الطريقة العِلميّة للتفكير!
    الأثنين 5 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 20:30
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    [رِفاق إبداع يُريد المُبدِع ,أؤلئك الذين يعرفون كيف يشحذون مناجلهم] !
    هكذا تكلّم زرادشت / فريدريك نيتشه

    مقدمة :
    الحُريّة والمَعرفة مُرتبطان ببعضهم الى حدٍّ كبير!
    بدون حريّة لا يُمكن للمعرفة أن تتقدّم وتزدهر وتنفع البشرية!
    يقول د. ريتشارد داوكنز في مقدمة كتابهِ الذي نحنُ بصددهِ (فصول من الكتابة العِلميّة الحديثة) ,أنّ كتاب جاليليو (حوار بين النظامين الرئيسين في العالّم) الذي كتبه عام 1632 بموافقة البابا (أوربان الثامن) ,يعتبر أوّل كتاب علمي يُكتَب لأجل الناس وبلغتهم بحيث أصبح يُشكّل سابقة إستمرّت الى يومنا.تلك هي الكتابة العِلميّة لغيـر المتخصصين أو لعامة الناس!
    تسمى في الإنكليزية Popular Science   !
    اليوم أصبحت الكتابة العِلميّة للعامة فنّاً مُهمّاً قائماً بذاتهِ كأحد فروع الآداب ,مثل المسرح والشِعر والرواية!
    اُطلق عليه إسم الأدب العِلمي Scientific Literature
    طبيعة تلك الكتابة هي علميّة في المقام الأوّل .تستهدف تثقيف الناس وتنمية مداركهم العِلميّة .لذلك فهي تأخذ من العِلم منهجه ودقته .إنّما في ذات الوقت تستمد من الشعرِ خياله ورقّته ,ومن الرواية سردها ,ومن الفلسفة شمولها!
    إنّ الكتابة العِلميّة لم تعد تقتصر على سردِ بعض الحقائق أو الإكتشافات العِلميّة .ولم يعُد يكتبها بعض المُتأدبين من هواة العلوم .إنّما أصبحت مهنة العُلماء أنفسهم يكتبون بأقلامهم عن المُنجزات العِلميّة ودلالاتها وفلسفتها!
    يحاولون الإجابة على الأسئلة الكبرى في الكون كما يفعل الفلاسفة ,لكن إستناداً الى المنهج التجريبي وليس النظري!
    ملاحظة :الجزء الذي سألخصه الآن يعود بغالبيتهِ لمترجم هذا الكتاب
    (فصول من الكتابة العِلمية) السيد المحترم شفيق السيّد صالح!
    ***
    ص 10 / أهميّة الثقافة العِلميّة!
    تهدف الثقافة العِلميّة الى تبّني الناس للمنهج العِلمي في مقاربتهم لشؤون الحياة وظواهر الكون!
    يقول د.فؤاد زكريا في مستهل كتابه (التفكير العِلمي) مايلي:
    التفكير العِلمي ليس بالضرورة هو تفكير العُلماء!
    ويقول العالم (كارل ساجان) :
    العِلم هو أكثر من مجرد كَمْ من المعلومات ,إنّه إسلوب تفكير!
    في كلّ مرّة نمارس فيها نقد الذات ونختبر أفكارنا مع العالَم الخارجي ,فإنّنا نمارس العِلم!
    ***
    ص 11 /حالنا في العالَم العربي!
    نحن نفتقر بشدّة الى الثقافة العلميّة ,بالتالي الى التفكير العلمي في حياتنا!
    إسلوب التعليم عندنا (من الإبتدائية الى الجامعة) خاطيء كليّاً يعتمد على كمّ المعلومات (المنقوصة والمغلوطة غالباً) ,وليس على الرؤية النقدية!
    نحنُ لا نطمح (قريباً على الأقل) أن يظهر بيننا عُلماء من النوع المذكور في هذا الكتاب ,فهؤلاء الناس هم نِتاج قرون طويلة من النضال من أجل الحُريّة والمعرفة!
