سعر النفط حول 35 دولار للبرميل وان استمر فالعجز في الميزانية العامة يصل الى النصف، مالعمل؟
    الثلاثاء 2 فبراير / شباط 2016 - 20:46
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    انخفاض سعر النفط العالمي من حوالي 100 دولار في النصف الاول من 2014 الى حوالي 50 دولار للبرميل خلال 2015 قرار سياسي بامتياز بطله السعودية وبلدان الخليج التابعة رغم ان هناك عوامل اقتصادية فرضت هذا الانهيار من خلال الطلب والعرض الذي كان ولا يزال بالإمكان معالجة عدم التوازن فيه من خلال سحب الفائض او التخمة في الانتاج عن طريق تخفيض الانتاج في الدول المصدرة للنفط وأهمهم بلدان اوبك وروسيا بحدود الخمسة بالمائة. كان بإمكان السعودية وحلفاءها لوحدها ان تحل مشكلة الفائض خاصة وهي تملك ارصدة مالية ضخمة ولكنها فضلت زيادة الانتاج بدلا من تخفيضه فأضرت نفسها والبلدان المصدرة الاخرى. الاسباب الموجبة لذلك يصعب فهمها اما لعدم عقلانيتها او ضعفها.
    الانخفاض الاخير الى حوالي 30 دولار رافق ضجة حول زيادة انتاج وتصدير النفط العراقي وقرب زيادة انتاج وتصدير ايران من النفط بعد رفع العقوبات الدولية. ان يزيد كل من العراق وايران انتاجهما من ثلاثة ملايين برميل باليوم الى خمسة ملايين برميل باليوم خلال سنتين او ثلاث يعني تقريبا اغراق السوق بفائض قدره اربعة مليون برميل يشكل اكثر من عشرة بالمائة من انتاج اوبك ويسبب انخفاضا كبيرا في الاسعار يضر البلدين والبلدان المصدرة الاخرى. المستوى الجديد معقول اذا قارناه باحتياطي البلدين من النفط والظروف التي مروا بها ولكنها مع ذلك تجلب الضرر للبلدين وللبلدان المصدرة اذا لم يتم نوع من التفاهم على سحب الفائض من العرض/الانتاج.
    فالمشكلة الاساسية الان هو عدم تفاهم البلدان المصدرة للنفط وبالأخص بلدان اوبك في تخفيض تصديرها وبالتالي انتاجها من النفط لسحب الفائض المعروض الذي يسبب انخفاض اسعار النفط. استمرار عدم التفاهم هذا يعني صعوبات جمة على العراق مختصرها عدم امكانية تمويل حتى نصف الميزانية العامة لهذه السنة واحتمال انهاء العملية السياسية الديمقراطية او حدوث تغيرات كبيرة في السلطة، ومعها تخسر طبقة النخبة كل امتيازاتها التي حصلت عليها مع سوء ادارة موارد العراق البشرية والطبيعية وإدخال العراق في فخ الدولة الريعية واللعنة النفطية مرة اخرى من خلال اهمال القطاعات الانتاجية غير النفطية وبالأخص الصناعة والزراعة.
    معالجة الازمة المالية تحتاج الى مساهمة الجميع في تحمل بعض التراجع في مستوى المعيشة ولكن العبء الاكبر يجب ان تتحمله طبقة النخبة السياسية والإدارية والمهنية التي اثرت نفسها على حساب الشعب من خلال رواتب ومخصصات وامتيازات فاحشة لا تجدها لمسؤولين حتى في البلدان المتقدمة ويخجل او يخاف من نشرها المسؤولين العراقيين. على الدكتور حيدر العبادي وهو اكبر مسؤول في العراق حاليا ان يبدأ بنشر الحقائق حول رواتب ومخصصات وامتيازات المسؤولين الحالين والسابقين في اجهزة الدولة المركزية والمحلية ان كان جادا في انجاز الاصلاحات الجذرية وان يطرح ما ينوي عمله فعلا وليس تمنيا من خلال سند خلية ازمة مكونة من عِينة الاقتصاديين العراقيين المهتمين بالشأن العراقي وليس الراتب والمخصصات.
    طبقة النخبة في العراق بدأت بعدة آلاف من السياسيين والإداريين عند اسقاط الحكم الدكتاتوري وفرخت بسرعة لتشمل عدة عشرات من الالوف ممن يتمتعون بامتيازات غير عقلانية تبدأ برواتب ومخصصات عالية وتنتهي بتقاعد دسم يزيد عشرات المرات عن دخل من يعيش تحت خط الفقر اللذين يشكلون الان ربع سكان العراق، رغم ان صاحب الراتب الدسم لم يعمل سوى اشهر او سنين براتب عالي. طبقة النخبة الاولى تعلمت من الامريكان فن العطاء لكسب الولاء والمقبولية !!! ولكي تبقى وامتيازاتها وسعت من قاعدتها وفتحت باب التعيين في الدولة لامتصاص بطالة الاقرباء والمعارف او لفساد وقح.
    اعتقد بأن الاجراءات التالية كفيلة بتخفيف الازمة المالية وتقليل العجز بدرجة كبيرة وقد تكون نافعة للاقتصاد العراقي من ناحية تقليل التبذير والفساد والتعيينات الحكومية وتوفير الموارد لدعم القطاعات الانتاجية:
    اولا، مزيدا من الضغط على الصرفيات غير الضرورية مثل تلك المرتبطة بالإيفادات ومعظمها لمنفعة الموفد ومرافقيه اكثر من منفعة العمل فليس هناك مجال لفضيحة الوفد العرمرم لمؤتمر الامم المتحدة للمناخ رغم عدم اهتمام الموفدين ولا المسؤولين العراقيين بمشكلة التغيرات المناخية.
