اخترت لكم: (قصتي مع مريضي اليهودي)‎
    الأثنين 5 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 22:13
    حسن الخفاجي
    قصة حسيبة ، التي ستعرفونها من خلال هذا المقال ، الذي كتبته ببراعة  كاتب محترف الدكتورة علياء الكندي . حسيبة يهودية عراقية مثلها مثل مير بصري وسمير نقاش هُجِّرت من العراق ورفضت العيش بإسرائيل. وظلت تحلم بالرجوع للعيش في العراق.

    حسيبة تشبه اغلب العراقيين  اللذين تفصلهم آلاف الكيلومترات عن العراق ، لكنه يعيش بداخلهم.

    حب العراق ، حب لا اعرف وصفه ، ولست متأكدا هل هو  مرض ام لعنة ام تعلق ام ماذا !؟ . افيدوني.

    اليهود المتدينون رفضوا العيش باسرائيل لأسباب دينية تتعلق بالحلال والحرام.

    ترى لماذا يسرق ويقبل المال الحرام اغلب جماعات الاحزاب الاسلامية التي تشترك بحكم العراق؟.
    حسيبة وانا ومثلي ربما الملايين من العراقيين نكتوي بنار العراق يوميا وما يحصل لاهلنا ، بينما يُدَمِر العراق من الداخل من يديرون السلطة وينتسبون لاحزاب الاسلام السياسي.

    أترككم مع المقال .. قراءة ممتعة 

    (قصتي مع مريضي اليهودي)
    د. علياء الكندي-بريطانيا

    في إحدى ظهيرات شمال انجلترا الملبّده بالغيوم... خرجتُ من مكان عملي لأقوم بزيارة لإحدى المرضى في منزله، وهذا ما يفعلهُ الطبيب في العاده إذا كان المريض بحاله صحيه سيئه ولا يقوى على الذهاب إلى الطبيب بنفسه.

    توجهتُ إلى بيت المريض، حاملةً معلومات عرفتها من سجله الصحي الإلكتروني .رجل ثمانيني، يعيش وحيدآً مصاب بسرطان متقدم في احد أعضاءه، لا أمل في شفائه، يعيش على المسكنات، رفض كل أنواع المساعده أو الرعاية الاجتماعية وفضل أن يبقى في بيته ويموت فيه.

    حين وصلت، أدخلت الرقم السري المعروف لدينا من ضمن السجلات ، لفتح باب البيت. ما أن دخلت، ركضت نحوي كلبته.. كلبه سوداء ، نحيفه، هزيله، بدأ عليها الجوع والتعب. نظرت إلي بعينين سوداوين كبيرتين لم يبقى من بيضاهما شيء يذكر .. نظره فهمتُ منها ما أرادت قوله، رغم أني لستُ من هواة الكلاب ولا من فاهمي نظراتهم. لكن تلك الكلبه.. لم تكن تتكلم، كانت تستنجد بي أن اساعد صديقها المسكين.

    مشيتُ نحو اول غرفةٍ صافدتني، كان الرجل يستلقي منزلقاً على كرسي كبير.. يكاد يسقط منه. حال الغرفه كان يرثى له، السجاد ملطخ ببقع من كل الألوان.. الرسائل والجرائد وعلب الطعام الفارغه ملقاة في كل مكان. حتى طعام الكلبه.. منتشر هنا وهناك فوق السجاد .. من الواضح انها كانت تخرجه بنفسها من كيس طعام الكلاب الكبير المتروك في الزاويه قرب المدفئه.. المدفئه نفسها غطاها التراب.. لأن احداً لم يشعلها منذ زمن. كان البيت بارد .. بارد جداً وكئيب.. والحبوب المسكنه للألم كانت منتشره على الأرض.. ادركتُ حين رايتها أنها كانت تسقط من يدي مريضي المرتعشتين قبل أن يوصلها إلى فمه.

    من بين كل تلك الفوضى.. لفت انتباهي شيئين.. صوره لأم كلثوم معلقه على الحائط.. وكأس نبيذٍ نصف ممتلئ على الطاوله بجانب الرجل.

