واقع انعدام الحس الانساني و التربوي لدى قادة المجتمع العراقي
    السبت 6 فبراير / شباط 2016 - 12:07
    د. عبد المنعم عنوز
    باحث قانوني وأكاديمي
    ان التطرق الى هذا النوع  من الوقائع التي يتعرض اليه المجتمع العراقي في حياته اليومية لا يتطلب  فيه البحث المعمق أوالتحليل السياسي و القانوني الذي اعتدنا ابداء الموقف وتناوله في مواضيع متعددة ، وأهمها تلك التي تشكل اسس بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الناهضة التي هي الضمان الوحيد لتحقيق العدالة الاجتماعية ، وهي التي تدافع عنها كافة القوانين السماوية و الوضعية وفقهائها وكل ما يتصل بها من ضرورة الاجتهاد والتطبيق ...
    ان ما يصون الاسلوب التربوي بأبسط مستلزماته هو اتصاله بوجود الحس الانساني عند من يتوجب عليه شرعا وقانونا تحمل المسؤولية في هذا الميدان  بكافة اركانها المعنوية والمادية  والروحية.
    وبدون شك ان توفر معيار الحس الانساني لدى القائمين بالتعبير عنه في حضورهم وممارستهم وسياساتهم  فردا او جماعة او مؤسسة  له دلالاته في التأثر والتاثير مع ما بنتظره  الفرد في المجتمع العراقي . و ليس اكثر دلالة من اهمية التمتع يالحس الانساني هو ما تعلمناه من المشرع في الدول الغربية ومدارس الفقه فيها  عندما اسست القاعدة القانونية  التي تقضي باعتبار الامتناع عن القبام بعمل قد يعاقب عليه القانون طالما تتحقق ضرورة التدخل لتقديم العون للآخرين ، و قد اتسع نطاق تطبيقها لضرورة امتزاجها مع الحاجة لضمان رقي السلوك البشري داخل المجتمع في هذه البلدان .
    ولكن عندما يهبط هذا الشعور الانساني في القياس الى درجة الانعدام ، هنا لابد من التوقف في مراجعة الذات الانسانية التي تنحدر الى هذا المستوى من القدر وقياس مخاطره . كيف يمكن ان تبني وطنا يفتقر الى ابسط معايير بناء الفرد نواة المجتمع المتحضر في بناء الدولة العراقية ؟  وهل يصح القول بعد ذلك بان كل ما نطلع عليه ونسمعه من التعليقات او الافكار المعلنة للجميع في خطابات ذوي الشأن الديني أو السياسي وحتى المنظمات الاجتماعية وتعليقاتهم على الحال العام ، فهل يشوبها الزيف والرياء حينما تتحدث عن الفقراء والمعدومين ومظالمهم؟ اي ظلم اشد من مصادرة حقوق الاطفال في  توفير مستلزمات تعليمهم داخل المدرسة ؟
    بعد هذه المقدمة المختصرة ، لنأتي بالحديث عن هذه الواقعة المؤلمة  التي يكتنفها  عجز الادراك العقلي وإمكانية قبولها  في الزمان والمكان . حينما يزور محافظ النجف السيد الياسري صفوف مدرسة يجد طالباتها تفترش الارض عدى رحلة واحدة لأحدى الطالبات ، توفرت لها بشكل خاص والتي ، في تقييمنا قد قادها ذويها بجهلهم الى الاخفاق في التربية السليمة وعدم مساواتها بالعناء مع رفيقات حياتها في هذه المرحلة الدراسية . ( الفيديو يبين وجود رحلتين في الصف بألوان زاهية نشر من خلال شبكة التواصل الاجتماعي )
     ثلاثة عشر عاما من الدهر منذ ان ولى نظام الطاغية وبدأت محافظة النجف تتنفس الصعداء في الالتفات الى بناء ذاتها بكامل الاستقلالية والخيارات العقائدية والتمتع بالموارد المحلية المتاحة مع ميزانية انفجارية هائلة لموارد الدولة دعمت تخصيصات المحافظة. وفوق ذلك فأن هذه المدينة اصبحت تشكل قلب الحركة السياسية والاجتماعية للدولة العراقية في الرمز والإرشاد وخضوعها للمراقبة من الجميع بتسليط الاضواء على مجمل اشكال سلوكها وتصرفاتها وفلسفتها في الحياة والعقيدة . ان هذا الواقع ليس افتراضا مدرسيا ولكنه يعبر عن حقيقة قائمة وستبقى النجف مصدر لكل معامل التاثير في بناء الاغلبية من الناس بتقرير نوع نتاجا تها الفكرية والأدبية والعلمية  والأكثر خطورة هو الاتجاه السياسي الذي بدأ تنتظر هيئاته التمثيلية اهمية اتخاذ ما هو ضروري وملزم  لكي يتطابق مع الارشادات والتوصيات المعلنة وبالأساس منها  من قبل المرجعية الدينية وممثلوها ، وكذلك قادة الاحزاب والتيارات السياسية أو الدينية الاخرى .
