كيف تعامل كردستان اصدقاءها اليساريين؟
    الأربعاء 7 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 04:27
    صائب خليل
    [[article_title_text]]
    التصريح الأخير لمسعود البرزاني بعدم الانسحاب من الأراضي التي استولى البيشمركة عليها من داعش، وان ذلك تم بالاتفاق مع الحكومة العراقية وأميركا(1) اثار أسئلة كثيرة عن مستقبل العراق وعن دور رئيس حكومته العبادي وعن الدور الأمريكي الكردستاني الذي يبدو مصمما على تحطيمه، والتصريح ليس بالجديد ولا الغريب، بل ان أي تصريح مختلف سيكون مفاجأة ربما تدعو الى العجب وحتى الريبة.

    ومن بين الأسئلة التي تطرحها تلك التصريحات العدوانية الصريحة المتكررة، سؤال إلى "أصدقاء كردستان" اليساريين، والذين يبدو للشعب العراقي انهم مقسمين على الوقوف وراء حكومتها مهما فعلت، والدفاع عنها بوجه من يجرؤ على فتح فمه بانتقادها بتهم جاهزة من القومية إلى الفاشية إلى البعثية. وفي أحسن الأحوال يتم السكوت عن كل جرائمها بحق العرب، بل والسكوت أيضا عن كل جرائمها حتى ضد شعبها الذين يدعون ان مشاعرهم تتجه اليه، وليس الى الحكومة.
    بعد كل تصريح عدواني من القيادة الكردية يلتفت العراقيون إلى حكومتهم التي تبدو لهم مغرقة في الإذلال الكردي، وإلى احزابهم ونوابهم. وفي كل مرة يلتفتون أيضا إلى هؤلاء "الأصدقاء" ولسان حالهم يقول: ألم يحن الوقت للتبرؤ من هذه العلاقة التي لم تعد مشرفة؟ فمن الواضح حتى للأعمى أن كردستان قد تحولت من مضطهد (بفتح الهاء) إلى مضطهد (بكسرها) تماما كما تحول اليهود بعد إنشاء إسرائيل على أنقاض فلسطين.

    السؤال الذي يحير الناس في العراق هو: ما هو الضغط الذي تسلطه كردستان على هؤلاء ليغامروا بسمعتهم إلى هذه الدرجة بدعم عدوانها على شعبهم؟ وما هو شكل العلاقة التي تتيح لها ان تجبرهم او تدفعهم إلى الدفاع عن جرائمها؟

    من المنظمات التي كتبت عنها أكثر من مرة، ما يسمى بـ "التجمع العربي لنصرة القضية الكردية". وهي جماعة يسارية بشكل رئيسي يبدو انها تنام نومة الكهف، وما تزال تتحدث عن "القضية الكردية". وما اريد طرحه اليوم هو رسالة تشرح هذه العلاقة المريضة بين كردستان واصدقائها. الرسالة موجهة من مدير عام في وزارة الثقافة والشباب في كردستان، (الدكتور شمال الحويزي) في تموز 2014، وتجدون نصها على الرابط ادناه، وهي في رأيي تشرح كل شيء.(2) (تركت الاقتباسات بدون تصحيح لغوي)

    يبدأ د. شمال رسالته باحتقار واضح لأعضاء التجمع فيقول: "لدي ملاحظتين فقط على بيانكم الأخير والذي لم يخرج عن إطار تكرار و اطلاق قناعات قديمة وشعارات سابقة للأسف أكل عليها الزمن وشرب".

