الحزب الشيوعي العراقي: مشروع التغيير .. دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية
    الخميس 8 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 04:49
    [[article_title_text]]
    بغداد (طريق الشعب) - شهدت بلادنا منذ المؤتمر الوطني الثامن لحزبنا عام 2007، الذي اقر مشروعنا الوطني الديمقراطي، تطورات واحداثا مهمة، عكست استمرار الازمة العامة فيها وتعمقها وشمولها وتعدد مظاهرها . وكان من نتائج تلك التطورات، الفشل في تحقيق ما تطلع اليه العراقيون بعد التغيير في نيسان 2003، من اقامة بديل مدني ديمقراطي حقيقي للنظام الدكتاتوري المقبور، يحول دون اعادة انتاج نظام شمولي استبدادي قمعي بأية ذريعة ووراء أية واجهة.
    وتتسم الازمة التي تجتازها بلادنا كونها ازمة بنيوية مفتوحة على الاحتمالات كافة، وترتبط اسبابها ليس فقط باسلوب التغيير الذي تم عبر الحرب والاحتلال، وبتركة النظام المباد الثقيلة، وانما ايضا بطبيعة نظام الحكم الجديد ونهجه المستند الى المحاصصة الطائفية – الاثنية في قيادة الدولة، وفي بناء وادارة مؤسساتها، المدنية والعسكرية، وتغليب الهويات الفرعية على قاعدة المواطنة العراقية الجامعة وقيمها، وتوظيف الدين لخدمة مطامح سياسية ومصالح اقتصادية ضيقة. كذلك اتسامها بتفاعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فيها، وبما تعرض اليه وطننا من عنف وتخريب وموجات ارهابية دامية.
    من جانب ثانٍ شهدت السنوات الماضية استمرار الحالة الانتقالية المخلة، واحتدام الصراع على  خيارات المستقبل وشكل الدولة وهويتها المدنية وماهيتها، وعلى طبيعة النظام السياسي والاقتصادي- الاجتماعي الجديد. وتفاقمت خلال ذلك حالة استعصاء سياسي تعمقت بفعل الصراعات بين الكتل المتنفذة وفي داخلها، واصرار المتنفذين الفاسدين على تعنتهم وتمسكهم بالمحاصصة تحت عناوين مختلفة، وتغليبهم مصالحهم الضيقة الانانية على مصالح الشعب والوطن.
    وانعكس ذلك كله في اداء مؤسسات الدولة، الذي اتسم بالشلل والعجز عن تلبية حاجات الناس الاولية، وفي اشتداد الازمة المالية الاقتصادية، وتفشي الفساد في الدولة وتفاقمه في المجتمع، وتصاعد التوتر الاجتماعي. وادى الفشل بمظاهره المختلفة إلى تدهور المستوى المعيشي لفئات وشرائح اجتماعية واسعة، خاصة من العمال والفلاحين وعموم الكادحين وذوي الدخل المحدود، بل حتى من الفئات الوسطى، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر.

    الفساد وتحالف السلطة والمال

    لقد غدا الفساد بأوجهه ومظاهره المتعددة، من انحراف واختلاس واحتكار ورشوة وتربح وإهدار للمال العام، ظاهرة مستشرية، وتهديدا خطيرا للبلاد ولاستقرارها السياسي والاجتماعي.
    6. ولعل تنامي التصاهر بين السلطة والمال هو ابرز واخطر تجليات هذا الفساد. كما ان سوء استخدام المال، وسوء التخطيط للمشاريع (وامامنا آلاف  الوهمية والمعطلة المتراكمة منها) يشكلان واحدا من اشكاله الصارخة.
    على صعيد آخر، احدث مسار التطور منذ 2003 تغيرات عميقة بنيوية في اللوحة الاقتصادية – الاجتماعية، اخذت ملامحها تزداد وضوحاً وإن كانت صورتها النهائية غير مكتملة بعد. فنحن نشهد فرزا اجتماعيا وطبقيا مشوها متواترا، وتنامي فئات وشرائح طفيلية وبيروقراطية وكومبرادورية معرقلة لاستكمال بناء الدولة ولأي اصلاح جدي في بنائها السياسي والمؤسسي، كونه يهدد مصالحها وامتيازاتها.
    وجاءت الهزيمة العسكرية والسياسية بسقوط نينوى (حزيران 2014)، وتمدد داعش بعدها جغرافيا ليهيمن على ثلث مساحة البلاد والملايين من السكان، واستمرار الخروقات الامنية، لتكشف المخاطر الجسيمة على مصير البلاد وأمن ابنائها ومستقبلهم، المترتبة على فشل المنظومة السياسية القائمة في الحكم والاداء. في حين بيّنت الصعوبات المالية والاقتصادية الكبيرة، التي نجمت عن تغييب ميزانية 2014 والانخفاض الحاد في العائدات النفطية منذ اواخر 2014، مدى الوهن الذي اصاب اقتصادنا والتعمق الملحوظ لطابعه الريعي، الناجمين كليهما عن سوء الادارة وغياب التوجه نحو تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية مستدامة.
    ونتيجة لاستفحال المشاكل مستعصية الحل في اطار منظومة الحكم القائمة ونهجها، على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية – الاجتماعية،  دخلت البلاد في ازمة شاملة ذات ابعاد بنيوية وسياسية. وتجذرت هذه الازمة بفعل غياب الحلول، لتصبح ازمة نظام حكم وسلطة سياسية، وازمة علاقات وغياب للثقة المتبادلة بين القوى والكتل المتنفذة. الأمر الذي بات يطرح أسئلة مشروعة بشأن مآل العملية السياسية التي انطلقت في البلاد بعد عام 2003.

