خبايا بادرة البارزاني لحلحلة الازمة السياسية في اقليم كردستان
    الأحد 18 ديسمبر / كانون الأول 2016 - 07:01
    جمال فاروق الجاف
    كاتب ومحلل سياسي كردستاني
    اصدر السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان (المنتهية صلاحياته) قبل ايام بيانا يدعو فيه الاطراف المناهضة لادامة رئاسته لحل المعضلات التي تواجه الاقليم. و طرح في بيانه ثلاث نقاط للتباحث حولها وهي، الدعوة الى تفعيل البرلمان (بشرط اعفاء رئيسه)، تشكيل حكومة جديدة، و اخيراً استعداد سيادته للتنحي عن كرسيه.

    استنفر حزب الرئيس، الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) كافة اجهزته الاعلامية لتطبل و التهليل لبادرة الرئيس. وتم على عجل تشكيل طاقم مفاوضات بمستوى رفيع مهمته القيام بزيارات مكوكية لمقار الاحزاب المعارضة سعياً لتفعيل بادرة الرئيس.

    لكن هل حقاً ان بادرة الرئيس هي خارطة طريق لإيجاد حل لأزمات الإقليم، أم انها مناورة ذكية منه لتحقيق مخطط  مدروس قائم على زرع بذور الخلاف بين الاحزاب المعارضة لرئاسته بعد انتهاء مدته القانونية!! لدى مطالعة نص البيان بدقة تظهر بجلاء النوايا المخبأة بين سطور البيان في نقطتين، اولهما، لو كان الرئيس حقا كما يدعي يسعى للوصول الى حل مع الاطراف الاخرى، كان عليه ان يخاطب الاخوة في حركة التغيير (كوران) بلغة دبلوماسية ودية لأنهم الاكثر صلابة في موقفهم الرافض لاستمرار البارزاني في  منصبه. لكن الرئيس لم يفعل ذلك بل عمل عمداً على استفزازهم ونعتهم بالفوضويين ومسببي المشاكل ومشيعي الارهاب الفكري في السليمانية. ثانيا: لو كان الرئيس يرغب في حل الازمة بسلاسة كان بامكانه ان يتخلى عن كرسيه لنائبه السيد كوسرت رسول لحين الانتخابات القادمة بدلاً من القاء الكرة في ساحة الاطراف المعارضة لإحراجهم بمهمة شبه مستحيل. لكنه لم يفعل ذلك لانه عليم بان ترشيح شخص اخر لمحله من قبل خمسة اطراف ضرب من المستحيل. فقد صعب على الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير الموافقة على تنصيب محافظ  للسليمانية وهي قلعتهما فما بالك باتفاق خمسة اطراف على مرشح واحد!! وعليه فالبارزاني ليس صادقاً في مبادرته.

    اذن ما هو هدف الرئيس (المنتهية ولايته) من بادرته؟ باختصار ان الرئيس وحزبه يعولان على موقف التغيير وقناعتهم التامة من ان التغيير سيرفضون مضمون البيان جملة و تفصيلا بعد ان عمد الرئيس على شيطنتهم في بيانه. وهذا ما يتمناه الرئيس لكي يعمل لاحقاً ومن خلال زج الماكنة الاعلامية العملاقة لحزبه في عملية تخوين حركة التغيير و اظهارها كحركة مناوئة لوحدة البيت الكردي في محاولة منه لاقصاء التغيير من العملية السياسية. وعندها يتسنى للرئيس تشكيل حكومة وفق اهواءه  لكون حزبه يستحوذ على اكثرية مقاعد البرلمان فمن الطبيعي ان تكون الحكومة القادمة من حصة حزبه ورئاستها من عشيرته (ربما نجله مسرور). اما رئاسة البرلمان ففي حال قبول أحد جناحا الاتحاد الوطني الكردستاني بحكومة شراكة فعندها يمنح الاتحاد رئاسة البرلمان، والا  يمنح لطرف اخر يقبل بالاذعان. ليس من المستبعد ان يطلب الاتحاد منصب رئاسة الاقليم، لكن من الارجح ان تبقى الرئاسة في قبضة االبارزاني لغاية الانتخابات القادمة ولما بعد الانتخابات والى الازل لتستمر سنوات رئاسته العجاف.

    ولكن الاخوة في التغيير وعوا نوايا الرئيس فاعادوا الكرة الى ساحة الرئيس مخيبا آماله فاعلنوا عن استعدادهم بالتنازل عن منصب رئاسة البرلمان مقابل تخلي الرئيس عن كرسي الرئاسة. وفي قبال هذا العرض من قبل التغيير ماذا سيكون رد فعل الرئيس؟ ترقبوا رد فعل الرئيس و حزبه في الجولة القادمة من المفاوضات. فمن المؤمل ان تحتضن السليمانية في الايام القليلة القادمة لقاء وفد حزب الرئيس (حدك) بالاتحاد الوطني الكردستاني و بحركة التغيير كل على حدة. ومن المؤكد ان وفد التغيير وكما علمته من بعضهم مصرون على مطالبهم بضرورة استبدال الرئاسات الثلاث في حزمة واحدة.

    ويبقى السؤال الصعب اجابته هو هل سيرضى احد جناحي الاتحاد الوطني الكردستاني بالاشتراك في حكومة شراكة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بمعزل عن الاطراف الاخرى و حركة التغيير بالذات؟ لم لا فالسياسة برمتها قذرة لا تعترف بالمعايير الاخلاقية وكما وصفها تشرشل السياسة تعني مصالح مطلقة. لكن من المؤكد ان الولوج في هذه المغامرة من قبل احد جناحي الاتحاد الوطني هو انتحار سياسي لن يجني مرتكبوه منها سوى الخيبة و الخذلان.

    جمال فاروق الجاف
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media