    "القناعات والشعارات" التي يحتج عليها د. شمال ليست سوى تكرار هذا التجمع مطالبته للحكومة العراقية بتنفيذ المادة 140!. (ولنتذكر ان هذا كان قبل سنتين من التوسعات الكردية الأخيرة)
    يشرح د. شمال سبب انزعاجه بالقول أن "تجارب الماضي والمستجدات الأخيرة اثبتت للشعب الكردي بأن (الحق تؤخذ ولا تعطى غلابا)، وأن " الفرص التأريخية ... لا تأتي دوماً" وأن الكرد طالما ضحوا بقضيتهم "من اجل شعارات واهداف وهمية" (مثل: حكومة الشراكة الوطنية، الفدرالية، سيادة العراق، الخيار الديمقراطي، العملية السياسية في العراق الجديد، المساواة بين الشعوب العراقية في الحقوق والواجبات و اخيراً وليس آخراً السياقات الدستورية ووحدة الارضي العراقية). وأكد ان "الطرف الكردي هو الوحيد الملتزم بها وأنه "كان على طول الخط هو الخاسر والمصاب بداء "الحب من جانب واحد"."!!! (والحقيقة هي اننا لو قلبنا كل كلمة في هذا التصريح، لصار صادقا تماما).
    وبعد أن يكرر حكمته كما يقولها، بأن (الحق لا تعطى وإنما تؤخذ غلابا)، يؤكد د. شمال للجماعة بأن "نصرة القضية الكردية حقاً يتطلب منكم دعمه في تثبيت الواقع الجديد والذي هو الحق الطبيعي والتأريخي لشعب كردستان"!

    فالمادة 140 التي طالما طالبت بها كردستان، لم تعد إذن تمثل "الحق الطبيعي والتأريخي لشعب كردستان" لأن البيشمركة عبرت تلك الحدود بمسافات بعيدة، وبالتالي فعلى من يتبع كردستان ان يوسع مطالباته لـ "حقوقها" ولا يبقى على حدود المادة 140!

    يكمل د. شمال: "ثانياً: انني استغرب عدم تطرق بيانكم لمسألة حق تقرير المصير للشعب الكردي على كامل ترابه الوطني" وبما أن المادة 140 صارت "قديمة" فالله يعلم ما هي حدود "كامل ترابه الوطني".

    بعد ان ابدى التبجيل لوطنه وحدوده الجديدة، يعود د. شمال إلى "أصدقاء كردستان" ليصف وطنهم بـ "دولة عراق الوهم"! فيقول: "ان الاوضاع الجديدة.. يتطلب عدم التضحية بالقضية المركزية من أجل محاولات فاشلة لإعادة بناء دولة "عراق الوهم"."

    وربما قلق د. شمال هنا أن يكون هناك مشاعر كرامة باقية في هؤلاء الأصدقاء يمكن ان يخدشها هذا "الأسلوب"، فيحاول أن يكحلها فيعميها أكثر، بدعوته أصدقاءه إلى اليأس من شيء اسمه العراق: "ايها الأصدقاء الأعزاء، انني اعتز بعلاقاتي ومعرفتي السابقة والشخصية بكم، وهذا ما دفعني ان اكتب اليكم بهذا الأسلوب." ويبدو أن "الاعتزاز" هذا يعبر عنه من حكومة كردستان بقلة الأدب واللياقة. يكمل د. شمال: "أدعوكم الى قراءة موضوعية وأكثر واقعية لما حلت بدولة العراق وما آل اليها، رغم كل الشعارات والطروحات والمحاولات الأرادوية الغير مجدية."
    واخيراً يعطيهم درساً في "سياسة الأمر الواقع" التي نعرف من أين تعلمها، مثل كل شيء آخر في كردستان، فيقول: "ان الواقع شيء والأمنيات شيء آخر، ان صناعة التأريخ يقوم على أساس ما هو فعلي وموجود على ارض الواقع وليس على أساس الرغبات والأماني والأحلام الجميلة." د. شمال الحويزي مدير عام في وزارة الثقافة والشباب في اقليم كردستان!