    اقتربي يا دكتوره.. قال لي.. ما اسمكِ؟ لا أظن اني رأيتك من قبل؟
    ولا انا .. سعيده برؤيتك.. أخبرته باسمي .. وسألته كيف يمكنني أن اساعده اليوم؟!
    رغم أني في قرارة نفسي .. أدركت بعد الذي رأيت.. أن ما من طريقةٍ اساعد بها هذا الرجل!!
    قال : من أين اسمكَ؟ هل انتي عربيه؟
    قلت: نعم . انا عراقية.
    قال: هل تعرفين من هذه؟ وأشار إلى صورة ام كلثوم.
    قلت: بالطبع اعرف.
    قال: ما اسمها؟
    قلت : الا تعرف اسمها؟ كيف علقت صورتها من دون أن تعرف؟
     
    قال: انها زوجتي.. زوجتي علقت صورتها.. كانت تحبها كثيراً . زوجتي (حسيبه) عراقيه مثلك. يهوديه عراقيه. ..أجبرت وعائلتها على ترك العراق ، ولأنهم كانوا ضد مبدأ اغتصاب الأرض.. رفضوا العيش في إسرائيل فطلبوا اللجوء في بريطانيا.

    وانا يهودي بريطاني،تعرفتُ عليها في المعبد. وعدتها يوم احببتها اني سأعود بها لتعيش في العراق لكني لم أفعل.. لم أجرؤ أن اجازف بها..وهي لم تتوقف عن حلم العوده.. و لم تتوقف عن سماع ذات الاغنيه لهذه المغنيه كل يوم. .. على مدى أربعون عاما ً ..

    سألته: هل تعرف الاغنيه؟ قال للأسف لم احفظ كلماتها.. لكن أخبرتني حسيبه مره أن الجمله الأولى منها تعني (هل سألتقيك غداً؟) . قالها بالإنجليزية.. ففهمت ان زوجته كانت تستمع لأغنية (أغداً القاك).

    سألني أن كنت عرفتها.. فاجبته اني عرفتها.. توسل الي ان يسمعها.. وعدتهُ بأني ساجعله يسمعها لكن قبل ذلك علي أن أساعده في تخطي آلامه التي يسببها المرض.

    طلب مني أن أكتب له المزيد من المسكنات.. وافقت ..لكني أخبرته انه بحاجه الى ممرضة تزوره عدة مرات في اليوم لإعطاءه الدواء لأنه لا يستطيع أخذ دواءه بنفسه ..
    رفض الرجل .. وقال: لا تعتقدي أن تلك الحبوب التي على الأرض قد سقطت من يدي .. انا افتح علبة الأدوية وارميها على الأرض متعمداً.. لكي اعدّها كل صباح واعرف التاريخ!!

    فارجوكِ اكتبي لي المزيد منها كي لا أفقد حساب الأيام... لكن لا تكتبي الكثير منها .. لا أظن اني ساحتاجها طويلاً!!
    وماذا عن ألمك، كيف تسكنه؟ سألته... أشار على قدح نبيذه وابتسم.

    استجبت لطلبه .. واخبرته اني سأكتب له المزيد من المسكن واطلب من الصيدليه إيصالها لبيته. أخرجت قطعة ورق صغيره من حقيبتي وكتبت له اسم ام كلثوم بحروف انجليزيه (um Kalthoom) كي لا ينساها. وقبل أن أخرج، قررت أن أحقق له أمنيته الاخيره .. أن اسمعه اغنية (أغداً القاك) قال لي ان حسيبه كانت تسمعها وتهديها لِـ(العراق) وأنه يريد أن يسمعها ويهديها لـ(حسيبه).

