبيل المثال، لم يدخل خزانة «حكومة إقليم كردستان» سوى ما يعادل 67% من عائدات النفط، إذ تمّ استعمال الأموال المتبقية لتسديد الديون لشركات النفط الدولية وتجار النفط.
    وفي ظل هذه الاحتياجات المالية، لا تستطيع «حكومة إقليم كردستان» تحمّل الحد من إنتاج النفط وبيعه، على الرغم من مشاركتها حصة العراق في «أوبك». وفي الواقع، تخطط «حكومة إقليم كردستان» زيادة صادراتها من النفط في عام 2017، حتى في الوقت الذي تُفكر فيه بغداد تجميد إنتاجها.

    سياسة الطاقة المفككة
    عندما وافق العراق في المرة الأخيرة على حصةٍ حددتها «أوبك»، تمّ اعمام سياسته المتعلقة بالطاقة على المستوى الوطني وإدارتها مركزياً من بغداد. أمّا اليوم، فتسيطر شركات النفط الدولية على قطاع الطاقة العراقي، وتنقسم الإدارة بين مسؤولي الحكومة المركزية في بغداد ومسؤولي «حكومة إقليم كردستان» في أربيل. وستكون تخفيضات الإنتاج مكلفة لكلا الحكومتين نظراً لالتزاماتهما التعاقدية مع شركات النفط الدولية التي تنتج 100% و80% من نفط «حكومة إقليم كردستان» والنفط العراقي على التوالي. ومثل هذه التخفيضات قد تضع شركات النفط الدولية في وضع غير مؤات، إذ إنّ دفعاتها في العقود الخدماتية مع بغداد وعقود مشاركة الإنتاج مع «حكومة إقليم كردستان» مرتبطةٌ بنحوٍ مباشر مع إنتاج النفط. إلّا أنّ «أوبك» ما زالت تعد العراق بلداً موحداً وتحتسب إنتاج «حكومة إقليم كردستان» ضمن حصة بغداد، على الرغم من أنّ الأكراد يحافظون على صناعة الطاقة والسياسة المتعلقة بها والخاصة بهم بنحو مستقل.
    وفي الوقت الحاضر، تملك «حكومة إقليم كردستان» عدداً من حقول النفط المهمة وتسيطر على الأنابيب الشمالية التي تصل إلى مرفأ جيهان التركي، الذي صدّرت من خلاله ما يقرب من نصف مليون برميل يومياً هذا العام. وتمّ تطوير الحقول المذكورة من خلال عددٍ من العقود بين «حكومة إقليم كردستان» وشركات النفط الدولية. إضافة إلى ذلك، يتم ضخ حوالي 245 ألف برميل يومياً من حقلَي «أفانا» و»باي حسن» في كركوك، اللذان وقعا تحت سيطرة «حكومة إقليم كردستان» في حزيران/يونيو 2014 عندما بدأ تنظيم «الدولة الإسلامية» هجماته الواسعة النطاق في شمال العراق. لذلك، قد يكون رقم 4.7 مليون برميل يومياً الذي جاءت به وزارة النفط العراقية في أيلول/سبتمبر رقماً مضخماً بنحو اصطناعي إلى ما يصل إلى 190 ألف برميل – ويبدو أنّ بغداد قد احتسبت إنتاج كركوك مرتين: المرة الأولى كجزءٍ من إنتاج «حكومة إقليم كردستان»، والثانية تحت ملف «شركة نفط الشمال»، وهي فرع من الوزارة الفدرالية التي كانت تتولى إدارة حقول كركوك قبل هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية». وهذه التناقضات تضعف موقف بغداد تجاه بقية أعضاء «أوبك» الذين قدّروا إنتاج العراق بـ 4.159 مليون برميل يومياً في كانون الثاني/يناير.
    ونظراً لاستمرار الخلافات المؤسسية بين بغداد و «حكومة إقليم كردستان» والحرب المستمرة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، لجأت الحكومتان إلى عقد صفقات من أجل التخفيف من حدة الخلافات حول إدارة موارد البلاد النفطية. إلّا أنّ هذه الاتفاقات غير مستقرة بطبيعتها نظراً للتغيرات في الحكومة، أو في الديناميات الاقتصادية، أو في توازن القوى على المستوى الوطني. وهنا يجدر الذكر أن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي هو أكثر تسامحاً من سلفه نوري المالكي الذي قطع حصة «حكومة إقليم كردستان» من الميزانية الفدرالية عام 2014 عندما رفض الأكراد تحويل تصديرات النفط الخاصة بهم إلى الحكومة المركزية. وبعد اجتياح تنظيم «الدولة الإسلامية» [لمناطق مختلفة في العراق]، أصبح خط أنابيب «حكومة إقليم كردستان» إلى تركيا طريق التصدير الوحيد لنفط كركوك الذي يبيعه العراق عبر ميناء جيهان. ومع ذلك، ونظراً للمخاطر السياسية الناجمة عن مطالبة بغداد بالنفط الكردي، اضطرّت «حكومة إقليم كردستان» إلى بيع صادراتها بسعر مخفض بنحو 10 دولارات للبرميل الواحد، وهي خسارة كبيرة في الدخل.