    الرجل يهين أعضاء هذا "التجمع" ويطعن في وطنهم وهو مطمئن كما يبدو من خبرته بهم، أن شيئا لن يحدث، وان التجمع سيستمر بتقديم خدماته غير المشرفة إلى هذه الدولة العدوانية التوسعية التي تستقي كل مبادئها وقيمها ومقاييسها من إسرائيل وبشكل مثير للدهشة ويكشف عن ضعف شديد في الإبداع. إنه يسخر من وطنهم وهو مطمئن تماما أن احداً منهم لن يجرؤ أن يسخر من كردستانه بنفس الطريقة بل سيحني أعضاء التجمع رؤوسهم ويلتزمون بالصمت، وربما بادر البعض منهم بالفعل إلى اصدار بيان عن "حق كردستان الطبيعي على كامل ترابها الوطني"، ودون ان يعرف أي منهم او يسأل عن حدود ذلك التراب الذي لا يحدده إلا الدم، كما يكرر سيد د. شمال بفخر وكأنه رئيس عصابة مافيا. ولا يبدو أن تلك الحدود تهم أعضاء التجمع، فمثل إسرائيل، لا توجد حدود لكردستان إلا حيث يوقف تقدم البيشمركة دم اشد ضراوة من دمهم النهم إلى التوسع.

    بقي ان نعرف أن مؤسس "التجمع العربي لنصرة القضية الكردية" هو الدكتور أحمد أبو مطر، وهو كاتب فلسطيني من أشد اقلام إسرائيل وأميركا صلافة في تأييدهما في المنطقة، وعندما يكون الفلسطيني قلما لإسرائيل، يمكنك ان تعرف أي نوع من البشر هو، وأية منظمات يمكن ان يؤسس. (3)

    لمن يشعر بالغضب لكرامته من هذا المقال من أعضاء هذا التجمع، أقول أني لم أورد إلا الحقائق في علاقتكم المشبوهة بكردستان. فإن كانت مقبولة لكم فلا مبرر للغضب، وإن لم تكن مقبولة ووجدتم تلك الرسالة مهينة لشخصكم، فدعونا نرى غضبكم على كرامتكم برسالة رد وتبرؤ من هذه المنظمة المشبوهة، مع كلمة تكفرون بها عن الدور غير المشرف الذي لعبه تنظيمكم هذا في دعم الظلم الكردستاني لشعبكم والتغطية على توسعه على حساب ارضه وآلامه.. ولست اول من دعاكم إلى هذا. فقد كتب نزار رهك محذراً إياكم من الدور الذي يركن اليكم قائلا "وأدعوا الأخوة الكتاب اللذين ساهموا في عضوية التجمع الى الانسحاب من هذا المشروع الذي يمنح الشرعية للشوفينية الكردية ولقادتها المتواطئين مع الاحتلال والصهاينة. وما البيان الثاني الصادر حول قضية كركوك إلا بداية للارتكاز الى أسمائكم الفاضلة لتمرير وتبرير سياسة قادة الحركة القومية والشوفينية الكردية.” (4)

    إن من لا يغضب لكرامته إلا حين يتعرض للكشف والإحراج، لا كرامة له في الحقيقة، ومن لا يغضب من إهانة الغير لوطنه وسخريته منه ومن أحلامه ومن وطنه وتسميته بـ "الوهم"، ويبقى يدافع عن "نصرة قضية" تحولت إلى قضية عدوان ولصوصية، ودون ان يراجع نفسه، فإنه لا يستحق وطنه بل يستحق المسخرة التي يتلقاها بالفعل من مثل هؤلاء "الأصدقاء"، وفي النهاية كل مسؤول أمام التاريخ عن مواقفه.

    (1) مسعود بارزاني: لا انسحاب للأكراد من المناطق المنتزعة من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق
      http://www.bbc.com/arabic/middleeast-38006762?SThisFB
    (2) رسالة د. شمال الحويزي مدير عام في وزارة الثقافة والشباب في اقليم كردستان الى ألاخوة في ( التجمع العربي لنصرة القضية الكردية)
    http://baretly.net/index.php?topic=37147.0 
    (3) صديق الشعب الكوردي الكاتب والأكاديمي الفلسطيني أحمد أبو مطر في ذمة الله !
     https://rojavanews.com/arabic/index.php/ku/item/9951-rojavanews
    (4) الفيدرالية والأكراد والتجمع العربي لنصرة القضية الكردية
     http://web.comhem.se/kut/beshtashan%20Nazar1.htm
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media