    تصدع دولة المكونات والمحاصصة وتفاقم ازماتها

    ان السبب الرئيسي لأزمة نظام الحكم والسلطة السياسية هو تكريس مفهوم دولة المكونات  والتشبث بنهج المحاصصة الطائفية – الاثنية، الذي ساهم المحتلون في اعتماده والمستفيدون منه في إدامته، والذي يتمسك المتنفذون به رغم اعترافهم – مضطرين- ما جلب لبلادنا من مشاكل وصعوبات، ورغم فشله في تقديم حلول لمعضلات الوطن، واصطدامه برفض واسع  من جانب جماهير الشعب.
    وامام اصرار المتنفذين على التمسك بهذا النهج، وبالامتيازات والمغانم التي يحملها لهم تقاسم السلطة والثروة، وإزاء انسداد افق حل الازمة الشاملة للبلاد، اصبح التغيير ضرورة ملحة لمواجهة التحديات التي تنهض امام بلدنا، ولفتح آفاق  مصالحة وطنية ومجتمعية حقة، وحفظ وحدة البلاد وتجنيبها مخاطر التقسيم والاحتراب الداخلي.
    ان الاصلاح الحقيقي والشامل هو المدخل لاجراء التغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولدفع عملية الاصلاح والتغيير قدما حتى الخلاص من المحاصصة والفساد وتحقيق المصالحة الوطنية المجتمعية الشاملة، ولبناء وتوطيد ركائز دولة مدنية ديمقراطية اتحادية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
    ومنذ عدة سنوات واوضاع بلادنا المأزومة تولّد تذمرا وسخطا واسعين، يجدان تعبيرهما الأبرز في الحراك الشعبي السلمي المتواصل منذ تموز 2015  والذي شمل معظم المحافظات. وجسد هذا الحراك رفض جماهير وفئات اجتماعية متنوعة لاستمرار مسلسل الازمات وتحمل تبعاته، ومطالبتهاً بالتصدي الجاد للفساد واجتثاثه، وتوفير الخدمات الأساسية، وإصلاح النظام السياسي بسلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتخليصه من المحاصصة الطائفية، وإعادة بنائه على قاعدة المواطنة المتساوية.