    كلّ مانأمله ونحلم به الآن ,أن نخطو خطوات جادة لتعميم الثقافة العلمية التي ستُفضي في النهاية الى تبنّي المنهج العلمي في التفكير والتحرّر من سلطان القهر والخرافات والأساطير!
    ***
    المَنهج العِلمي!
    هذا المنهج في أساسهِ يقوم على مُلاحظة مظاهر الحياة والكون المُحيط
    ثمّ محاولة تفسير تلك الظواهر عن طريق وضع فرضيّات وإحتمالات لها.
    لكنّه لا يتبنّى تلك الفرضيّات مهما كانت معقوليتها إلّا بعد إخضاعها لتجارب وإختبارات عسيرة!
    فإذا توافقت التجربة مع الفرضيّة صَحّت النظرية!
    لكن إذا لم يحصل التوافق فيجب إعادة النظر في الفرضية والنظرية.
    كما يتحتم على التجربة العِلميّة أن تكون قابلة للإعادة وأن تعطي نفس النتائج بصرف النظر عن الزمان والمكان!
    إنّ الطريقة العِلميّة التجريبيّة Empiricism  هي من أهمّ الطرق للوصول الى المعرفة!
    بالطبع هناك طرق عديدة (غير عِلمية) يستخدمها الإنسان للوصول الى الحقيقة المنشودة  ,كالنقل والسماع والتلقين!
    وهذا في الواقع مايفعله (في بلادنا البائسة) عموم الآباء مع أبنائهم ,أو الأديان والعقائد مع معتنقيها أو السلطة الديكتاتورية مع شعبها!
    القصد هنا يذهب بالدرجة الأولى الى كسب مشاعر وعواطف الأتباع بطريقة اليقين الكلّي القادم من قوّة عليا غير مرئية وغير قابلة للنقاش ,ولا دليل علمي واحد و لا أدنى سبيل تجريبي للتحقق من وجودها!
    إنّ الثقافة العِلميّة هي خليط معرفي من التأريخ والعلوم والفلسفة يتيح للإنسان العادي التعامل بشكل نقدي وبدون أفكار وأحكام مسبقة مع الظواهر المحيطة به ,وأن يكون له موقف من المجتمع والحياة والكون!
    إنّها تمنح الإنسان المَعرفة والتَصوّر العِلمي والآليات اللازمة لإتخاذ القرارات والمشاركة في المجتمع والحياة السياسيّة والإقتصادية وحتى الفنيّة!
    الثقافة العِلميّة تُمكّن الإنسان من التمتع بالفضول اللازم لطرح التساؤلات عن أيّ موضوع يشاء.وله أن يتشكك في أمور كان مُسلّماً بها!
    كما له أن يقدّم فرضيات وإجابات ,وينبذ أفكار ويتبنّى أخرى!
    إنّ المعارف تراكميّة يستتبع بعضها بعضاً!
    لكن القفزات الكُبرى تأتي من قطع التواصل مع الماضي في التفكير وليس فقط في المعلومات!
    ***
    ص 12 / أصنام فرانسيس پيـكون!
    هو أحد أهمّ فلاسفة ومُنظّري المنهج العِلمي التجريبي في القرن الـ 16
    يقول :كي يتطوّر العِلم والمجتمع ,يجب تخلّصهم من أربعة أصنام!
    الصنم الأوّل/ القبيلة!
    التي تمثّل مُجمَل المعتقدات الزائفة المزروعة في الطبيعة الإنسانيّة!
    الصنم الثاني/ الكهف!
    كهف الأفكار الشخصيّة التي يتقوقع فيها المرء وغالباً تكون إعتباطيّة!
    الصنم الثالث/ السوق!
    يتمثّل بالمعتقدات الزائفة الناتجة عن تواصل البشر مع بعضهم .فينتج عنه تبادل كلمات ومصطلحات عامة يتّم تبنيها رغم زيفها وعموميتها!
    الصنم الرابع/ المَسرح!
