خطبة الوداع
    الأثنين 8 فبراير / شباط 2016 - 14:16
    هادي جلو مرعي
    رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية
    ربما تكون المرجعية الدينية أحسنت كثيرا بتخليها عن دور الموجه والناصح للمجموعات السياسية التي لم تستجب للنداءات السابقة التي أطلقها ممثلو السيد السيستاني بضرورة محاربة الفساد وكشف المفسدين، فهولاء عبارة عن مجموعات من الثعالب يجيدون الإحتيال، وبإمكانهم إعلان الولاء للمرجعية الدينية والسير حسب توجيهاتها، ثم يروغون عنها بسرعة كبيرة وخاطفة ويحققون مطالبهم غير ملتفتين الى معاناة الطبقات والفئات المحرومة. وخذ مثلا الكتل السياسية الكبرى المتهمة كلها بالفساد والترويج له  من خلال نشر الوزراء والوكلاء والمستشارين والمدراء العامين ورؤساء الأقسام والمقاولين والتجار ورجال المافيات والعصابات في دوائر ووزارات الدولة لسرقة كل شئ، والمشاركة في نهب كل شئ، فهي تلجأ الى الحديث عن ضرورة مواجهة المفسدين الذين يستولون على المال العام بطرق غير مشروعة من خلال إستغلال الصلاحيات الممنوحة لهم، حتى إنني فوجئت بالأمس بأحدهم يتحدث نيابة عن كتلة سياسية يستغيث العراق بأسره من سلوكها السياسي ونهبها للمال العام والسيطرة على الممتلكات العامة، وهو يعبر عن تضامنه مع المرجعية في مواجهة المفسدين، ويشير الى موقف كتلته المعاضد لدور المرجعية والملتزم بدعواتها للإصلاح.

    وأسوأ مايعانيه العراق هو كثرة المفسدين وإدعائهم الصلاح، حتى صارت العلاقة بين المجموعة السياسية الفاسدة ودعاة الإصلاح شبيهة بحالة ذلك الرجل الصالح الذي أراد توجيه النصح لعدد من النساء المعروفات بإنحرافهن وفسادهن، فضحكن في وجهه وسخرن من نصحه وكل واحدة منهن مضى عليها في مسيرة الضياع والإنحراف سنوات عديدة وقد مارست كل صنوف الفساد، وهذا بالفعل هو حال سياسيينا الذين يمارسون الفساد بأشكال مختلفة ومخيفة، فهناك تجاوزات غير مسبوقة من الفئة السياسية التي تستولي على الأموال العامة وتستغل وزارات الدولة، بينما تعاني بعض الكتل السياسية من مرض التراخ وعدم القدرة على المواجهة ووقف المفسدين الذين صار بعضهم أقوى من حزبه وأكثر جرأة وقدرة على المراوغة والسيطرة والنفوذ، فصار يحرك خيوط اللعبة بيده لوحده، ويكاد يجر حزبه، أو كتلته السياسية بخيط من نسج الدولار.

    المرجعية الدينية محترمة من العراقيين ومقدرة، وقدمت العطاء والنصح طيلة سنوات، وساهمت في دعم الديمقراطية والمشاركة الشعبية، ومساندة القوى الأمنية وتأهيلها، ووقف المد التكفيري، وقربت بين المتباعدين، وشكلت اللجان لمساعدة الفقراء والمعوزين والنازحين، ووقفت بقوة ضد محاولة تقسيم العراق ومحاولات نشر الفتنة الطائفية البغيضة، وحاولت كذلك إصلاح البنية السياسية مع رغبتها الشديدة في عدم التدخل، لكنها تدخلت عندما وجدت من يستغيث بها، وهي ترى اليوم وبعد مرور ستة أشهر على دعوات الإصلاح أن شيئا لم يتحقق، وأن هناك إحتيالا سياسيا وسلوكا منحرفا ورغبة في مداومة النهب والسرقات وعدم الإلتزام بمعايير الحكم الرشيد، ولذلك أعلنت أنها لن تواصل توجيه الخطب السياسية خلال المدة المقبلة مايعني أنها تبعث برسالة مواتية لوصف المرحلة المقبلة التي يجب أن تكون مرحلة مواجهة مباشرة مع الفساد والتوجه نحو البحث عن قوة فاعلة على الأرض لردع عصابات ومافيات حزبية متنفذة وجماعات إستثمار سياسي وفساد مالي وهي مواجهة صعبة ومحفوفة بالمخاطر لكن لابد منها، ولسنا نعرف بالضبط الى أين تتجه الأمور لكنها بالتأكيد متجهة الى وضع مختلف عن السابق.


    هادي جلو مرعي
    نقابة الصحفيين العراقيين


    Iraqi Observatory for Press Freedoms
    www.iopf.net
    Hadee Jalu Maree
    Iraq - Baghdad
    pdciraq19@gmail.com

    009647901645028
    009647500217123
    009647702593694
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media