في ذكرى انقلاب 8 شباط الاسود لا للعنف بأشكاله كافة
    الأثنين 8 فبراير / شباط 2016 - 14:19
    طريق الشعب
    في مثل هذا اليوم قبل 53 عاما، صبيحة 8 شباط الاسود، تكاملت خيوط المؤامرة الكبرى (داخليا وخارجيا) لاعادة الحصان الجامح العراقي وتركيعه عبر الاجهازعلى ثورة 14 تموز1958، الثورة المظفرة التي حررت البلد من قيود الاستعمار والتبعية وحققت له الاستقلال الوطني، وفتحت امامه الآفاق للخلاص من قيود الفقر والجوع والمرض والقهر والطغيان والاستبداد، وولوج طريق التحرر والتقدم، وبناء الدولة العصرية على اساس احترام ارادة الناس وحقهم في حياة كريمة ومعيشة لائقة .
    فالانجازات الكبيرة التي توجهت لتحقيقها، وحققتها بالفعل خلال عمرها القصير، محدثة انعطافة مهمة في مسار العراق الحديث، ونقلة نوعية في حياة عامة الناس، وعلى الاخص فقراؤه وكادحوه، لم ترق للانقلابيين البعثيين، ومن تعاون معهم وساندهم ووقف معهم في حلف غير مقدس، لذلك ناصبوها العداء منذ ايامها الاولى وحاكوا ضدها المؤامرة تلو الاخرى، وقد مزقوا خلال ذلك جبهة الاتحاد الوطني – السند السياسي للثورة التي فجرها الجيش، وتلاحم معها الشعب وقواه الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، الذي  كرس جل جهوده ومواقفه واهتمامه للحفاظ عليها وتطويرها، والانطلاق بها الى آفاق واعدة، يستحقها وينتظرها شعبنا الابي، الذي قدم التضحيات الغالية من اجل التحرر وبناء دولته المستقلة .
    وفشلت كل المحاولات الوطنية المخلصة لوقف تدهور الاوضاع، لا سيما المساعي لوقف الحرب في كردستان وتحقيق السلام، ولارساء الحكم على اسس ديمقراطية سليمة بالاعتماد على قوى الشعب الوطنية المخلصة، ولم يكن هذا الفشل معزولا عن التآمر الداخلي والخارجي الواسع، والسعي المحموم لشق وحدة القوى والاحزاب الوطنية وتأليب بعضها ضد الآخر، ومن جانب آخر استغل الانقلابيون الثغرات في الحكم لصالح مشاريعهم الدنيئة، وقد افادوا في هذا من استمرار الاعتماد على الاجهزة ذاتها التي ورثها الحكم الجديد من العهد الملكي، بدلا من التوجه الجاد نحو بناء حياة ديمقراطية برلمانية، تؤسس لتداول السلطة سلميا، وتحترم فيها الحياة الحزبية والمدنية .
    لم تبق اساليب ووسائل ارهاب وقمع واضطهاد وازهاق للارواح، الا واستخدمها القتلة الفاشست في انقلاب 8 شباط الدموي، فكانت المجزرة التي نفذوها رهيبة شنعاء، وكارثة وطنية كبرى، ذهب ضحيتها قادة الثورة الوطنيين المخلصين الاماجد، من العسكريين والمدنيين، وقادة الحزب الشيوعي العراقي والآلاف من كوادره واعضائه وانصاره، وفي مقدمتهم الشهيد البطل سلام عادل ورفاقه الشجعان، الى جانب الكثير من الوطنيين والديمقراطيين.
    لقد فتح ذلك الانقلاب الابواب على مصاريعها امام الانقلابات والمؤامرات المعادية لمصالح الشعب والوطن، وامام المآساة التي اكتملت فصولها في دكتاتورية صدام حسين، الفاشية والشوفينية والعنصرية والطائفية، التي ارجعت العراق بسياساتها وممارساتها المشينة سنوات الى الوراء، وما زال شعبنا يعاني حتى اليوم من الكوارث التي سببتها، ومن تركتها الثقيلة .
    واليوم ونحن نتصدى للارهاب ونحارب منظماته واتباعها القتلة، الذين يذبحون بطريقة ارهابيي 8 شباط  ذاتها، يجدر بنا ان نستخلص الدروس من تلك التجربة المروعة قبل فوات الاوان، وفي مقدمتها ادراك ان لا استقرار وامان ولا تحقيق للتقدم والرخاء، من دون بناء دولة المواطنة والعدالة والقانون، وارساء اسس متينة لحياة ديمقراطية حقة، ولا من دون احترام الآخر وحقه في الاختلاف والمعارضة، وانهاء نظام الطائفية السياسية المستند الى نهج المحاصصة الطائفية الاثنية، ومحاربة الفساد والفاسدين على كل المستويات، وتحرير اراضينا من قبضة داعش، ولا من دون اصطفاف وطني واسع، تتسامى اطرافه فوق المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية والحزبية الضيقة، وتضع مصالح الشعب والوطن العليا فوق اي اعتبار اخر، وتسعى الى تعزيز الوحدة الوطنية وتمتين النسيج الاجتماعي وتهيئة اسس انطلاق نهضة تنموية، صناعية –زراعية - خدمية، توفر الحياة الكريمة للمواطنين، ولا سبيل الى هذا كله في غياب الارادة الوطنية الصادقة، ونمط التفكير القويم، والادارة الرشيدة العقلانية للبلد .
    واظهرت التجربة ايضا المخاطر الجمة الناجمة عن انفلات العنف الدموي، واستخدامه وسيلة لحل الخلافات السياسية، بديلا عن الحوار والتنافس السلميين الديمقراطيين، ومن هنا جاءت اهمية وآنية الدعوات المتكررة الى انهاء وجود المليشيات والجماعات المسلحة خارج القانون، والعمل على حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها المخولة دستوريا بذلك .
    لقد ارتكب الانقلابيون وقطعان "الحرس اللاقومي" غداة 8 شباط الاسود جرائم بشعة، كانت وتبقى وصمة عار في جبين من اقترفوها وبرروها.
    اما الضحايا الشهداء، فقد قطفوا المجد، وهم باقون خالدون في وجدان شعبنا، ومن صمودهم الاسطوري، ومآثرهم المجيدة، نظل نستمد العزم والاصرار على المواصلة والعطاء لخير الشعب، ومن اجل اقامة الدولة المدنية الاتحادية الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والغد المشرق الوضاء.
    ويبقى حريا بالجهات المختصة في الدولة والحكومة ان تعيد النظر في تعاملها مع شهداء مجزرة شباط 1963 وضحاياها الآخرين، وان تنصفهم وتكرّم عوائلهم وتضمن تمتعهم بكافة حقوقهم، فهم جديرون بالرعاية والعناية، شأن السجناء السياسيين من ذلك العهد المشؤوم، الذين ما زالوا حتى اليوم يسعون الى نيل حقوقهم المشروعة، من دون نتيجة.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    افتتاحية "طريق الشعب"
    الاثنين 8/ 2/ 2016
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media