    سقوط الموصل والمرحلة الجديدة

    في العاشر من حزيران ٢٠١٤ اجتاحت عصابات الدولة الاسلامية (داعش) مدينة الموصل، واحتلتها دون مقاومة تذكر. وتمددت العصابات الارهابية لاحقا الى محافظات ومدن اخرى في صلاح الدين وكركوك و ديالى والانبار، وارتكبت جرائم شنيعة ضد السكان من مختلف القوميات والاديان والطوائف ، وخربت الحياة العامة، وطالت جرائمها الآثار ودور العبادة والمؤسسات العلمية والمكتبات.
    وبعد سقوط الموصل دخلت بلادنا مرحلة جديدة ومختلفة، احتلت الصدارة فيها مهمة وطنية عاجلة تتمثل في وقف توسع داعش وقهرها، ومباشرة معركة قد تطول لاقتلاع جذور الارهاب من وطننا.
    وفي الأشهر الأخيرة تحققت انتصارات عسكرية كبيرة وتم تحرير أغلب المناطق التي احتلها داعش. ودلل هذا على الامكانيات الكبيرة التي تمتلكها قواتنا المسلحة والقوى المساندة لها، اذا ما توفرت القيادة العسكرية والسياسية الكفوءة للمعارك، وتم تأمين التنسيق الفاعل بين الاطراف التي تتصدى لداعش: القوات المسلحة، البيشمركة، المتطوعون في الحشد الشعبي، والمتطوعون من أبناء المناطق المحتلة من طرف داعش، وتسوية التقاطعات السياسية لصالح دعم المقاتلين في الجبهات، والتوظيف السليم للدعم الدولي وقرارات مجلس الامن، ذات الصلة بالتصدي للارهاب وبمحاصرته وتجفيف منابعه.
    وقد نهض المتطوعون في الحشد الشعبي تلبية لنداء المرجعية العليا، بمهام كبيرة في لحظات حساسة، وقدموا التضحيات والشهداء في معارك التصدي لداعش والاسهام في تحرير عدد من المدن من قبضته. وتأتي مهام الحشد مكملة لمهام الجيش والبيشمركه والقوات المسلحة الاخرى، ويفترض الا يوضع في تعارض معها. علما ان الحاجة قائمة الى تأطير عمله وضمان حقوق منتسبيه وواجباتهم، وان مهماته كمؤسسة مؤقتة تنتهي مع استكمال دحر داعش الارهابي.
    وارتباطا بذلك كله يبقى تطوير امكانيات القوات المسلحة مهمة ملحة، الى جانب اعادة بناء قوام الجيش والشرطة والقوات الامنية على اسس المهنية والكفاءة والنزاهة، والاخلاص للديمقراطية ولمصالح الشعب والوطن، وابعادها عن المحاصصة الطائفية – والاثنية المقيتة، وتخليصها من "الفضائيين" والفاسدين والمرتشين، ومواصلة تعزيز قدراتها تدريبا وتسليحا، وتطبيق التجنيد الالزامي بضوابط جديدة.
    لقد شكلت الانتصارات المحرزة انعطافة مهمة في الحرب على داعش وتحرير المناطق التي سيطر عليها منذ احتلاله الموصل.  لكن ذلك كله يظل غير كاف ما لم تُعتمد خطة متكاملة متعددة الجوانب، تؤمّن تنسيق جهود كافة الاطراف والجهات المعنية تحت قيادة موحدة، مع العمل الحثيث على ان تكون المعركة ضد داعش هما وطنيا مشتركا، وان تؤدي الى الحيلولة دون عودة هذا الطاعون في المستقبل بمسمى آخر او باساليب جديدة.

    تحديات مرحلة ما بعد داعش

    ستواجه شعبنا ووطننا بعد تحرير الاراضي من داعش الارهابي تحديات عديدة، منها مدى قدرة الاجهزة الامنية على الحد من نشاط الخلايا الارهابية النائمة، ومصير التشكيلات شبه العسكرية، ومصير الاراضي المتنازع عليها وتنفيذ المادة 140، والمشاريع المطروحة بشأن محافظة نينوى والدعوة الى جعلها عدة محافظات، وخطوات بناء المصالحة المجتمعية والوطنية الشاملة وبناء السلم الاهلي ، ومشاريع تقسيم البلاد والعوامل التي تحفز عليها.
    ولقد تسبب الاحتلال الداعشي، والمعارك ضد قوى الارهاب، والاحتراب الطائفي، في تهجير ونزوح الملايين من أبناء شعبنا، ما يفرض على الدولة ومؤسساتها والمنظمات الدولية ان تضع في مقدمة اولوياتها مواصلة تقديم الدعم والعون لملايين النازحين والمهجرين  والتخفيف من معاناتهم، واعارة اهتمام خاص لاوضاع ضحايا الارهاب. كذلك تسهيل عودة النازحين الى ديارهم من خلال إعادة اعمار الاراضي المحررة وتنسيق الجهد الوطني والدولي لانجاز ذلك، وتوفير الخدمات الاساسية لهم على نحو عاجل، واستئناف عمل مؤسسات الحكم المحلي والدوائر الحكومية الاخرى، مع عدم اخضاع عودتهم لاية اعتبارات طائفية او اثنية او اجندات سياسية، والحفاظ على الطابع الديموغرافي للمناطق المحررة من قبضة الارهاب.