    لكن واجهتني هنا مشكله. لم يكن لدى الرجل اي وسيلة تكنولوجيه أو اتصال بالإنترنت.. لم يكن في بيته اي شيء يمت بصله لأجهزة الاتصال الذكيه! ولم أتمكن انا من البقاء عنده لحين انتهاءه من سماع الاغنيه على جهازي الجوال .. فقد كان علي العوده الى العياده لرؤية مرضى آخرين.. وكعادتي.. خرجتُ بحلٍّ ذكي ! أخبرته اني ساتصل على رقمه الأرضي من العياده حال وصولي .. واترك جهازي الجوال بجانب سماعة الجهاز واتركه يسمعها .. وفعلاً وصلت وفي داخلي خوفٌ كبير من أن ينتهي عمر الرجل قبل أن أحقق أمنيته.. اتصلت من الخط الأرضي لإحدى الغرف الفارغه في المجمع الطبي. أجاب... فأعاد قلبي إلى سرعة نبضه الطبيعية باجابته تلك .. ما زال على قيد الحياة..

    تركته على الخط مع الاغنيه..
    وذهبت انا لرؤية مرضاي الآخرين.
    عدتُ إليه بعد ساعه وربع كانت الاغنيه قد انتهت منذ دقائق. شكرني وقال: انتي أفضل مني .. حققتي أمنية انسان على وشك الموت .. أما أنا ، فلم أحقق أمنية زوجتي قبل أن تموت.

    تمنيت له ُ ليله سعيده .. وأغلقت.

    في اليوم التالي .. بداتُ يومي في العمل كالعاده بالاطلاع على رسائلي الإلكترونية بخصوص المرضى. الرساله الثالثه كان عنوانها اسم ذلك المريض .. فتحتها .. فلم أجد فيها أكثر من ثلاث حروف (R.I.P ) ارقد بسلام.
    تحققت أمنية مريضي(جوشوا) بعد ان سمع الاغنيه والتقى ب ( حسيبه).

    ومن يومها وانا استمع لام كلثوم كل يوم تغني (أغداً القاك) علي ان أكون أوفر حظّاً من حسيبه .. والتقي بـ (العراق) غداً .. أو بعد غد...