    هنا يتّم تشبيه الناس بالمتفرجين في عرض مسرحي يتلقون التعليم من خشبة المسرح .والمقصود هنا (بالضبط) مجمل المنظومة الفكرية الدينيّة الدوغماتية التي يتّم تلقينها للمجتمع ,خالقةً عالماً مسرحياً زائفاً ,ومنظومة أحكام مُسبقة تقف عقبة كأداء في وجه الحقيقة!
    ***
    ص 13 / ما العمل ؟
    لابّد من إزاحة الوعي الزائف بكلّ أشكالهِ عبرَ فَهم المَنهَج العِلمي وفلسفة العِلم التي تتجاوز حدود الإكتشاف العِلمي ذاته!
    إنّ القفزات العِلميّة الكُبرى هي تلك التي أحدثَت تغييراً جذرياً في النظرة للحياة والكون وفَهمهم ومحاولة السيطرة عليهم!
    أحياناً قد يبدو الإكتشاف العِلمي ضئيلاً لا يكاد يُحدث جلبة ,أو لا نفهم مغزاه في حينه ,رغم كونه يحمل في فلسفته إنقلاباً كبيراً على السائد من المعارِف والمُعتقدات!
    مثل تلك التجربة التي أجراها الطبيب الإيطالي (فرانشيسكو ريدي) أواسط القرن الـ17 أثبت فيها أنّ الحياة تنشأ من الحياة نفسها وليس من الجماد!
    (أخذ قطعة لحم وعلّقها في الهواء حتى تتعفن ...الخ)!
    تلك التجربة البسيطة دفعت (البحث عن الحياة) الى طريقهِ الصحيح!
    من يومها بدأنا ننظر للحياة من داخلها وليس من خارجها!
    بعد ذلك تمّ إكتشاف الخليّة والنواة والمواد الوراثيّة والجينات!
    ثمّ تغيّرت النظرة للكائنات الحيّة والإنسان والأجناس والأعراق وتأريخ الحياة نفسها!
    (ملاحظة:كان يُعتقد سابقاً حسب الأديان أنّ حياتنا البشرية لاتتعدى بضعة آلاف من السنين,لكن أثبت العِلم من خلال الحفريّات أنّها تقاس بالملايين)!
    بالطبع لن يتسنى لنا فهم كلّ ذلك دون قراءة ماكتبه وإكتشفه عُلماء البايولوجي / داروين ,والاس , فيتشر ..الخ!
    وحتى إذا لم نشأ الإتفاق معهم ,يجب أن نتحلّى بالثقافة العِلميّة التي تُمكننا من الإتفاق أو عدمهِ ,أليس كذلك؟
    يتحتّم علينا أيضاً إزاحة الأصنام الأربعة التي أشار إليها فرانسيس پيكون!
    ***
    ص 14 / العِلم سبيلنا الوحيد للمعرفة واليقين!
    كيف يُمكن لسياسي أو أستاذ جامعي أوقاضٍ أو كاتب أو صحفي أو حتى إنسان عادي أن يُشارك ويفهم النقاش حول الإستنساخ أو الخلايا الجذعيّة أو قضايا التهديد المناخي ,إذا لم يكونوا على عِلم بمباديءعِلم الأجنّة والوراثة والفيزوـ جغرافية؟
    كيف يمكنهم إتخاذ القرارات السليمة وسنّ القوانين المناسبة في هذا الشأن؟
    ما الذي نعرفه (كشعوب بائسة) عن الكيمياء والفيزياء والرياضيّات التي غيّرت مفاهيم البشرية عن الكون ومكان الإنسان فيه؟
    هل يكفي أن نعرف أنّ (كوبرنيكوس) قد إكتشفَ في القرن الـ 16 أنّ الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس؟
    الإنسان المثقف عِلميّاً يمكنه النفاذ الى الفلسلفة من وراء هذا الإكتشاف!