     فهي المدينة التي تعبر عن مهد ولادة تيارات الاسلام السياسي وأحزابها ومجالسها بكافة تنوعها ، والتي تتصدر حاليا قيادة المجتمع العراقي من خلال هيئات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ،وحيث تحظى رموزها بحضور واسع توجب عليها المسئولية في جانبها الاكبر وتحمل كافة نتائج الاهمال أو التقصير تجاه المجتمع بكافة مكوناته. فكيف يصلح ان لا تكون انموذجا في رعاية مؤسساتها ومنها التعليمية ؟ وإذا كانت عاجزة عن تحقيق تلك الصورة الناصعة للوجه الحضاري في حدود ادارتها للمحافظة ، فكيف لها ان تتمسك بأنها رائدة قادرة على متابعة وتقييم درجة تحقيق مستلزمات الحياة الاساسية ومن اهمها التربية والتعليم لعموم العراق؟  وكيف سيكون عليه حال الخدمات الاخرى بكافة انواع تماسها مع حاجة الناس وحياتهم اليومية .
     انه يصعب على المرء ان يجد تفسيرا او جوابا مقنعا عن اسباب عدم الاكتراث لدى الجميع بان لنا ابناء وبنات في عمر الزهور يقضون تعليمهم في صفوف دون منضدة صفية يجلسون عندها . اين مدير التربية واين المفتش التربوي ومدير المدرسة من كل ذلك ؟ اين الآباء والأمهات ، وأين المؤسسات الاعلامية في المحافظة ؟ وأين منظمات المجتمع المدني وواجباتها قي الرقابة والاستنكار لوجود هذه الظاهرة التربوية البائسة ؟
    لقد تعلمنا صغارا ان الرحلة داخل الصف المدرسي تشكل الرمز التعليمي وتعتبر جزء مهم من مستلزمات الاداء التربوي للطالب والنظام العام المدرسي بشكل عام .  كيف نتصور نشأة هذا الجيل بهذا الأسلوب و كيف سيكون مستوى سلوكه وعطاءه وتفاعله مع مستلزمات التحضر المدني في البناء والتنمية للدولة العراقية ؟ ان هذا الواقع يستوجب مراجعة الذات الانسانية لدى الجميع في اداء الواجبات الشرعية والقانونية كما يتطلبها احترام النظام العام لبناء نموذج الدولة المتحضرة وتكون تصرفات الاطراف المعنية كافة ضامنة لحقوق الناس . بخلاف ذلك ، يكون الجور والظلم ومصادرة حقوق الابرياء والتجاوز عليها هي سمات التخلف الانساني . فهل هو مصير الفرد في الدولة العراقية ؟

    د. عبد المنعم عنوز
    باحث قانوني واكاديمي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media