    ثانيا، استحصال ديون الدولة المتراكمة لدى الافراد والشركات والحكومات المحلية وحكومة اقليم كردستان عن اجور او قروض او ضريبة بضاعة او خدمة او ضرائب دخل او كمارك او مدفوعات مقدمة وغيرها مما يمكن في مجموعه ان يشكل رقمين من الترليونات.
    ثالثا، فرض ضريبة دخل تصاعدية على رواتب ودخل العاملين في الدولة والمتقاعدين تشمل اعفاء لحد 500 الف بالشهر ثم ضريبة قدرها  10% لحد مليونين دينار في الشهر ثم زيادة قدرها  10% اضافية عن كل مليون دينار اضافي في الراتب، اي ان يدفع من دخله 6 ملايين دينار في الشهر 50% ضريبة عن المليون السادس من دخله ومن يزيد راتبه ومخصصاته عن 10 مليون دينار تذهب كل الزيادة للضريبة.
    رابعا، فرض ادخار اجباري قدره 10 % على رواتب ومخصصات كافة العاملين والمتقاعدين في الدولة العراقية تدفع لهم في نهاية العام نقدا او بشكل سندات حكومية مع فائدة جيدة. هذه السندات يمكن جعلها قابلة للتداول التجاري وإيداعها كضمان للقروض.
    خامسا، اعادة النظر في رسوم وجباية سلع وخدمات الدولة من كهرباء وماء وبنزين ورسوم معاملات. سرقة الكهرباء والماء يجب ان يتوقف وان يدفع المستهلكون سعر معقول يغطي جزء من التكلفة ومناسب للمواطنين حسب دخلهم، فسعر الكهرباء والماء يمكن ان يكون تصاعديا حسب الكمية المستهلكة.
    سادسا، تطبيق التعرفة الكمركية في كافة المراكز الحدودية ووضع نظام سيطرة كفوء وشديد لمنع الفساد وضمان دفع الضريبة الكمركية الى المركز وإذا رفضت حكومة اقليم كردستان تنفيذ التعرفة في مراكزها الحدودية فيمكن وضع مراكز حدود داخلية تسيطر على السلع القادمة من الاقليم.
    سابعا، ايقاف كافة المدفوعات لحكومة اقليم كردستان او الاجهزة التابعة المباشرة وغير المباشرة لحين التزامهم بالدستور الاتحادي وتسليم كل النفط والغاز المنتج للحكومة المركزية، وإيقاف انتاج النفط في كركوك فمن غير المعقول ان يدفع المركز صرفيات المحافظة من رواتب ودعم للسلع في حين يأخذ الاقليم موارد نفطها.
    ثامنا، فرض ضريبة ربح على بيع العقارات لا تقل عن 5% من الربح وفرض ادخار اجباري بشكل سندات حكومية قدره 10% على البائع الراغب بتحويل الربح الى الخارج او الى دولار.
    تاسعا، التفاوض مع الشركات العالمية العاملة في العراق والدول المصدرة الرئيسية للعراق مثل الصين وتركيا وايران لإبرام اتفاقيات الدفع الآجل للاستثمارات ولتوفير القروض كتسهيلات تجارية.
    وعاشرا، اصدار سندات دولة داخلية وخارجية بشروط مناسبة وتنظيم ومتابعة جيدة لضمان نجاحها في سحب التخزين البيتي للدينار وفي ليس فقط ابقاء الرأسمال داخل العراق بل أيضا تشجيع العراقيين الساكنين في الخارج للاستثمار في العراق. هذا ويجب حل مشكلة سحب الودائع من البنوك.
    الارقام في المقترحات اعلاه معقولة  ولكن يمكن مناقشتها من جوانب عديدة من قبل الشعب وممثليه ومن قبل خلية ادارة الازمة المالية والاقتصادية التي يفترض ان تشكل من خبراء اقتصاديين معظمهم غير معينين في الدولة ولا يخضعون لها بحكم عدم انتمائهم لطبقة النخبة المنتفعة من الدولة الريعية. هذا ونرى من الضروري في هذه المرحلة تجنب بيع ممتلكات الدولة لأنها ستكون في اسعار بخسة ولصالح الحيتان وأيضا تجنب تخفيض سعر الدينار لان ذلك يسبب ارباكا للاقتصاد من نواحي عديدة اخطرها تضخم منفلت.
    عند تحسن الوضع المالي لا يفترض ايقاف التقشف والإجراءات اعلاه فهي مفيدة وقسم كبير منها وبالأخص الضرائب التصاعدية وتعزيز ايرادات الدولة غير النفطية وضبط الكمارك ضرورية لإخراج العراق من الفخ الريعي ولاستخدام الفوائض الجديدة لدعم الانتاج المحلي وبالأخص اعطاء راتب شهري لكل العاملين في القطاع الخاص قدره 200 الف دينار كنوع من العدالة في توزيع الموارد النفطية وتقليل تكلفة العمل في الانتاج الوطني.
    الاكثر تضررا من هذه الاجراءات طبقة النخبة وقد ترفضها او تعرقل تنفيذها رغم ان عليها ان تعي بأن خسارة الثلث افضل من خسارة الكل. لذا فهناك حاجة مستمرة لاستمرار الضغط الشعبي وضغط المرجعية الدينية الحكيمة لتنفيذ الاصلاحات الجذرية، فالخيرين والأمناء في طبقة النخبة يحتاجون لمثل هذا الضغط لتقليص مقاومة المَصلحيين والفاسدين.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media