دراجة الخاتون
    الثلاثاء 6 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 21:28
    علي السيد جعفر
    لم أنتبه يوماً، أو حتى أفكر بـ"عواقب" أن تكون للـ"خاتون" دراجة هوائية، سيارة، وإرتياد أحواض سباحة قبل أن أقترن بها ولازالت أنا الذي تغرقه بركة ماء في مدينة عراقية لم يسعف ساسة العراق الجديد الوقت والمال الوفير لإنجاز ما يخفف عن الناس معاناة الخوض في وحل شتاء ماطر، فرحاً بعجوز يقف جانباً على رصيف مجاور لتحيتها، تحيتي، أنا اللاهث خلف دراجتها المسرعة بلباس رياضي، الرسم على الزجاج فنها الذي تعشق حتم عليها الإختلاط بآخرين، تبادلهم الرأي، تجادلهم وصولاً لما يمكن أن تكون عليه اللوحة، أو مكانها المناسب الذي تحتله في بيت، أو مسجد طلبا منها عملاً، قد يبدو هذا خارج سرب "الإيمان" الذي عليه الناس اليوم، كفراً، وتمرداً على قيم إجتماعية "طارئة" أوجدتها ظروف إستثنائية مرت بها البلاد ومازالت تصارع، أملاً بخلاص أبدي، أو رضوخاً لواقع رسخ تلك العادات وأصلها، لم تأخذ شعارات حملة صدام الإيمانية وما أنتجته من خراب ديني وإجتماعي، أو ما جاء لنا به حاكم بإسم الله جديد مني مأخذاً، مؤمناً بدور المرأة، كائن بشري كامل الأهلية، الحرية، غير مقيدة بأغلال دين، أو عرف بال، حاولت جاهداً الإنسلاخ من منظومة قيم دنيئة تجعل من "الخاتون" وأخواتها "عورة"، مستذكراً لباس نسوة بغداد قبل أن تُصبغ المدينة بما هي عليه الآن من قبلية، وتأسلم كاذب، أمهاتنا، أخواتنا، جاراتنا في تلك الدرابين الضيقة النقية، وقد توفاهن الله قبل أن يهتديّن، أو يدركن حجم خطيئتهن! لم أشعر يوماً بعار، كتبت الصديقة نهى الصراف قبل أيام في العرب اللندنية عن خجل إستذكار شراء حذاء أمام مشاهد أطفال مخيمات النازحين الذين يتجولون أمام كاميرات التلفاز وهم حفاة، العار الذي لا نتوقف عنده طويلاً هنا، في سرقة مال عام، كذبة سياسي فاشل، يستجدي أصوات الناس بعنوان طائفي، ثم يولي الدبر، هارباً بما سرق، تدين زائف، نفاق، وأمراض إجتماعية مزمنة ومفاسد كبيرة تلف مجتمعنا.
    كان للسلطات المتعاقبة دور في عقاب بغداد، جلدها، تجريدها من مدنيتها، تسامحها، هيّ اليوم أشبه بأرملة بثياب سوداء، قرية كبيرة أندثرت أسرها وأنطمرت آثارهم، أسارى، خائفين، غرباء منزوين بعيداً خشية "دگة باب" يطالبون بعدها بالحضور مرغمين لفصل عشائري لا يفقهون منه شيء في "خيمة" أُعدت سلفاً بعد لهو بريء لأطفال الحيّ تسبب بخدش أحدهم، أو كلمة عابرة يراد بها مغنماً، في بغداد اليوم؛ لا صوت يعلو فوق خطاب المنبر، بغداد القرية؛ لا مسرح للعرض، سينما، أو مكتبة عامة، دراجات جميلاتها، أملها بمستقبل مشرق بدا غريباً عليها، أستغربته، وأستهجنه "محتل"، كان من واجب أي سلطة إلزامه بإحترام قيم المكان، مدنيته، لا أن تسمح له عمداً بإضفاء لونه عليه وطمس الأصل.


    علي السيد جعفر
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media