     ماذا يعني لنا أن تكون الارض ليست محور الكون ,إنّما جزء يسير منه لا يكاد يُرى بين مليارات الأجرام الكونيّة؟
    ماذا يعني لنا إكتشاف (نيوتن) في القرن الـ 17 أنّ هناك قوانين (حركة وجاذبية) تحكم الطبيعة؟
    أين يمضي بنا إكتشاف آينشتاين بأنّ الزمن غير مُطلَق؟
    هل هناك من حتميّة ننساق إليها بفعل قوانين الفيزياء والوراثة؟ أم أنّ هناك مساحة للإختيار الحُرّ؟
    تلك أسئلة كبرى كان أمرها متروكاً للفلاسفة والمُتأملين!
    لكنّها اليوم تدخل أكثر ضمن نطاق فلسفة الفيزياء وفلسفة علم الأحياء!
    ***
    الخلاصة :
    أهمّ فائدة نجينيها من القراءة العِلمية هي الوصول الى طريقة التفكير العِلمي في تفاصيل حياتنا ,وبالتالي تحسينها نحو مزيد من الرفاهيّة!
    يقول مترجم هذا الكتاب الرائع السيد شفيق السيّد صالح
    [كي نُلِّم بنصيب من الثقافة العِلمية اللازمة يجب أولاً أن يكون لدينا عُلماء
    وأن تكون لديهم القدرة اللغوية على شرح العِلم لعامة الناس.
    وأن تكون لديهم القدرة الفلسفيّة على وضعِ معرفتهم في إطار تفسير ظواهر الكون ,وإستخدامها في الحياة اليوميّة الفكرية والعمليّة!
    أخيراً يجب أن يكون المُتلقي قادراً على قراءة وفهم ما يكتبه العلماء دون الحاجة لأن يكون مُتخصصاً في تلك العلوم]!
    على كلٍّ ,بالنسبة لي وبعد تجارب وقراءات سنوات عمري الذي قاربَ الستين ,أعتبر أنّ القراءة العِلمية التي توصلنا الى طريقة التفكير العِلمي في كلّ شيء يخّص حياتنا ومحيطنا ,بدءً من طريقة التنفس الصحيح ,وإنتهاءً بأعظم ثقب أسود في هذا الكون الفسيح ,هي الخطوة الأهمّ في طريق النهوض المأمول!
    لابُدّ أن نتخلّص من كسلنا الفكري وإستسهالنا لقراءة كتب التراث الصفراء الدونكيشوتيّة التي تعظّم في نفوسنا القتل وكراهيّة الآخر المختلف!
    فإذا كانت الكُتب العلمية ثقيلة الدم والفَهم ,فالحلّ موجود عن طريق المقالات العلمية المكتوبة خصيصاً للعوام!
    فهي مكتوبة بلغة علمية سهلة واضحة ,ناهيك عن الأدب والرومانسية!
    في الغرب علماء موسوعيّون محترمون يكتبون للعامة ,أمثال :
    د. ريتشارد داوكنز , روبرت لي پارك ,دانيال دنيت , جارد دياموند ,سام هاريس ..وغيرهم كثير!
    بالنسبة لي فإنّ كتاب عالم الفيزياء الأمريكي الموسوعي روبرت لي پارك
    الموسوم ( الخرافة في عصر العِلم / Superstition ) قد نقلني بطفرة واسعة للأمام بحيث بات بإمكاني الربط بين جميع المواضيع العلمية التي تخّص حياتنا!
    ولكثرة إستفادتي من هذا الكتاب آليتُ على نفسي تلخيصه كاملاً لجمهور القرّاء .فكان ذلك عملاً مضنيّاً إستغرق منّي عام كامل وحوالي 23 مقال طويل ,سأضع رابط أوّلها ومنه يمكنكم الوصول الى الأخريات!
    في الواقع نظراً لجمال وشاعرية إسلوب (روبرت لي پارك) يشعر المرء بإشتياق دائم لإعادة قراءة ماكتب مراراً !
    فتخيّلوا كميّة المُتعة والإستفادة العلمية من أمثال تلك الكتب!
    حقّاً إنّها تغيّر حياتنا نحو الأفضل!
    ***
    رابط مقال ج1 / تلخيص كتاب الخرافة ,روبرت لي پارك
    http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=763136.msg7350702#msg7350702

    رعد الحافظ
    5 ديسمبر 2016
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media