    فُرص التعاون
    إذا التزمت بغداد بتجميد الإنتاج الذي تطلبه منظمة «أوبك»، ستحتاج إلى التوصل الى اتفاق جديد وذي منفعة متبادلة (ولكنه مؤقت) مع «حكومة إقليم كردستان». إن الوقت مناسبٌ لذلك، فالنوايا الحسنة تزداد بين الطرفين، كما تجلّى في التعاون العسكري في الموصل وفي الزيارتين اللتين قام بهما عبادي ورئيس «إقليم كردستان» مسعود برزاني إلى العاصمتين أربيل وبغداد على التوالي. وبالفعل تتعاون «حكومة إقليم كردستان» مع بغداد بشأن المسائل التقنية، كتسليم نصف إنتاج النفط في كركوك إلى السلطات العراقية في جيهان.
    ونظراً لعدم تمكّن العراق من تحمّل تخفيض الإنتاج أو فرضه على «حكومة إقليم كردستان»، فلكل من أربيل وبغداد مصلحة مشتركة في التوصل الى اتفاق في اجتماع «أوبك» يعفي العراق من الحصة، ومع ذلك يرفع أسعار النفط. وبدلاً من إحراج سلطات الحكومة المركزية، يتعين على «حكومة إقليم كردستان» تعزيز موقف بغداد في اجتماع «أوبك» من أجل التوصل إلى إعفاء العراق أو تجميد إنتاجه على حصةٍ متوقعة. ومن خلال قيام «حكومة إقليم كردستان» بهذه الخطوة، فإن ذلك لن يخفف من الاستقلال السياسي الذي اكتسبته بمشقة بالغة. وبدورها، يمكن للحكومة المركزية أن تخفف من القيود القانونية المفروضة على مبيعات النفط الكردية التي أدت إلى الخصم الخطر في الأسعار المذكورة أعلاه. وبالمثل، لدى حكومة بغداد وشركات النفط الدولية الشريكة لـ «حكومة إقليم كردستان» مصلحةً كبيرة في استقرار قطاع الطاقة العراقي الضخم والقدرة على التنبؤ به، ويمكنهم جميعاً تسهيل ذلك جزئياً من خلال تشجيع كل من الطرفين على اعتماد موقف موحّد في «أوبك».
    وفي النهاية، تشكّل الضغوط التي تمارسها «أوبك» فرصةً لتعزيز شفافية إنتاج العراق من النفط ومبيعاته. وقد التزمت كل من بغداد و «حكومة إقليم كردستان» بالعمل لتحقيق هذه الغاية. وقد أبرم الأكراد مؤخراً عدداً من العقود مع شركتَي «ديلويت» و»إرنست ويونغ» لتدقيق سلسلة قيمة النفط والغاز لديهم، كما أن قيام المزيد من الشفافية سيقرّب الجانبين نحو مشاركةٍ شاملة للبيانات. ومن الضروري أيضاً أن تضيف بغداد مسؤولاً من «حكومة إقليم كردستان» إلى وفودها المشاركة في «أوبك»، على غرار ما فعلت في الاجتماع السنوي لـ «صندوق النقد الدولي» في تشرين الأول/أكتوبر. وسيساعد الحفاظ على قنواتٍ مفتوحة للتعاون وعقد الصفقات على نزع فتيل الصراعات التي من شأنها أن تزيد من عرقلة قطاعي الطاقة والاقتصاد التابعين لحكومتيهما.

    *بلال وهاب هو زميل «سوريف» في معهد واشنطن.

    "الصباح الجديد"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media