    الموقف من دعوات تشكيل الأقاليم والحماية الدولية

    في غضون ذلك وبين فترة واخرى تتعالى دعوات الى تشكيل اقاليم، وترتبط "تهديدات" اللجوء اليها عموما بحالة عدم التنسيق وغياب التفاهم بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، وبالاختلاف على الصلاحيات.
    ولا شك في أن تشكيل الأقاليم حق دستوري، وان للعراقيين حق تقرير شكل الأقاليم التي يتم تشكيلها وفقا للدستور، وبموجب الآليات القانونية المنظمة لهذه العملية. وهذا يتجاوب من حيث المبدأ مع التوجه نحو المزيد من الديمقراطية الإدارية، ومنح صلاحيات اوسع للمحافظات والتخفيف من المركزية الشديدة.
    لكننا نشدد على ضرورة التأكد من الحاجة الفعلية والواقعية غير المفتعلة عند التوجه لتكوين الاقاليم الجديدة، وبعيدا عن أي ظرف آني طارئ، وان يأتي التوجه تجسيدا طبيعيا لإرادة المواطنين الحرة وتعبيرا عن طموحاتهم، بعيدا عن الطائفية وعن الفرض والإكراه، ووفقا للسياقات الدستورية ذات العلاقة. كذلك أن يأتي في أجواء توافق وطني عام في المناطق المعنية، ومصالحة وطنية حقيقية، وإعادة للأمن والاستقرار، وبما يعزز وحدة البلاد.
    وفي هذا السياق يمكن تفهم دوافع المطالبة بالحماية الدولية لمناطق معينة في بلادنا، رغبة في توفير الامان والاستقرار فيها، ولحماية ابناء المكونات الاثنية - الدينية من سكانها. لكن مثل هذه الحماية لا تقدم حلولا جذرية لمعاناة ابناء الشعب في هذه المناطق. بل ان الضامن الحقيقي وطني داخلي، يكمن في عدم التفريط بسيادة واستقلال العراق ، والعمل على بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن حقوق العراقيين جميعا، من دون تمييز تحت اية ذريعة اوعنوان، مع الاقرار بالحقوق القومية والادارية والثقافية للتركمان والكلدان السريان الاشوريين والارمن، وتطويرها وتوسيعها بما يحقق التمتع بالادارة الذاتية للقرى والبلدات التي يشكلون فيها الاغلبية في انحاء العراق، وصولا الى صيغة حكم ذاتي ملائمة عندما تتوفر الظروف والمستلزمات الموضوعية لذلك .

    العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان

    تتمتع العلاقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم باهمية خاصة، حيث ان هناك العديد من المشاكل العالقة، التي يجري ترحيلها من سنة إلى أخرى ومن دورة تشريعية إلى ثانية. ومن أهم هذه المشاكل ملفات النفط والموازنة والكمارك، فضلا عن "المناطق المتنازع عليها ".
    أن بعض القضايا ذات طابع موضوعي، وهي تتصل برسم تفاصيل صلاحيات الحكومة الاتحادية وحكومات الاقليم والمحافظات، وارسائها على اسس  توافقية ودستورية سليمة، بعيدا عن التفرد او استغلال الاوضاع الطارئة لفرض امر واقع، لا يشكل مدخلا صحيحا الى علاقة يراد لها الثبات والرسوخ، لخير ابناء الدولة الاتحادية جميعا.
    ان السعي الجاد الى تحريك  الملفات العالقة  واستئناف المفاوضات بين الطرفين بروح ايجابية واستعداد متبادل لتقديم التنازلات، ينبغي ان يكون احد محاور الاصلاح المنشود في العراق ككل، وفي الاقليم. فهذا يصب في مصلحة الجميع.

