ثلاثية العشق في حب ربيع الأنام
    الأثنين 8 فبراير / شباط 2016 - 14:35
    منتظر الصخي
    الحب هو هبة الله للبشر، صفة من صفاته (جل جلاله) أوجداها في قلوب الناس، ليكونوا علاقات حميمية صادقة تساعد على بناء مجتمع متماسك، فحينما يعشق الإنسان إنساناً آخر، فإن العشق فيما بينهما، يستمر بمدى قوة العلاقة التي تربطهما معاً، فكلما أزداد العاشق معرفة بالمعشوق، وأطلع عليه عن قرب وفهمه بوضوح، أزداد تعلقا وإرتباطاً به أكثر، ليكون حينها العاشق جديا بإسعاد معشوقه، الذي يتمنى وبكل شغف أن يرضيه دائماً، فتراه لطالما يسعى بقوة أن يجعله مبتهجا .

    العاشق الحقيقي؛ هو ذلك الذي أجنه العشق، وجعله يعيش عالما خاصا لا يوجد فيه أحد إلا هو وحبيبه، يعتبره عالم السعادة والطمأنينة، التي كافح من أجل إيجادها وسيبذل كل شيء في سبيل بقائها حتى وإن كلفه المستحيل، دون أن يكترث لما قد سيؤول إليه هذا العشق .

    لكن قد يتسائل أحدهم سؤالا منطقيا، ليتفهم عن حقيقة هذا النوع من الحب، ألا وهو: من يستحق كل هذا العشق الجنوني، الذي يجعل من المرء مستعداً لفني وجوده في سبيله، ويفدي من أجله كل شيء، دون أن يطلب أي مقابل منه، كبر الطلب أو صغر، قصة عشق لم نرى لها مثيل إلا في القرآن الكريم، حيث قصة يوسف النبي ؟، وللإجابة بصدق على هذا التساؤل، لابد أن من البحث في العالم الواسع وبين المليارات من البشر عم من يستحق كل هذه التضحيات، وبعد  البحث لا مفر إلا من معرفة هذا المعشوق يا ترى من هو ؟، لمَ هو لا غير ؟، ولأي سبب ؟، وأي أكسير أمتلكه هذا الذي جعل من العاشق بعشقه مجنونا متيما وبحبه مغرما ؟.

    أي صفات تميز وأنفرد بها عن باقي البشر، جعلته يستهوي القلوب ليملكها فيبسط كل سيطرته عليها ؟، أيها السائل لا تتحير كثيرا، ولا تذهب بك المذاهب حيث إن الحيرة قد أخذت منك كل مأخذ، تعال أيها السائل؛ فجالس العاشق وحدثه ليجيبك فترتاح من همك الذي صار كل شغلك، إن المعشوق هذا هو عين الحياة وشمسها التي لا تغيب، تهب رياحه بعصف على الغيوم حينما تتجمع حتى تبقى أشعة شمسه تمدنا بنورها لنحيا ، أنيس كل نفس حيث لا سعادة لها إلا عنده، في كل نفس ينبض القلب فعشقه حياة .

     كثيراً ما أبتعدنا عنه، لكنه ظل واقفا رُغم آلامه وأحزانه ينتظر دون أن يفقد الأمل بعودتنا إليه، بصدق إنني أكلمك فلا تستغرب !، ولطالما أخطأنا بحقه فكان ولا يزال يُسامحنا، يجتهد من أجل أن لا يسوؤنا شيء فعمل بجد من أجل سعادتنا، قبل أن نبادله العشق بادلنا إياه حينما كنّا في الغفلة مشغولون عنه، معنا دائما في السراء والضراء فيذلل الصعوبات إن وجدت، يسهر على راحتنا، يداوينا حينما نجرح في الجبهات أو حتى إن أصابنا المرض،  يطعمنا حتى لا نجوع، يتوسل إلى الله بتضرع إن أذنبا حتى لا يسخط علينا فيعذبنا بما فعلناه، وألف كلمة وكلمة لا تكفي لعد فضله علينا نحن البوؤساء .

    آهٌ وكم نحن سذج ؟، أف وآخ منك يا دنيا، سحرك هذا كم أشغلنا عن ربيع الأنام ؟، آهٌ هل ينفع الندم تُرى ؟، هل يقبل العُذر إن إمتلكناه أصلاً ؟، لو فعلنا أي شيء هل سنعوض كل ما قدمه لأجلنا ؟، كم نحن بعيدون عنه ؟، ورغم هذا هو كان ولا يزال قريبا، أجل؛ إنه إبن الزهراء فاطمة (صلوات الله عليها) يوسفها الذي تتلهف لقدومه بشوق، أبنها وفلذة كبدها الذي سيحقق العدل الإلهي في ربوع الأرض فيقسطها التي أمتلأت من الظلم والجور ما لا يحتمل، فيقتص ممن ظلمها ليعاقبهم بعذاب لم تشهد له الأرض مثيل، فيشفى غليل قلبها المستعر منذ عصرة الباب، وعن من ظلم الحسين (صلوات الله عليه) جده، سيقيم محكمة الجزاء، لعذابهم قد أفتى الإمام، لا علم لأحد به إلا الله (جل جلاله) يعلم كيف سيكون عذابهم .

     هو صاحب الزمان وولي العصر (عجل الله فرجه) إن كنت تجهله، للقياه شد المنتظرين رحالهم، فسلكوا من أجله طريق الإنتظار طلباً لرضاه فصار غايتهم، الذي أنساهم الدنيا وما فيها من زخرف وزبرج، ولغيبته شأن وشأن، فمنها كان كجده الحسين (سلام الله عليه) يطلب الناصر فلا ناصر يستمع لصرخاته فيلبي النداء، إلا المنتظرين فلكن ويال الأسف، قليلون لا زالوا وإن كثر المحبين، فحقيقة المنتظِر للمنتظَر في طريق الإنتظار هو من لبّى النداء بالقول والفعل، فالقلب صرخ ملبيا قبل تلبية اللسان .

    ثلاثية عشق، مُنتظِر في إنتظار المُنتظَر، لابد من التعامل بجدية وحذر، فمن أراد المنتظَر عليه أن يسلك الطريق الذي رسمه أهل البيت (صلوات الله عليهم) لا غيرهم، وبمعنى أدق أن يعيش المنتظِر حالة الإنتظار في كل لحظة، على العكس مما يفعله الآخرون،وعليه أن يتهيئ للقاء الله والسلام .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media