تقويض مدنية الدولة... مخططات حثيثة!
    الأربعاء 7 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 19:45
    إحسان جواد كاظم
    من يوم اعلان نهج المحاصصة الطائفية - العرقية كنظام حكم, ابتدأت سياسة تقويض مدنية الدولة وسيادتها ووحدة البلاد والمجتمع والتوجه نحو اسلمتها وشرذمتها. وماعدا بعض المناسبات العابرة الذي تعطلت فيها هذه السياسات بسبب الهلع الذي انتاب اركان السلطة بعد انتشار الاحتجاج الشعبي ضد الفساد والفاسدين والمطالبة الشعبية بالاصلاح ثم التغيير , فأن اندفاع قوى الاسلام السياسي الحاكمة ومن تتحالف معها من قوى ساعية الى تمزيق الوطن العراقي, تسارعت وتيرتها. وليس اكثر تعبير عن هذا التسارع هو سلسلة مشاريع القوانين والقوانين التي اقرت بأستعجال مريب. ابتداءاً من قانون الاحوال الشخصية الجعفري ونكاح القاصرات مروراً بقانون محمود الحسن البلدي الذي اقحم فيه فتوى تحريم الخمر ثم قانون الحشد الشعبي واخيراً مشروع قانون القبائل والعشائر المطروح على مجلس النواب لاقراره.
    هذه القوانين مجموعة ومتفرقة وقبلها نهج المحاصصة السيء الصيت كلها تستهدف الحريات العامة وحقوق المواطن والانسان, بشكل او بآخر, وتتناقض مع فقرة صريحة في الدستور العراقي تتعلق بالمساواة بين العراقيين واخرى تكفل تكافؤ الفرص لهم وبينهم.
    واذا كان قانون الحشد الشعبي قد مُرر لدواعي غير مقنعة من قبيل مكافأة المقاتلين على تضحياتهم وبطولاتهم, فأن القوانين اساساً لا تُسن لمكافأة أحد بل لحاجة عملية لتنظيم أمر ضروري ما.
     اما حقوق مقاتلي الحشد وشهدائهم كما جرحاهم , فأنه يمكن ضمانها من خلال قوانين سارية لدى المؤسسة العسكرية تتعلق بحقوق مراتبها ومكافآتهم, تتحمل تضمينها فقرة تشمل بها جميع حاملي السلاح ضد داعش, خصوصاً مع الاعلان المستمرمن قادة الحشد بأن تشكيلاتهم جزء من المؤسسة العسكرية العراقية وتأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة ووزارة الدفاع.
     وبذلك فلا ضرورة لأقرار قانون منفصل لصالح جهات لها مطامح سياسية خاصة.
    ان قانون الحشد لم يكن مكافأة للمتطوعين الابطال الذين يقارعون عصابات داعش ببطولة ونكران ذات, بل هو مكافأة للميليشيات والفصائل التي لم ترضخ للدستور يوماً وبنده المتعلق بحصر السلاح بيد الدولة, ولا توجد ضمانات فعلية بأمكانية خضوعها لقانون الحشد الجديد المفصل على مقاسها.
    ثالثة الاثافي ان لم تكن رابعتها هو قانون القبائل والعشائر المطروح على مجلس النواب لمناقشته واقراره. فقد اثبتت السنوات الماضية خطورة التطبيقات التقسيمة للمجتمع العراقي وتحويله الى كانتونات طائفية وقومية متصارعة والان يجري العمل على تشظيته   اكثر على اساس عشائري ومناطقي.
    فأذا كان اصدار الانكليز لقانون دعاوى العشائر اوائل القرن الماضي قد كرس نشوء طبقة اقطاعية موالية أمنت طرق سير وامداد قواتهم واضطهدت الفلاح العراقي, فأن تشريع هذا القانون الآن يهدف الى تشكيل شريحة طفيلية مرتبطة باحزاب الاسلام السياسي بالخصوص, مجردة من قيم العشيرة الايجابية, تكون لها ظهيراً اجتماعياً يضمن لها قوة انتخابية مدفوعة الأجر من المال العام, تؤبد وجودهم في السلطة, وتلغي حق تكافؤ الفرص الدستوري نهائياً.
     هذا غير ان تكريس شريعة العشيرة الابوية التقليدية التي لاتتناسب مع روح العصر وقيم الحرية الفردية واستقلالية الاختيار الفردي, كان لها افرازاتها من الصراعات العشائرية المسلحة في مناطق عديدة في البلاد والتي عكست صورة قاتمة عما يمكن ان تسود الحياة الاجتماعية العراقية من فوضى في حالة تمرير مشروع هذا القانون في مجلس النواب.
    وليس غائباً عن البال ما ترتب على تطبيق القيم العشائرية في المنازعات الفردية والعامة من تجاوزات كبيرة على حقوق المواطنين, وتحولت, في حالات كثيرة, الى مصدر للابتزاز من بعض المتشيخين. وهي تلغي حق مجتمعي قضائي اصيل في القانون المدني هو ما يدعى ب " الحق العام" في كل المنازعات القضائية الجنائية, حيث تقتصر المحاسبة على ارتكاب اية جريمة, ببساطة, عند عملية دفع ديًة وتصالح وتبويس لحى, ثم تذهب الديًات الى جيوب شيوخ متنفذين كعربون امتنان, بينما الامن المجتمعي يبقى مهدداً.
     ان ما يدعو للاستنكار هو ان اقتراح هذه القوانين جاء بالتزامن مع الانتصارات الرائعة التي تحرزها قواتنا المسلحة الباسلة على ارهابيي داعش والتي تستدعي تلاحماً وطنياً حولها لا بث الفرقة وحرف الانظار عن هذه الانتصارات الباهرة, والانتقاص من دور مؤسسة الجيش بما تمثله من وعاء وطني يجمع فئات شعبنا كلها.
    الدرس البليغ الذي يمكن ان يتعلمه كل نجيب من اللحظة التاريخية التي نعيشها : هو انه لايمكن ان يكون بديل نموذج دولة اللون الواحد الداعشية الاقصائية الا دولة مدنية ديمقراطية اتحادية بعدالة اجتماعية.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media