    النهوض بالاقتصاد العراقي 

    يقف اقتصادنا العراقي اليوم، بفعل الأزمة العميقة التي تشمل مجمل البناء السياسي والمؤسسي للدولة، في مفترق طرق. ففي حال استمرار الأوضاع ومسارات السياسة الاقتصادية وتوجهاتها على ما هي عليه، سيتعمق العطل في الاطار الاقتصادي العام للبلاد من حيث تعمق الطابع الريعي والأحادي للاقتصاد الوطني،  وتخلف الصناعة والزراعة وغياب  التنمية المستدامة.
    وان لاستمرار النهج الاقتصادي الحالي، الذي يجمع اسوأ عناصر اقتصاد سوق منفلت وقطاع دولة متضخم ومترهل ينخر في معظم مؤسساته سوء الادارة وعدم الكفاءة والفساد، تداعيات سلبية ثقيلة على حياة المواطنين، وعلى مظاهر التفاوت في الدخل والثروة، والاختلال في البنية الاجتماعية – الاقتصادية.
    وفي ضوء التجارب الاقتصادية والتنموية الناجحة في العديد من البلدان، يصح القول أن الاقتصاد العراقي الريعي هو احوج ما يكون لدور اقتصادي فاعل للدولة، ليس على المستوى التنظيمي والتحفيزي وحسب، وانما على الصعيد الانتاجي ايضا، وذلك من أجل توفير شروط اعادة تنشيط قطاع الصناعة التحويلية والزراعة، عبر تأمين الحماية للمنتج المحلي وتوفير التمويل الضروري وتحقيق الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والاجنبي، لتحديث الشركات المملوكة للدولة وتوسيع القاعدة الانتاجية وتنويعها.
    ولا يمكن بالطبع انجاز تنمية مستدامة في غياب الرؤى والاستراتيجيات والسياسات الموحدة للدولة في المجال الاجتماعي - الاقتصادي، وفي ظل تردي البنى التحتية اللازمة، ولا سيما الطاقة الكهربائية وشبكات الماء والصرف الصحي والموارد البشرية المتخصصة والكفوءة. وقبل هذا وذاك في غياب مستوى مناسب من الاستقرار السياسي والأمني.
    أما القطاع النفطي فقد تم تطويره وفق تصور حصري له، باعتباره قطاعا للتعظيم المالي، دون الاهتمام بانشاء روابط أمامية وخلفية له مع القطاعات الاقتصادية الأخرى. فتم التركيز على اعادة تأهيل الآبار والحقول النفطية وتحديث وتطوير البنى التحتية للتصدير، فيما لم تحظ عمليات تصنيع النفط والغاز بالاهتمام المطلوب، الأمر الذي قلص من تأثيراته الايجابية على الاقتصاد الوطني وقطاعاته المختلفة.
    من ناحية اخرى وإذ يشكل اعتماد عقود الخدمة في القطاع النفطي توجها سليما يجدر التمسك به، فان من الضروري العمل على معالجة الثغرات التي ظهرت في عقود الخدمة لجولات التراخيص النفطية، مع التوجه الجاد للاستفادة منها في تعزيز قدرات العراق الفنية والادارية والتسويقية لتحقيق الاستثمار الوطني المباشر في حقولنا النفطية، استكشافا وتطويرا.

    سياسة اقتصادية - اجتماعية بديلة

    إزاء تفاقم التمركز في الدخل والثروة، والاستقطاب في مراكز نفوذها وتنامي الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وارتفاع اعداد ونسبة من هم تحت خط الفقر ويسكنون  العشوائيات، والمهجرين والنازحين ضعيفي الدخل، والتدهور المريع في التعليم والصحة والخدمات العامة وفي البنى التحتية، وارتفاع معدلات البطالة، واستشراء الفساد في مختلف مفاصل الدولة، وتعرض المواطن عموماً والمستثمر بشكل خاص إلى الابتزاز من قبل قسم كبير من رموز الفساد في اجهزة الدولة، لا بد من سياسة اقتصادية واجتماعية تختلف عن تلك التي ادت إلى ما نحن فيه اليوم.
    ولا بد ان يكون محورهذه السياسة وهدفها الأساس توفير شروط تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، عبر اصلاح قطاع الدولة والارتقاء بكفاءته وادائه، وتحديث آليات عمله واعتماد معايير النزاهة والكفاءة والخبرة في من يتولون مسؤوليات ادارته القيادية. وان تتم تعبئة موارد الدولة وترشيد استخدامها وتوجيهها نحو تطوير البنى التحتية، وتأمين خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة والنقل، وتنشيط القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية لتنويع هيكلية الاقتصاد العراقي، الى جانب تقليص الانفاق الاستهلاكي والبذخي الحكومي والخاص، واصلاح النظام المصرفي ومراجعة آليات عمل البنك المركزي في توجيه وادارة السياسة النقدية، خصوصا آلية مزاد العملة، والارتقاء بدور البنك التنظيمي والرقابي، وتأمين بيئة جاذبة للاستثمار ومحفزة لنشاط القطاع الخاص.
    كما يتوجب تطوير آليات اعداد الموازنة العامة واعتماد معايير الشفافية وتطبيقها  عند وضعها وتنفيذها، وتعديل بنيتها لصالح الانفاق الاستثماري، وتنويع  مصادر تمويلها عبر تحسين الجباية، واللجوء إلى الضرائب التصاعدية الأكثر عدلاً على ذوي الدخول العالية من العاملين في الدولة والقطاع الخاص، وتقليص العجز والحد من المديونية والسعي الى خفضها.
    وتحقيقا لمستوى أفضل من العدالة الاجتماعية تتوجب اقامة نظام ضمان اجتماعي شامل، وتطوير انظمة التقاعد وشمول العاملين في القطاع الخاص بها، وتبني برامج تشجيعية لعمالة الشباب والنساء، وتوسيع مديات استخدام وتطبيق تقنيات التواصل والمعلومات في الادارة، وتوفير الخدمات العامة والانتاج، بما يقلص الروتين ويرفع الانتاجية ويعزز الرقابة والشفافية.