    حسن الخفاجي
    6/12/2016
    hassan.a.alkhafaji@gmail.com
    التعليقات
    1 - قصة حسيبه العراقيه
    سامي السومري    05/12/2016 - 23:46:0
    تحياتي للكاتب النبيل الاخ حسن الخفاجي. في الكليه التي ادرس بها في اوربا يوجد لي صديق اسناذ يهودي قدير. ففي سنين التفجيرات الفلسطينيه في اسرائيل كان يحزن كثيرا وكان يأتي عندي ويناقشني ومع شديد الاسف كنت ادافع عن الفلسطينين. بعد 2003 عندما بدء الارهابين يفجرون انفسهم بأهلنا كان يأتي عندي بعد كل انفجار ليعزيني, كم كنت اشعر بالخجل وبالاسف على نقاشاتي السابقه. قصة اخرى: في 2004 اجريت عملية جراحيه في لندن وبعد يومين اخذ يزوني يهودي عراقي يوميا هو الاخر اجرى عملية جراحيه. وكان يجلب معه الطاولي لنلعب ويحدثني عن ان اهله هجروا من بغداد واستقروا في لندن عندما كان طفلا وهو يتذكر بغداد وكررها مرات بانه يتمنى زيارتها قبل موته.
    2 - بكيت ثلاثا من أجلك ياوطني/ياشعبي
    المغترب    06/12/2016 - 14:04:4
    أعذرني ياأبن العم الكريم أن أستغل موقعك الكريم هذا بسرد قصة لي منذالطفولة والتي أثرت في نفسي جدا وجعلتني أن أكون كما أنا الأنسان الحر في الغربة. أولها، بعدما فقد جدي أثنين من أخويه بعد أختطافهم من مزرعتهم في الهندية (معسكر الرشيد) حاليا من قبل الجندرمة العثمانية وأقتادوهم الى القوقاز أو الى مكان أخر لحد الأن لم نعرف عنهم شيئا، وبعدها فوجع جدي من جديد بأخذ مزرعتهم منهم وجميع المزارع من قبل الأنكليز وتحويلها الى معسكر الرشيد. وثانيها، بكيت لأول مرة من الناحية الوطنية وأنا في سن الستة أعوام حين رجع عمي الظابط برتبة ملازم ثاني من فلسطين بالقوة وكان يبكي فقلت له لماذا هذا البكاء وأنت رجل كبير فشرح لي ما حدث الى الجيش العراقي في حرب فلسطين وكيف طردوهم وهم في عز أنتصاراتهم و كان عمي برفقة عبد الكريم قاسم وعمر علي في ذالك الوقت، ولهذا بكيت ولا أزال أبكي لأن المشكلة لاتزال جارية المفعول والى نفس السبب. وثالثها، كنّا ولا نزل نسكن في الكرادة وفي شارع بسيط يسكنه جميع مكونات البلد وكانت واحدة من جهته تسكنه العوائل اليهودية وكان عندهم التورات (المعبد اليهودي) لذا سمي شارعنا بشارع التورات وكانت تسكن مقابل دارنا أمرأة عجوز وبعض من عائلتها وكنت أسميها (لولو بقا )لما كانت تنطق بالقاف في جميع مفرداتها وكانت تستعيرني من أمي أيام السبت لأقوم ببعض الأعمال البسيطة مثل أطفاء النور أو بالعكس أو بتشغيل البريمز لأنهم لايستطيعون القيام بأي عمل مهما كان بسيطا أيام السبت، وكان في نهاية الشارع على جانب نهر دجلة بستان جميل جدا وبيت كبير ويسكن فيه أقتصادي ماهر ومستشار الى الحكومة ويعمل كذالك كصراف وكان أسمه (أسحاق شالون). وحين حصل الفرهود في أوائل الخمسينيات و في عشية وضحاها هجم كثير من الناس على بيوت العوائل اليهودية و قتلو الكثير منهم وسرقو ممتلكات بيوتهم. ومنها أن بنت مختار المحلة قتلت أسحاق شالون بسرد بطنه بالسكين وحينها بادر جدي الذي فقد أثنين من أخوته قبل ثلاثين عاما بحماية بعض العوائل من جيراننا الى حين أستتباب الوضع. والحادثة الأخرى التي لا يمكن أن تذهب من مخيلتي هي أني رأيت( ليلو بقا )واقفة بدون أن تتحرك في الشارع العام وكثير من الناس والأطفال ومنهم أولاد بنت المختار يرموها بالحجارة، فبكيت لما يجري لها ولم يستطع أحدا فعل شيء الى أنقاذها. وهذا البكاء لايزال يراودني بين الحين والأخر. وثالثها، وفي صباح يوم ١٤تموز ١٩٥٨ أعلنت الأ ذاعة العراقية بثورة على النظام الملكي وخرجنا من الكرادة متظاهرين تأييدا الى هذه الثورة العظيمة و كان عمي الضابط الصغير واحدا من الثوار وبقيادة عبد الكريم قاسم رحمه الله. وحين وصلنا الى جسر مود رأيت في بداية الجسرجثة الوصي عبد اله معلق على بناية الهوتيل و مقطع الأشلاء و كان واحدا من المتضاهريين يقطع جزء من جسد الوصي ويرميه على المتظاهرين، وحينها سكتُ عن الهتافات وعيوني تنظر في الأرض وبكيت من جديد ورجعت ماشيا الى دارنا في الكرادة مطئطء الرأس و حافي القدمين وبدرجة حرارة تموز الاهب. العبرة هي:- أن الظلم لابد أن يكون له حد، وما يدخل في العقل الباطني في وقت الطفولة لايمكن أزالته، وأن الذي يفقد واحدا من مقربيه بدون سبب لايمكن نسيانه. وأن جميع المشاكل التي عنينا منها في السابق لاتزال نفسها أو أسوئ منها اليوم لكن بمحتل أخر. عثماني، أنكليزي، أمريكي/داعشي،والله أعلم من سيأتي بعدهم. لكم الله يا أطفالنا لما رئيتم وترون لما يسببه مخانيث السياسة في سدة الحكم وسياسيين قوى الشر في الجانب الأخر.
    أضف تعليق
    اسمكم:
    بريدكم الالكتروني:
    عنوان التعليق:
    التعليق:
    اتجاه التعليق:
    شروط التعليق:لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى لائق بالتعليقات لكونها تعبر عن مدى تقدم وثقافة صاحب التعليق علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media