    البديل المدني الديمقراطي

    إن التغيير المطلوب لن يتحقق إلا عبر بناء منظومة بديل سياسي، يكسر احتكار السلطة المستندة الى الهويات الفرعية وإعادة إنتاجها، ويؤسس لوعي اجتماعي جديد، وتوجه ثقافي يشكل نفيا لثقافة الفساد والاستبداد ولنزعات العودة الى الماضي المناهضة للحداثة والتنوير، ويرسي الاعتراف بالآخر واحترام التنوع. وليس افضل من البديل المدني الوطني الديمقراطي اداة لتحقيق ذلك، ولاعادة بناء الاقتصاد والمجتمع والدولة على اسس جديدة، تجعلها دولة مواطنين احرار وليس رعايا.
    ان الدولة المدنية الديمقراطية  تقوم اساسا على مبدأ المواطنة في بنائها، وعلى وفق معايير موحدة في اسناد الوظيفة العامة في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية. وهي  تتعامل مع مواطنيها على اساس المساواة في الحقوق والواجبات وامام القانون، ومن دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي والاجتماعي. كما انها تؤمّن لمواطنيها تكافؤ الفرص والمشاركة.
    وفي الدولة المدنية الديمقراطية، حيث يتراجع الانقسام في المجتمع، يتم الفصل بين السلطات الثلاث على نحو بيّن لا لبس فيه، وفصل المؤسسات الدينية والعشائرية عن المؤسسات السياسية. وفيها تكون المؤسسة العسكرية خاضعة للادارة  المدنية المنتخبة ديمقراطيا، والسلاح بيد الدولة حصرا. فهي دولة مؤسسات وقانون بحق، تؤمّن الحياة الكريمة لمواطنيها عبر توفير الضمان الاجتماعي الشامل، فتحقق قدرا معقولا من العدالة الاجتماعية، وتؤكد الترابط بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، وعدم الاخلال بالعلاقة لمصلحة احداهما.

    الطريق إلى الاصلاح والتغيير

    ان الطريق الى الأصلاح والتغيير الحقيقيين واقامة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية التي تكفل العدالة الاجتماعية، يتطلب نضالا متواصلا ومتراكما من اجل احداث التغيير المطلوب في موازين القوى السياسية لصالح اصحاب مشروع التغيير وأنصاره. وبمكن تحقيق ذلك عبر اقامة تحالفات واصطفافات وطنية عابرة للطوائف، وحشد طيف واسع من القوى الداعمة للاصلاح والتغيير، وتعزيز دور التيار الديمقراطي والقوى المدنية الديمقراطية، ومواصلة الضغط الجماهيري السلمي المنضبط والمنظم، وتوسيع صفوفه وضم طاقات وامكانات جديدة اليه، بما فيها التعامل مع شرائح شعبية جديدة، ومن قواعد الكتل المتنفذة التي لها مصلحة موضوعية في تحقيق الاصلاح، الذي هو المقدمة الضرورية لاية مصالحة مجتمعية ووطنية حقة .
    وتشكل محاربة الفساد وفضح ومحاسبة رؤوسه، عنصرا رئيسا في الاصلاح والتغيير المطلوبين. ولأجل انجاز هذه المهمة بجدية وفعّالية، فان من الواجب ان تبدأ من قمة السلطة، وان تشمل جميع المسيئين والمتلاعبين بالمال العام، بغض النظر عن مواقعهم الوظيفية ومسؤولياتهم السياسية والاجتماعية والدينية. كما يتطلب الامر ارادة سياسية حازمة، وعملاً متكاملا ذا أبعاد سياسية وتشريعية وقانونية وإدارية وتنظيمية، وانسجاماً بين مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media